الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾ قال قتادة: (بطاقتنا) [["تفسير القرآن" للصنعاني 2/ 17، "جامع البيان" 16/ 197، "النكت والعيون" 3/ 418، "زاد المسير" 5/ 313، "الدر المنثور" 4/ 547.]]. وقال مقاتل: (ونحن نملك أمرنا) [["الكشف والبيان" 3/ 23 أ، "تفسير مقاتل" 5 ب.]]. وهذا معنى قول ابن عباس في رواية الوالبي يقول: (بأمرنا) [["جامع البيان" 16/ 197، "الدر المنثور" 4/ 547، "فتح القدير" 3/ 544.]]. وقال مجاهد: (بأمر نملكه) [["جامع البيان" 16/ 197، "الدر المنثور" 4/ 547.]]. قال الفراء: (في التفسير إنا لم نملك الصواب وإنما أخطأنا) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 189.]]. وحكى الزجاج أيضًا: (﴿مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ﴾ بأن ملكنا الصواب) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 371.]]. ومعنى هذا أنهم أقروا على أنفسهم بالخطأ، وقالوا: إنا لم نملك أمرنا حتى وقعنا بالذي وقعنا فيه من الفتنة، وهذا التفسير لا يطرد عليه نظم الآية، ولا يبقى معه معنى كقراءة من قرأ: بِمُلْكِنَا بالضم [[قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: (بمِلْكِنَا) بكسر الميم. وقرأ نافع، وعاصم: (بِمَلْكِنَا) بفتح الميم. وقرأ حمزة، والكسائي: (بِمُلْكِنَا) بضم الميم. انظر: "السبعة" 422، "الحجة" 5/ 244، "التبصرة" 261، "النشر" 2/ 321.]]. ولكان يجب أن يقولوا: فأخرج لنا عجلًا جسدًا، ولكن الصحيح ما ذكره بعض أهل التفسير: (أن هذا من قول المؤمنين الذين لم يعبدوا العجل) [["النكت والعيون" 3/ 418، "زاد المسير" 5/ 314، "التفسير الكبير" 22/ 102، "أضواء البيان" 4/ 494.]]. ولعل هذا أصح؛ لأن العتاب جرى معهم في سوء خلافتهم من ترك الإنكار على عبدة العجل، فقالوا له: ما أخلفنا موعدك الذي وعدناك من حسن الخلافة، ونحن نملك شيئًا من أمرنا، أو نطيق ردهم عن عظم ما ارتكبوا؛ لأنا كنا مغلوبين لقلتنا وكثرتهم، وكذا جاء في رواية: (إن الذين لم يعبدوا العجل كانوا اثني عشر ألفا وافتتن الباقون بالعجل وكانوا جميعًا ستمائة ألف) [["الكشف والبيان" 3/ 23 أ، "معالم التنزيل" 5/ 288، "الكشاف" 2/ 549، "الجامع لأحكام القرآن" 16/ 234.]]. وأكثر القراء: بِمِلْكِنَا بالكسر [[قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: (بِمِلْكِنَا) بكسر الميم. انظر: "السبعة" ص 422، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 244، "المبسوط في القراءات" 250، "حجة القراءات" 471.]]. والتقدير: بملكنا أمرنا، فأضيف المصدر إلى الفاعل وحذف المفعول، كما أنه قد يضاف إلى المفعول، ويحذف الفاعل في نحو: ﴿دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ [فصلت: 49]، ﴿بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ﴾ [ص: 24]، ومن قرأ: بِمِلكنا فهو المصدر الحقيقي يقال: مَلَكْتُ الشيء أَمْلِكُه مَلْكًا، والمِلْكُ ما مُلِكَ مثل: الطَّحْن والطِّحْن، والسَّقي والسِّقي، وقد وضع الاسم موضع المصدر، كما قال [[هذا عجز بيت للقطامي من قصيدة يمدح فيها زفر بن الحارث الكلابي، وصدر البيت: أَكُفْرأَ بَعَدَ رَدِّ الموْتِ عِنِّي الرتاع: الإبل الراعية. يقول: لا أكفر معروفك بعد أن أطلقتني من الأسر، وأعطيتني مائة من الإبل الرتاع. انظر: "ديوانه" ص 37، "تذكرة النحاة" ص 456، "خزانة الأدب" 8/ 136، "الشعر والشعراء" 2/ 723، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 245، "الخصائص" 2/ 221، "شرح المفصل" 1/ 20، "همع الهوامع" 1/ 188، "لسان العرب" (عطا) 5/ 3001.]]: وَبَعْدَ عَطائِكَ المِائَةَ الرَّتَاعَا أعمل الاسم إعمال المصدر [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 245.]]. ومن قرأ: بِمُلكنا بضم الميم فمعناه بقدرتنا وسلطاننا، يعني لم نقدر على ردهم، وأنكر أبو عبيد هذه القراءة [[لعل الإنكار للمعنى وليس للقراءة، فالقراءة ثابتة بالتواتر فلا يجوز إنكارها.]]، فقال: (المُلْك إنما هو من السلطان والعزة، وأي مُلْك كان لبني إسرائيل يومئذ، وإنما كانوا بمصر مستضعفين) [["غريب الحديث" لأبي عيدة 3/ 136، "جامع البيان" 16/ 198، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 245.]]. كما قال الله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ﴾ [الأعراف: 137] وقال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: 5]. فليس الأمر كما ذهب إليه؛ لأنه ليس معنى الملك هاهنا: السلطان الشديد والكبرياء، وإنما معناه: القدرة فقط [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 245.]]. وأصل الملك راجع إلى معنى واحد ذكرناه عند قوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: 4]. على أن أبا الحسن الأخفش حكى: (أن الملك مصدر في المالك) [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 245.]]. وحكى الفراء: (مَالِي مُلْك أي: شيء أَمْلِكُه) [["معاني الفراء" للفراء 2/ 189.]]. وعلى هذا معنى الوجوه كلها واحد [[قال ابن جرير الطبري "تفسيره" 16/ 199: وكل هذا الأقوال الثلاثة في ذلك متقاربات المعنى؛ لأن من لم يملك نفسه لغلبة هواه على ما أمر فإنه لا يمتنع في اللغة أن يقول فعل فلان هذا الأمر وهو لا يملك نفسه وفعله وهو لا يضبطها، == وفعله لا يطيق تركه وإذا كان ذلك كذلك فسواء بأي القراءات الثلاث قرأ ذلك القاري.]]. ثم ذكروا قصة إتخاذ العجل فقالوا: ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ أي: أثقالاً وأحمالًا [["تفسير القرآن" للصنعاني 2/ 18، "الكشف والبيان" 3/ 23، "جامع البيان" 16/ 199، "تفسير كتاب الله العزيز" 3/ 47، "النكت والعيون" 3/ 418.]]. قال قتادة: (كانت حليا تعوروها [[العارية والعارة: ما تداولوه بينهم، وقد أعاره الشيء وأعاره منه، والمعاورة والتعاور: شبه المداولة والتداول في الشيء يكون بين اثنين، واستعار الشيء واستعاره منه: طلب منه أن يعيره إياه. انظر: "تهذيب اللغة" (عار) 3/ 2273، "القاموس المحيط" (العور) 2/ 97، "لسان العرب" (عور) 5/ 3165، "مختار الصحاح" (عور) ص 462.]] من آل فرعون فساروا وهي معهم) [["تفسير القرآن" للصنعاني 2/ 18، "جامع البيان" 16/ 199.]]. وقال مجاهد: (أوزارًا من زينة الحلي الذي استعاروه من آل فرعون وهي الأثقال) [["جامع البيان" 16/ 199، "النكت والعيون" 3/ 418، "تفسير كتاب الله العزيز" 3/ 47.]]. وهذا قول ابن عباس، والسدي، وابن زيد [["جامع البيان" 16/ 199، "النكت والعيون" 3/ 418.]]. والأكثرين: أن (الأوزار) هي الأحمال، و ﴿زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ حلي آل فرعون استعارة بنو إسرائيل قبل خروجهم من مصر فبقي في أيديهم، وكان موسى قد أمرهم بذلك [["جامع البيان" 16/ 199، "الكشف والبيان" 3/ 23 ب، "تفسير كتاب الله العزيز" 3/ 47، "النكت والعيون" 3/ 418، "معالم التنزيل" 5/ 289.]]. وقال الزجاج: (يعنون بالأوزار: حليا كانوا أخذوها من آل فرعون، حين قذفهم البحر فألقاهم على الساحل، فأخذوا الذهب والفضة وسميت أوزارًا. قال: وسميت أوزارًا؛ لأن معناها الآثام) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 372.]]. ونحو هذا ذكر الفراء [["معاني القرآن" للفراء 2/ 189.]]. وعلى هذا المراد بزينة القوم: ما كان معهم حين أغرقوا من مصوغات الذهب والفضة للمناطق وزينة الدواب، وغير ذلك فسميت أوزارًا، بأن معناها أثام لم يحل لهم أخذها [["معالم التنزيل" 5/ 289.]]. وعلى هذا القول يجوز أن يكون المراد بالأوزار الأحمال؛ لأن الوزر في اللغة: الحمل [[انظر: "تهذيب اللغة" (وزر) 4/ 3883، "القاموس المحيط" (الوزر) 2/ 154، "الصحاح" (وزر) 2/ 845، "لسان العرب" (وزر) 8/ 4823.]]. وقرئ: بالتشديد وضم الحاء [[قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: (حُمِّلنا) بضم الحاء وتشديد الميم، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: (حَمَلنا) بفتح الحاء وتخفيف الميم. انظر: "السبعة" ص 423، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 246، "حجة القراءات" ص 462، "المبسوط في القراءات" ص 250.]]. المعنى: جعلونا نحمل، وحُمِلْنا على ذلك وأُردنا له وكلفنا حمله، ومن قرأ: حَمَلْنا أراد أنهم فعلوا ذلك. قال أبو عبيد: (وهو الاختيار؛ لأنّ التفسير قد جاء أنهم حملوا معهم ما كان في أيديهم من حلي آل فرعون) [["تفسير القرآن" للصنعانى 2/ 17.]]. وقوله تعالى: ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ أي: طرحناها، واختلفوا أين طرحوها؟ وكيف فعلوا؟ فقال قتادة: (لما مضت ثلاثون يومًا ولم يرجع موسى قال السامري: هذه العقوبة التي أصابتكم بتخلف موسى عن الوقت الذي وقته لرجوعه إليكم، إنما أصابتكم بالحلي التي معكم، فاجمعوها حتى يجيء موسى فنقضي منه فجمعت ودفعت إليه) [["جامع البيان" 16/ 199، "النكت والعيون" 3/ 418، "الجامع لأحكام القرآن" 16/ 236.]]. وعلى هذا معنى ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ ألقيناها إليه، وهذا قول قتادة قال: (فقذفوها إليه) [["تفسير القرآن" للصنعاني 2/ 17.]]. وقال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: (قال لهم هارون: إنكم تحملتم أوزارًا من زينة آل فرعون فتطهروا منها، فإنها نجسة، وأوقد لهم ناراً وقال: اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها. قالوا: نعم فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الحلي فيقذفونها فيه، حتى استلب الحلي فيها) [["بحر العلوم" 2/ 352، "معالم التنزيل" 5/ 289، "الدر المنثور" 4/ 546.]]. وعلى هذا معنى ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ ألقيناها في النار. ونحو هذا ذكر الزجاج [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 372.]]. وقال السدي: (قال هارون لهم: إن الحلي غنيمة ولا تحل لكم الغنيمة فاحفروا لهذا الحلي حفرة فاطرحوه فيها) [["جامع البيان" 16/ 200، "معالم التنزيل" 5/ 289، "روح المعاني" 16/ 247.]]. وعلى هذا المعنى فقذفناها في الحفرة. قوله تعالى: ﴿فَكَذَلِكَ﴾ أي: فكما ألقيت (ألقى السامري) قال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد ألقى الحلي -وهو الذهب- في النار) [[ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" 16/ 199، "المحرر الوجيز" 10/ 76، "معالم التنزيل" 5/ 290 منسوب لابن عباس، "زاد المسير" 5/ 315، "الكشاف" 2/ 550، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 180.]]. وهذا اختيار الزجاج والفراء، قالا: (وكذلك فعل السامري؛ أي: ألقى حليًا كان معه في النار) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 189، "معاني القرآن" للزجاج 3/ 372.]]. وعلى هذا دل كلام مجاهد؛ لأنه يقول: (فلذلك صنع السامري) [["جامع البيان" 16/ 200، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 235، "تفسير مجاهد" 465.]]. أي: فعل كما فعلنا. وقال آخرون: (وكذلك ألقى السامري يعني: ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل) [["جامع البيان" 16/ 199، "تفسير كتاب الله العزيز" 3/ 47، "بحر العلوم" 2/ 352، "معالم التنزيل" 5/ 290، "الجامع لأحكام القرآن" 16/ 235.]]. قال قتادة: (وقد كان صر في عمامته قبضة من أثر فرس جبريل يوم جاوز ببني إسرائيل فقذفها فيها) [["جامع البيان" 16/ 199، "معالم التنزيل" 5/ 290، وذكر نحوه الصنعاني في "تفسير القرآن" 2/ 17.]]. فهذا معنى قول ابن عباس في رواية السدي عن أبي مالك عنه [["جامع البيان" 16/ 200، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 180، "الدر المنثور" 4/ 545.]]. وعلى هذا معنى ﴿أَلْقَى﴾ ألقى القبضة التي كانت معه من التراب. ولعل الأقرب هذا القول [[قال ابن عطية 10/ 72: وروي -وهو الأصح الأكثر-: (أنه ألقى الناس الحلي في حفرة أو نحوها وألقى هو عليه القبضة فتجسد العجل، وهذا وجه فتنة الله تعالى لهم، وعلى هذا انخرقت للسامري عادة، وأما على أن يصوغه فلم تنخرق له عادة وإنما فتنوا حينئذٍ بخواره فقط، وذلك الصوت قد تولد في الأجرام بالصنعة).]]؛ لأن الله تعالى أتبعه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب