الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَكِنّا حُمِّلْنا أوْزارًا مِن زِينَةِ القَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذَلِكَ ألْقى السّامِرِيُّ﴾ ﴿فَأخْرَجَ لَهم عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى فَنَسِيَ﴾ . قَرَأ هَذا الحَرْفَ أبُو عَمْرٍو وشُعْبَةُ عَنْ عاصِمٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ حَمَلْنا بِفَتْحِ الحاءِ، والمِيمِ المُخَفَّفَةِ مُبَيِّنًا لِلْفاعِلِ مُجَرَّدًا. وقَرَأهُ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ ”حُمِّلْنا“ بِضَمِّ الحاءِ وكَسْرِ المِيمِ المُشَدَّدَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. و ”نا“ عَلى القِراءَةِ الأُولى فاعِلُ ”حَمَلَ“ وعَلى الثّانِيَةِ نائِبُ فاعِلِ ”حُمِّلَ“ بِالتَّضْعِيفِ. والأوْزارُ في قَوْلِهِ أوْزارًا قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: مَعْناها الأثْقالُ. وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: مَعْناها الآثامُ. ووَجْهُ القَوْلِ الأوَّلِ أنَّها أحْمالٌ مِن حُلِيِّ القِبْطِ الَّذِي اسْتَعارُوهُ مِنهم. ووَجْهُ الثّانِي أنَّها آثامٌ وتَبِعاتٌ. لِأنَّهم كانُوا مَعَهم في حُكْمِ المُسْتَأْمَنِينَ في دارِ الحَرْبِ، ولَيْسَ لِلْمُسْتَأْمَنِ أنْ يَأْخُذَ مالَ الحَرْبِيِّ، ولِأنَّ الغَنائِمَ لَمْ تَكُنْ تَحِلُّ لَهم. والتَّعْلِيلُ الأخِيرُ أقْوى. وَقَوْلُهُ: ﴿مِن زِينَةِ القَوْمِ﴾ المُرادُ بِالزِّينَةِ الحُلِيُّ، كَما يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِن بَعْدِهِ مِن حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ﴾ ألَمْ [الأعراف: ١٤٨] أيْ: ألَقَيْناها وطَرَحْناها في النّارِ الَّتِي أوْقَدَها السّامِرِيُّ في الحُفْرَةِ، وأمَرَنا أنْ نَطْرَحَ الحُلِيَّ فِيها. وأظْهَرُ الأقْوالِ عِنْدِي في ذَلِكَ: هو أنَّهم جَعَلُوا جَمِيعَ الحُلِيِّ في النّارِ لِيَذُوبَ فَيَصِيرَ قِطْعَةً واحِدَةً. لِأنَّ ذَلِكَ أسْهَلُ لِحِفْظِهِ حَتّى يَرى نَبِيَّ اللَّهِ مُوسى فِيهِ رَأْيَهُ. والسّامِرِيُّ يُرِيدُ تَدْبِيرَ خُطَّةٍ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَيْها. وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا جاءَ جِبْرِيلُ لِيَذْهَبَ بِمُوسى إلى المِيقاتِ وكانَ عَلى فَرَسٍ، أخَذَ السّامِرِيُّ تُرابًا مَسَّهُ حافِرُ تِلْكَ الفَرَسِ، ويَزْعُمُونَ في القِصَّةِ أنَّهُ عايَنَ مَوْضِعَ أثَرِها يَنْبُتُ فِيهِ النَّباتُ، فَتَفَرَّسَ أنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِيها خاصِّيَّةَ الحَياةِ، فَأخَذَ تِلْكَ القَبْضَةَ مِنَ التُّرابِ واحْتَفَظَ بِها، فَلَمّا أرادُوا أنْ يَطْرَحُوا الحُلِيَّ في النّارِ لِيَجْعَلُوهُ قِطْعَةً واحِدَةً أوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأسْبابِ وجَعَلُوهُ فِيها، ألْقى السّامِرِيُّ عَلَيْهِ تِلْكَ القَبْضَةَ مِنَ التُّرابِ المَذْكُورَةَ، وقالَ لَهُ: كُنْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ. فَجَعَلَهُ اللَّهُ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ. فَقالَ لَهم: هَذا العِجْلُ هو إلاهُكم وإلَهُ مُوسى، كَما يُشِيرُ إلى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى عَنْ مُوسى: ﴿قالَ فَما خَطْبُكَ ياسامِرِيُّ﴾ ﴿قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ [طه: ٥٩] . (p-٨٤)وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَلَكِنّا حُمِّلْنا أوْزارًا مِن زِينَةِ القَوْمِ﴾ هو مِن بَقِيَّةِ اعْتِذارِهِمُ الفاسِدِ البارِدِ، وهو يَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ الِاعْتِذارَ مِنَ الَّذِينَ عَبَدُوا العِجْلَ لا مَن غَيْرِهِمْ، ولا يَبْعُدُ مَعَهُ احْتِمالُ أنَّهُ مِن غَيْرِهِمْ. لِأنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ما يُعَيِّنُ كَوْنَ الِاعْتِذارِ مِنهم تَعَيُّنًا غَيْرَ مُحْتَمَلٍ. ومَعْلُومٌ أنَّ هَذا العُذْرَ عُذْرٌ لا وجْهَ لَهُ عَلى كُلِّ حالٍ. وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: فَنَسِيَ أيْ: نَسِيَ مُوسى إلَهَهُ هُنا وذَهَبَ يَطْلُبُهُ في مَحَلٍّ آخَرَ. قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ في حَدِيثِ الفُتُونِ. وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا مِن طَرِيقِ عِكْرِمَةَ فَنَسِيَ أيْ: نَسِيَ أنْ يُذَكِّرَكم بِهِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا فَنَسِيَ أيِ: السّامِرِيُّ ما كانَ عَلَيْهِ مِنَ الإسْلامِ، وصارَ كافِرًا بِادِّعاءِ أُلُوهِيَّةِ العِجْلِ وعِبادَتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب