الباحث القرآني

﴿وما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يامُوسى﴾ ﴿قالَ هم أُولاءِ عَلى أثَرِي وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾ ﴿قالَ فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ ﴿فَرَجَعَ مُوسى إلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أسِفًا قالَ ياقَوْمِ ألَمْ يَعِدْكم رَبُّكم وعْدًا حَسَنًا أفَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ أمْ أرَدْتُمْ أنْ يَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبٌ مِن رَبِّكم فَأخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾ ﴿قالُوا ما أخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا ولَكِنّا حُمِّلْنا أوْزارًا مِن زِينَةِ القَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذَلِكَ ألْقى السّامِرِيُّ﴾ ﴿فَأخْرَجَ لَهم عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى فَنَسِيَ﴾ ﴿أفَلا يَرَوْنَ ألّا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا ولا يَمْلِكُ لَهم ضَرًّا ولا نَفْعًا﴾ [طه: ٨٩] . لَمّا نَهَضَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِبَنِي إسْرائِيلَ إلى جانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ حَيْثُ كانَ المَوْعِدُ أنْ يُكَلِّمَ اللَّهُ مُوسى بِما فِيهِ شَرَفُ العاجِلِ والآجِلِ، رَأى عَلى وجْهِ الِاجْتِهادِ أنْ يُقْدِمَ وحْدَهُ مُبادِرًا إلى أمْرِ اللَّهِ وحِرْصًا عَلى القُرْبِ مِنهُ وشَوْقًا إلى مُناجاتِهِ، واسْتَخْلَفَ هارُونَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ وقالَ لَهم مُوسى: تَسِيرُونَ إلى جانِبِ الطُّورِ فَلَمّا (p-٢٦٧)انْتَهى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وناجى رَبَّهُ، زادَهُ في الأجَلِ عَشْرًا وحِينَئِذٍ وقَفَهُ عَلى اسْتِعْجالِهِ دُونَ القَوْمِ لِيُخْبِرَهُ مُوسى أنَّهم عَلى الأثَرِ فَيَقَعُ الإعْلامُ لَهُ بِما صَنَعُوا (وما) اسْتِفْهامٌ أيْ أيُّ شَيْءٍ عَجَّلَ بِكَ عَنْهم ؟ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وكانَ قَدْ مَضى مَعَ النُّقَباءِ إلى الطُّورِ عَلى المَوْعِدِ المَضْرُوبِ ثُمَّ تَقَدَّمَهم شَوْقًا إلى كَلامِ رَبِّهِ ويُنْجِزُ ما وعَدَ بِهِ بِناءً عَلى اجْتِهادِهِ، وظَنَّ أنَّ ذَلِكَ أقْرَبُ إلى رِضا اللَّهِ، وزالَ عَنْهُ أنَّهُ عَزَّ وجَلَّ ما وقَّتَ أفْعالَهُ إلّا نَظَرًا إلى دَواعِي الحِكْمَةِ وعِلْمًا بِالمَصالِحِ المُتَعَلِّقَةِ بِكُلِّ وقْتٍ، فالمُرادُ بِالقَوْمِ النُّقَباءُ. انْتَهى. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿عَنْ قَوْمِكَ﴾ يُرِيدُ بِهِ جَمِيعَ بَنِي إسْرائِيلَ كَما قَدْ بَيَّنّا قَبْلُ لا السَبْعِينَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولَيْسَ يَقُولُ مَن جَوَّزَ أنْ يُرادَ جَمِيعُ قَوْمِهِ وأنْ يَكُونَ قَدْ فارَقَهم قَبْلَ المِيعادِ وجْهٌ صَحِيحٌ ما يَأْباهُ قَوْلُهُ ﴿هم أُولاءِ عَلى أثَرِي﴾ . انْتَهى. ﴿وما أعْجَلَكَ﴾ سُؤالٌ عَنْ سَبَبِ العَجَلَةِ وأجابَ بِقَوْلِهِ ﴿هم أُولاءِ عَلى أثَرِي وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾ لِأنَّ قَوْلَهُ ﴿وما أعْجَلَكَ﴾ تَضَمَّنَ تَأخُّرَ قَوْمِهِ عَنْهُ، فَأجابَ مُشِيرًا إلَيْهِمْ لِقُرْبِهِمْ مِنهُ إنَّهم عَلى أثَرِهِ جائِينَ لِلْمَوْعِدِ، وذَلِكَ عَلى ما كانَ عَهِدَ إلَيْهِمْ أنْ يَجِيئُوا لِلْمَوْعِدِ. ثُمَّ ذَكَرَ السَّبَبَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلى العَجَلَةِ وهو ما تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ﴿وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِ لِتَرْضى﴾ مِن طَلَبِهِ رِضا اللَّهِ تَعالى في السَّبْقِ إلى ما وعَدَهُ رَبُّهُ ومَعْنى ﴿إلَيْكَ﴾ إلى مَكانِ وعْدِكَ و﴿لِتَرْضى﴾ أيْ لِيَدُومَ رِضاكَ ويَسْتَمِرَّ، لِأنَّهُ تَعالى كانَ عَنْهُ راضِيًا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتُ: ﴿وما أعْجَلَكَ﴾ سُؤالٌ عَنْ سَبَبِ العَجَلَةِ، فَكانَ الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ مِنَ الجَوابِ أنْ يُقالَ: طَلَبَ زِيادَةَ رِضاكَ والشَّوْقِ إلى كَلامِكَ ويُنْجِزُ مَوْعِدَكَ وقَوْلُهُ ﴿هم أُولاءِ عَلى أثَرِي﴾ كَما تَرى غَيْرُ مُنْطَبِقٍ عَلَيْهِ. قُلْتُ: قَدْ تَضَمَّنَ ما واجَهَهُ بِهِ رَبُّ العِزَّةِ شَيْئَيْنِ أحَدُهُما إنْكارُ العَجَلَةِ في نَفْسِها، والثّانِي السُّؤالُ عَنْ سَبَبِ المُسْتَنْكَرِ والحامِلِ عَلَيْهِ، فَكانَ أهَمُّ الأمْرَيْنِ إلى مُوسى بَسْطَ العُذْرِ وتَمْهِيدَ العِلَّةِ في نَفْسِ ما أنْكَرَ عَلَيْهِ، فاعْتَلَّ بِأنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنِّي إلّا تَقَدُّمٌ يَسِيرٌ مِثْلُهُ لا يُعْتَدُّ بِهِ في العادَةِ ولا يُحْتَفَلُ بِهِ، ولَيْسَ بَيْنِي وبَيْنَ مَن سَبَقْتُهُ إلّا مَسافَةٌ قَرِيبَةٌ يَتَقَدَّمُ بِمِثْلِها الوَفْدُ رَأسُهم ومُقَدَّمُهم، ثُمَّ عَقَّبَهُ بِجَوابِ السُّؤالِ عَنِ السَّبَبِ فَقالَ ﴿وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾ ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: حارَ لِما ورَدَ عَلَيْهِ مِنَ التَّهَيُّبِ لِعِتابِ اللَّهِ فَأذْهَلَهُ ذَلِكَ عَنِ الجَوابِ المُنْطَبِقِ المُتَرَتِّبِ عَلى حُدُودِ الكَلامِ. انْتَهى. وفِيهِ سُوءُ أدَبٍ عَلى الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. وقَرَأ الحَسَنُ وابْنُ مُعاذٍ عَنْ أبِيهِ أُولائِي بِياءٍ مَكْسُورَةٍ وابْنُ وثّابٍ وعِيسى في رِوايَةٍ ﴿أُولاءِ﴾ بِالقَصْرِ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ أُولايَ بِياءٍ مَفْتُوحَةٍ. وقَرَأ عِيسى ويَعْقُوبُ وعَبْدُ الوارِثِ عَنْ أبِي عَمْرٍو وزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ إثْرِي بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الثّاءِ. وحَكى الكِسائِيُّ أُثْرِي بِضَمِّ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الثّاءِ وتُرْوى عَنْ عِيسى. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿أُولاءِ﴾ بِالمَدِّ والهَمْزِ عَلى ﴿أثَرِي﴾ بِفَتْحِ الهَمْزِ والثّاءِ و﴿عَلى أثَرِي﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، أوْ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ. قالَ: ﴿فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ أيِ اخْتَبَرْناهم بِما فَعَلَ السّامِرِيُّ أوْ ألْقَيْناهم في فِتْنَةٍ أيْ مَيْلٍ مَعَ الشَّهَواتِ ووُقُوعٍ في اخْتِلافٍ ﴿مِن بَعْدِكَ﴾ أيْ مِن بَعْدِ فِراقِكَ لَهم. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أرادَ بِالقَوْمِ المَفْتُونِينَ الَّذِينَ خَلَّفَهم مَعَ هارُونَ، وكانُوا سِتَّمِائَةِ ألْفٍ ما نَجا مِن عِبادَةِ العِجْلِ إلّا اثْنا عَشَرَ ألْفًا فَإنْ قُلْتَ: في القِصَّةِ أنَّهم أقامُوا بَعْدَ مُفارَقَتِهِ عِشْرِينَ لَيْلَةً وحَسَبُوا أرْبَعِينَ مَعَ أيّامِها، وقالُوا قَدْ أكْمَلْنا العِدَّةَ ثُمَّ كانَ أمْرُ العِجْلِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذا وبَيْنَ قَوْلِهِ تَعالى لِمُوسى عِنْدَ مَقْدَمِهِ ﴿فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ﴾ ؟ قُلْتُ: قَدْ أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى عَنِ الفِتْنَةِ المُتَرَقِّبَةِ بِلَفْظِ المَوْجُودَةِ الكائِنَةِ عَلى عادَتِهِ، وافْتَرَضَ السّامِرِيُّ غَيْبَتَهُ فَعَزَمَ عَلى إضْلالِهِمْ غَبَّ انْطِلاقِهِ. وأخَذَ في تَدْبِيرِ ذَلِكَ فَكانَ بَدْءُ الفِتْنَةِ مَوْجُودًا. انْتَهى. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿وأضَلَّهُمْ﴾ فِعْلًا ماضِيًا. وقَرَأ أبُو مُعاذٍ وفِرْقَةٌ وأضَلُّهم بِرَفْعِ اللّامِ مُبْتَدَأٌ والسّامِرِيُّ خَبَرُهُ وكانَ أشَدَّهم ضَلالًا لِأنَّهُ ضالٌّ في نَفْسِهِ مُضِلٌّ غَيْرَهُ. وفي (p-٢٦٨)القِراءَةِ الشُّهْرى أسْنَدَ الضَّلالَ إلى السّامِرِيِّ لِأنَّهُ كانَ السَّبَبَ في ضَلالِهِمْ، وأسْنَدَ الفِتْنَةَ إلَيْهِ تَعالى لِأنَّهُ هو الَّذِي خَلَقَها في قُلُوبِهِمْ. و(السّامِرِيُّ) قِيلَ اسْمُهُ مُوسى بْنُ ظُفَرَ. وقِيلَ: مَنجا وهو ابْنُ خالَةِ مُوسى أوِ ابْنُ عَمِّهِ أوْ عَظِيمٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ مِن قَبِيلَةٍ تُعْرَفُ بِالسّامِرَةِ، أوْ عِلْجٌ مِن كِرْمانَ، أوْ مِن باجِرْما أوْ مِنَ اليَهُودِ أوْ مِنَ القِبْطِ آمَنَ بِمُوسى وخَرَجَ مَعَهُ، وكانَ جارَهُ أوْ مِن عُبّادِ البَقَرِ وقَعَ في مِصْرَ فَدَخَلَ في بَنِي اسْرائِيلَ بِظاهِرِهِ وفي قَلْبِهِ عِبادَةُ البَقَرِ أقْوالٌ وتَقُومُ في الأعْرافِ كَيْفِيَّةُ اتِّخاذِ العِجْلِ وقَبْلَ ذَلِكَ في البَقَرَةِ فَأغْنى عَنْ إعادَتِها هُنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب