الباحث القرآني

ولَمّا تَشَوَّفَ السّامِعُ إلى جَوابِهِمُ، اسْتَأْنَفَ ذِكْرَهُ فَقالَ: ﴿قالُوا﴾: [لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ. -] ولَمّا كانَ المَقْصُودُ مِن هَذا السِّياقِ كُلِّهِ إظْهارَ عَظِيمِ القُدْرَةِ، عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ، حِكايَةً عَنْهم لِلِاعْتِرافِ بِما قَرَّرَهم مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِهِ مِنَ العِنادِ مُعْتَذِرِينَ عَنْهُ بِالقُدْرَةِ، والِاعْتِذارُ بِهِ لا يَدْفَعُ العُقُوبَةَ المُرَتَّبَةَ عَلى الذَّنْبِ: ﴿ما أخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا﴾ أيْ لَقَدْ صَدَقْتَ فِيما قُلْتَ، ولَكِنّا لَمْ نَفْعَلْ ذَلِكَ ونَحْنُ بِمِلْكِ أمْرِنا - هَذا عَلى قِراءَةِ الجَماعَةِ بِالكَسْرِ، وعَلى قِراءَةِ نافِعٍ وعاصِمٍ بِالفَتْحِ المَعْنى: ولَنا مَلَكَةٌ نَتَصَرَّفُ بِها في أنْفُسِنا، وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ بِالضَّمِّ كَأنَّهم قالُوا: ولَنا سُلْطانٌ قاهِرٌ لِأُمُورِنا - عَلى أنَّهم قَدْ ذَكَرُوا أنَّ القِراءاتِ الثَّلاثَ لُغاتٌ لِمَعْنىً واحِدٍ، قالَ في القامُوسِ: مَلَكَهُ يَمْلِكُهُ مِلْكًا مُثَلَّثَةً: احْتَواهُ قادِرًا (p-٣٢٩)عَلى الِاسْتِبْدادِ بِهِ، والمَعْنى أنَّ السّامِرِيَّ زَيَّنَ لَهم ذَلِكَ، ووَسْوَسَ بِهِ الشَّيْطانُ فَما دَرَوْا إلّا وقَدْ تَبِعُوهُ حَتّى [كانُوا -] كَأنَّهم يُقادُونَ إلَيْهِ بِالسَّلاسِلِ، وقِيلَ هَذا كَلامُ مَن لَمْ يَعْبُدْهُ، اعْتَذَرُوا بِأنَّهم كانُوا قَلِيلًا، لا قُدْرَةَ لَهم عَلى مُقاوَمَةِ مَن عَبَدَهُ، وهَذا كُلُّهُ إشارَةٌ إلى أنَّهُ تَعالى هو المُتَصَرِّفُ في القُلُوبِ، فَهو قادِرٌ عَلى أنْ يَرُدَّ كُفّارَ قُرَيْشٍ والعَرَبِ مِن بَعْدِ عِنادِهِمْ، ولَدَدِهِمْ وفَسادِهِمْ ﴿ولَكِنّا﴾ كُنّا ﴿حُمِّلْنا أوْزارًا﴾ أيْ أثْقالًا مِنَ النَّقْدَيْنِ هي أسْبابُ الآثامِ، كَما تَقَدَّمَ في الأعْرافِ أنَّ اللَّهَ أمَرَهم في التَّوْراةِ أنْ يَسْتَعِيرُوها مِنَ القِبْطِ فَخَرَبُوهم بِها، وكَأنَّ هَذا ما كانَ خِيانَةً في ذَلِكَ الشَّرْعِ، أوْ أنَّ اللَّهَ تَعالى أباحَ لَهم ذَلِكَ في القِبْطِ خاصَّةً ﴿مِن زِينَةِ القَوْمِ﴾ الَّذِينَ لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُ قَوْمًا غَيْرَهُمْ، وغَيْرُهم لَيْسَ حَقِيقًا بِإطْلاقِ هَذا اللَّفْظِ [عَلَيْهِ -] وهُمُ القِبْطُ، فَقَضى لَنا أنْ نَقْذِفَها في النّارِ، وتَوَفَّرَتِ الدَّواعِي عَلى ذَلِكَ واشْتَدَّتْ بِحَيْثُ لَمْ نَتَمالَكْ ﴿فَقَذَفْناها فَكَذَلِكَ﴾ أيْ فَتَعَقَّبَ هَذا [أنَّهُ -] مِثْلَ ذَلِكَ الإلْقاءِ (p-٣٣٠)﴿ألْقى السّامِرِيُّ﴾ وهو لَصِيقٌ انْضَمَّ إلَيْهِمْ مِن قِبْطِ مِصْرَ، ألْقى ما كانَ مَعَهُ، إمّا مِنَ المالِ وإمّا مِن أثَرِ الرَّسُولِ، كَما مَضى ويَأْتِي، وكَأنَّ إلْقاءَهُ كانَ آخِرًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب