الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَيوب إِذْ نَادَى ربه﴾ أَي: دَعَا ربه. وَقَوله: ﴿أَنِّي مسني الضّر﴾ أَي: الْبلَاء والشدة، وَقيل: الْجهد. وَقَوله: ﴿وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ﴾ أَي: أرْحم من يرحم. وَاعْلَم أَن قصَّة أَيُّوب طَوِيلَة، وَذكر فِي التَّفْسِير مِنْهَا، وَكَذَا نذْكر بَعْضهَا، فَروِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَن الله تَعَالَى أعْطى أَيُّوب مَالا وَولدا، ثمَّ أهلك مَاله وَولده. وَذكر وهب بن مُنَبّه وَغَيره: أَنه كَانَ ذَلِك لتسليط إِبْلِيس على مَاله وَولده، قَالَ الْحسن: فَلَمَّا بلغه هَلَاك مَاله وَولده، حمد الله حمدا كثيرا وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّه كَانَ يشغلني مَالِي وَوَلَدي عَن عبادتك، والآن قد فرغ لَك سَمْعِي وبصري وقلبي وليلي ونهاري. قَالَ وهب: ثمَّ ابتلاه الله تَعَالَى فِي جِسْمه، وَكَانَ إِبْلِيس يحسده فِي كَثْرَة عِبَادَته وَكَثْرَة ثَنَاء أهل السَّمَاء عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رب، لَو ابتليته لقصر فِي عبادتك، فَقَالَ الله تَعَالَى لَهُ: سلطتك على جِسْمه سوى قلبه وَلسَانه وعقله - هَذَا قَول وهب وَغَيره، وَالله أعلم - ثمَّ ظهر الْبلَاء فِي جسم أَيُّوب، وَاشْتَدَّ بِهِ الْبلَاء غَايَة الشدَّة حَتَّى قرح جَمِيع جسده وتدود، واجتنبه جَمِيع قومه، وَأُلْقِي على مزبلة من مزابل بني إِسْرَائِيل، وَلم يقربهُ أحد غير امْرَأَته كَانَت تَتَصَدَّق النَّاس وتطعمه، وَاخْتلفُوا فِي مُدَّة بلائه: فَقَالَ ابْن عَبَّاس: سبع حجج، وَقَالَ وهب: ثَلَاث أَحْوَال. وَأما قَوْله: ﴿أَنِّي مسني الضّر﴾ فَفِي الْقِصَّة: أَنه لم يدع الله تَعَالَى بكشف الضّر فِي تِلْكَ الْمدَّة الطَّوِيلَة إِلَى أَن بلغ وَقت الْكَشْف ثمَّ دَعَا، وَاخْتلفُوا فِي سَبَب دُعَائِهِ: قَالَ الْحسن: كَانَ سَبَب ذَلِك أَن جمَاعَة من أصدقائه رَأَوْا بِهِ ذَلِك الْبلَاء الشَّديد فَقَالُوا: لَو كَانَت عبادتك الَّتِي كنت تفعل لله تَعَالَى خَالِصا مَا أَصَابَك هَذَا الْبلَاء. قَالَ حبيب بن أبي ثَابت: لم يدع الله تَعَالَى بالكشف حَتَّى ظَهرت ثَلَاثَة أَشْيَاء أكره مَا يكون: أما الأول: فَقدم عَلَيْهِ صديقان لَهُ من الشَّام حِين بلغهما خَبره، فجاءا إِلَيْهِ، وَلم يبْق مِنْهُ إِلَّا عَيناهُ، ورأيا أمرا عَظِيما، فَقَالَا لَهُ: لَو كَانَ لَك عِنْد الله منزلَة مَا أَصَابَك هَذَا، وَالثَّانِي: أَن الْمَرْأَة طلبت طَعَاما فَلم تَجِد شَيْئا تطعمه، فباعت ذؤابتها، وحملت إِلَيْهِ طَعَاما، وَذكرت لَهُ ذَلِك، وَالثَّالِث: أَن إِبْلِيس اللعين لما رأى صبره جزع جزعا شَدِيدا، فَاتخذ تابوتا وجع فِيهِ أدوية، وَقعد على طَرِيق امْرَأَته يداوي النَّاس، فمرت عَلَيْهِ امْرَأَته، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك قَالَت: أَيهَا الرجل، إِن عِنْدِي مَرِيضا أفتداويه؟ قَالَ: نعم، وأشفيه، قَالَت: مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: لَا أُرِيد شَيْئا إِلَّا أَن يَقُول حِين أشفيه: أَنْت شفيتني، فَذَهَبت وَذكرت ذَلِك لأيوب - عَلَيْهِ السَّلَام - فَقَالَ: هُوَ إِبْلِيس قد خدعك، وَالله لَئِن شفاني الله لأضربنك مائَة جلدَة. وَرُوِيَ أَن إِبْلِيس جَاءَ إِلَى أَيُّوب ووسوس إِلَيْهِ، أَن امْرَأَته زنت، وَأَنه قطعت ذؤابتها لذَلِك، فَحِينَئِذٍ عيل صبره لهَذِهِ الْأَشْيَاء فَدَعَا وَقَالَ: ﴿أَنِّي مسني الضّر﴾ . فَإِن قَالَ قَائِل: أَلَيْسَ أَن الله تَعَالَى سَمَّاهُ صَابِرًا، وَقد ترك الصَّبْر حِين دَعَا؟ قُلْنَا: لَا، لم يتْرك الصَّبْر، فَإِن ترك الصَّبْر بِإِظْهَار الشكوى إِلَى الْخلق، فَأَما بإظهارها إِلَى الله تَعَالَى فَلَا يكون تركا للصبر. وَعَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه قَالَ: إِذا أظهر الشكوى إِلَى الْخلق، وَهُوَ رَاض بِقَضَاء الله، فَإِنَّهُ لَا يكون تَارِكًا للصبر أَيْضا. وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي " أَن جِبْرِيل دخل عَلَيْهِ فِي مرض الْمَوْت فَقَالَ: كَيفَ تَجِد نَفسك؟ فَقَالَ: يَا جِبْرِيل، أجدني مغموما، أجدني مكروبا ". ﴿فاستجبنا لَهُ فكشفنا مَا بِهِ من ضرّ وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم﴾ وَرُوِيَ أَنه قَالَ لعَائِشَة - صلوَات الله (عَلَيْهِ) -: " بل أَنا وارأساه " الْخَبَر بِطُولِهِ. وَفِي الْقِصَّة: أَن الدودتين كَانَتَا [تقتتلان] على جسده، فَكَانَ يفرق بَينهمَا، وَيَقُول لَهما: كلا من رزق الله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب