الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرّ﴾ اختلفوا في وجه هذا النظم، ومعنى الآية، وكان من حق المقابلة أن يقول: وإن أسررت القول فإنه يعلم السر. فقال المفضل: (﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ﴾ أي: ترفع صوتك بالقراءة ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرّ وَأخْفَى﴾ فلا تجهد نفسك بالمبالغة في رفع الصوت؛ فإنك وإن لم تجهر [به وأسررته علم ذلك السر) [[ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "زاد المسير" 5/ 270، "التفسير الكبير" 22/ 8، "الفتوحات الإلهية" 3/ 82، "مجمع البيان" 7/ 6، "فتح القدير" 3/ 510.]]. وقال صاحب النظم: (معناه وإن تجهر بالقول فتظهره] [[ما بين المعقوفين ساقط من نسخة: (س).]] فهو يعلم السر وأخفى منه فكيف الجهر) [[ذكرت نحوه كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "المحرر الوجيز" 10/ 5، "البحر المحيط" 6/ 226، "روح المعاني" 16/ 162.]]. وذكر وجهًا آخر وهو: أن يكون في الكلام اختصار على معنى: وإن تجهر بالقول، أو لم تجهر فهو يعلم السر وأخفى منه. أي فما حاجتك إلى الجهر، أي: إن في غير الجهر كفاية لك. فأما معنى: (السر وأخفى) قال ابن عباس فيما روى عنه سعيد بن جبير: (السر ما علمت أنت مما أسررت في نفسك، وأخفى من السر ما لم يكن بعد وهو كائن) [["جامع البيان" 16/ 140، "معالم التنزيل" 5/ 264، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 170، "الدر المنثور" 4/ 519.]]. وقال في رواية الوالبي: (السر: ما أسر ابن آدم في نفسه، وأخفى: ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه، والله يعلم ذلك كله، فيعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد) [["معالم التنزيل" 5/ 264، "زاد المسير" 5/ 271، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 170، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 158، "الدر المنثور" 4/ 518.]]. وهو قول مجاهد، وقتادة، وسفيان، والضحاك، وسعيد بن جبير [["تفسير القرآن" للصنعاني 2/ 14 "جامع البيان" 16/ 140 "بحر العلوم" 2/ 336 "النكت والعيون" 3/ 394، "الكشف والبيان" 3/ 15 ب.]]. وأكثرهم قالوا: (السر ما أسره في نفسه، وأخفى: ما لم يحدث به نفسه مما يكون في غد) [["جامع البيان" 16/ 140، "النكت والعيون" 3/ 394، "زاد المسير" 5/ 271، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 170، "الدر المنثور" 4/ 519.]]. وقال عكرمة: (السر: ما حدث به الرجل أهله، وأخفى: ما تكلمت به في نفسك) [["جامع البيان" 16/ 139، "بحر العلوم" 2/ 336، "الكشف والبيان" 3/ 15 ب.]]. وهذا قول الحسن [["معالم التنزيل" 5/ 264، "الكشف والبيان" 3/ 15 ب، "الدر المنثور" 4/ 519.]]. وعلى هذا؛ المراد: وأخفى منه إلا أنه حذف منه للعلم به. قال المفضل: (ومثله قول القائل: الله أكبر، معناه: أكبر من كل شيء) [[لم أقف عليه.]]. وأنشد قول الفرزدق [[البيت للفرزدق. انظر: "ديوانه" 2/ 155، "الأشباه والنظائر" 6/ 50، "خزانة الأدب" 6/ 539، "شرح المفصل" 6/ 97، "المقاصد النحوية" 4/ 42، "لسان العرب" (كبر) 6/ 3808.]]: إِنَّ الذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتًا دَعَائِمُه أَعَزُّ وأَطْوَلُ معناه: أعز وأطول من دعائم بيتك، فحذفه للعلم به. قال المبرد: (لم يقل: وأخفى منه؛ لأنه قد ذكر السر فبان ما يتصل بأخفى، كقولك: فلان كالفيل أو أعظم، والعرب تحذف ما لا يبطل المعنى استخفافًا واختصارًا، ألا تراهم يقولون: أزيد أفضل أم عمرو، وتمام الكلام: أزيد أفضل من عمرو أم عمرو أفضل من زيد) [[ذكره نحوه بدون نسبة الطبرسي في "مجمع البيان" 7/ 6.]]. وقال زيد بن أسلم في قوله: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾: (يعلم أسرار العباد، وأخفى سره عنهم فلا يعلم) [["جامع البيان" 16/ 140، "النكت والعيون" 3/ 394، "معالم التنزيل" 4/ 264، "زاد المسير" 5/ 271.]]. فعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير محذوف؛ لأن أخفى على هذا القول أَفْعَل من الإخفاء. وعلى القول الأول أفعل من الخفاء، والألف للتفضيل. وذهب قوم إلى أن (أخفى) هاهنا بمعنى الخفي، وأفعل يأتي في الكلام ولا يراد به التفضيل. كقول الشاعر: تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وإنْ أَمُتْ ... فَتِلْكَ سَبِيلُ لَسْتُ فِيهَا بأَوحَدِ [[البيت لطرفة بن العبد. انظر: "جامع البيان" 16/ 140، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 16، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 170.]] أي: بواحد. وقيل في بيت الفرزدق: إن قوله: أعز وأطول؛ بمعنى: عزيزة طويلة، وهذا قول أبي عبيدة [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 16.]]. قال ابن الأنباري: (وهذا القول يخالف الآثار، ويبعد متناوله عند أهل النحو، إذ ترتيب أفعل أن لا يعرى من التزيد حتى يقوم بذلك دليل عند الاضطرار والبناء على الأحرف، والأشهر عند أهل الأثر أوجب) [[ذكره نحوه بلا نسبة في "الكشاف" 2/ 162، "المحرر الوجيز" 10/ 6، "البحر المحيط" 6/ 227.]]. والأولى من هذه الأقاويل ما عليه المفسرون [[قال الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" 16/ 140: (والصواب من القول في ذلك قول من قال: معناه يعلم السر وأخفى من السر: لأن ذلك هو الظاهر من الكلام، ولو كان معنى ذلك ما تأوله ابن زيد لكان الكلام وأخفى الله سره؛ لأن أخفى فعل واقع متعد إذ كان بمعنى فعل، على ما تأوله ابن زيد، وفي انفراد أخفى من مفعوله والذي يعمل فيه لو كان بمعنى فعل الدليل الواضح على أنه بمعنى أفعل وأن تأويل الكلام: فإنه يعلم السر وأخفى منه، فإذا كان ذلك تأويله فالصواب من القول في معنى (أخفى) من السر أن يقال: هو ما علم الله مما أخفى عن العباد ولم يعلموه مما هو كائن ولما يكن). وانظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة 2/ 8، "غريب القرآن" لعبد الله بن المبارك ص 243، "المحرر الوجيز" 16/ 6.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب