الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَاسْمَعُواْ﴾ أي: ما فيه من حلاله وحرامه، ﴿قَالُوا سَمِعْنَا﴾ ما فيه، ﴿وَعَصَيْنَا﴾ ما أمرنا به، هذا هو الظاهر. وقال أهل المعاني: معنى (اسمعوا) هاهنا: استجيبوا وأطيعوا، عُبِّر بالسمع؛ لأنه سَبَب الإجابة والطاعة [[ينظر: "تفسير الطبري" 1/ 422، "تفسير الثعلبي" 1/ 1034 "تفسير القرطبي" 2/ 27.]]، وقد يُعبّر عنهما بالسمع كقول الشاعر: دعوتُ اللهَ حتى خِفتُ أن لا ... يكونَ اللهُ يَسْمَعُ ما أقولُ [[البيت، لشمير بن الحارث الضبي، في "تاج العروس" 11/ 227 (مادة: سمع)، و"نوادر أبي زيد" ص 124، وبلا نسبة في "تفسير الثعلبي" 1/ 1034 و"لسان العرب" 4/ 2095.]] أي: يجيب [["تفسيرالثعلبي" 1/ 1035.]]. وقوله تعالى: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ بعض المفسرين يقولون: إنهم تلفظوا بهذه اللفظة، فقالوا: ﴿سَمِعْنَا﴾ لما أطل الجبل فوقهم، فلما كشف عنهم قالوا: ﴿وَعَصَيْنَا﴾ [[بنحوه عن ابن عباس كما في "البحر المحيط" 1/ 308 واستحسنه أبو حيان قال: لأنا لا نصير إلى التأويل مع إمكان حمل الشيء على ظاهره لا سيما إذا لم يقم دليل على خلافه اهـ. وحكى الواحدي في "الوسيط" 1/ 176 أن المفسرين اتفقوا على أنهم قالوا (سمعنا) لما أطل الجبل فوقهم، فلمَّا كشف عنهم قالوا (عصينا).]]. وقال الحسن: قالوا: سمعنا بألسنتهم، وعصينا بقلوبهم [[ذكره في "الوسيط" 1/ 176، وذكره في "البحر المحيط" 1/ 308 ولم ينسبه.]]. فقال أهل المعاني: إنهم لم يقولوا هذا بألسنتهم، ولكنهم لما سمعوا الأمر، وتلقَّوه بالعصيان نسب ذلك منهم إلى القول اتساعًا [["تفسير الثعلبي" 1/ 1035، عزاه لأهل المعاني.]]، كقول الشاعر: ومَنْهَلٍ ذِبَّانُه في غَيْطَلِ ... يَقُلْنَ للرائدِ أعْشَبْتَ انْزِلِ [[البيت لأبي النجم العِجْلي. ينظر: "الحيوان" 3/ 314 و 7/ 259، وذكر الشطر الآخر منه "تهذيب اللغة" 3/ 2448، "اللسان" 5/ 2951، "التاج" 2/ 233، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1035 بلا نسبة. والغيطل: شجر ملتف أو عشب ملتف.]] وقال امرؤ القيس: نواعِمُ يُتْبعنَ الهوى سُبُلَ الردَى ... يقلن لأهل الحِلم ضُلًّا بَتْضلال [[البيت لامرئ القيس في "ديوانه" ص 126.]] قالوا: المعنى: يُضللن ذا الحلم، وليس الغرض حكاية قولهن. وقوله تعالى: ﴿وَأُشْرِبُواْ﴾ الإشرابُ في اللُّغةِ خَلْطَ لونٍ بلون، يقال: أبيض مُشرَبٌ حُمرةً، إذا كان يعلوه حُمرة [[ينظر "تاج العروس" 2/ 103.]]، المازني [[هو أبو عثمان بكر بن بقية، وقيل: بكر بن محمد بن عدي بن حبيب المازني، تقدمت ترجمته.]]: الإشراب: الخلط، يقال: أُشْرِب ذَا بذَا، وهو مشربٌ حُمرةً إذا خالطت لونه حُمرة. اللّحياني: يقال: فيه شُربةٌ من الحُمرة، إذا كان يُخالطه حُمرة [[ينظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1848، "اللسان" 4/ 2224 (شرب).]]. وقال أبو عبيدة [[في "مجاز القرآن" 1/ 47.]]، والزجاج [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 175، وينظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1848، "اللسان" 4/ 2224.]]: معناه سُقُوا حُبَّ العِجل، وأصل الإشرابِ: السَّقْي، واستُعملَ في اللون المختلط بغيره تشبيهًا بالسّقي، لأنه لقال للمشرب حُمرةً: إنه لمسقيّ الدم. والمعنى هاهنا: أنهم خلطوا بحب العجل حتى اختلط بهم، ثم بيّن أنّ مَحَلّ ذلك الحُبّ قلوبهم، وأن الخلط حصل فيها، فأضاف أولًا إلى الجملة، ثم خصّ القلوب، كما تقول: ضُربوا على رؤوسهم، أضفت الضرب أولًا إليهم، ثم بيّنت مَحلّ الضَّرب، وإنما ذكره بلفظ الإشراب إخبارًا عن رسوخ ذلك الحُبّ في قلوبهم كإشراب اللَّوْن لِشِدّة الملازمة [[ينظر: "الزاهر" 2/ 101 و"غريب القرآن" ص 48 "البحر المحيط" 2/ 1848 وقال: وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل، لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها .. وأما الطعام، فقالوا: هو مجاور لها غير متغلغل فيها، ولا يصل إلى القلب منه إلا اليسير.]]. وقوله تعالى: ﴿الْعِجْلَ﴾ أراد: حُبّ العجل فحذف المضاف [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 175، ونقله في "اللسان" 4/ 2224، وقال في "البحر المحيط" 1/ 309: وأسند الإشراب إلى العجل مبالغة كأنه بصورته أشربوه.]] كقوله: ﴿وَسْئَلِ القَرْيَةَ﴾ [[ينظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 61، الطبري في "تفسيره" 1/ 423.]] [يوسف: 82]، ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ﴾ [البقرة: 177]، وكقول الشاعر: وكيف تُوَاصل مَنْ أصبَحتْ ... خِلاَلَتُه كأبي مَرْحَبِ [[البيت للنابغة الجعدي، ينظر: "ديوانه" ص 26، "تفسير الثعلبي" 1/ 1035، "الكتاب" لسيبويه 1/ 110، "أمالي القالي" 1/ 192 "معاني القرآن" للزجاج 1/ 93، 175، "لسان العرب" 4/ 2224 مادة (اشرب) و 1/ 252 مادة (برد) قال ابن منظور: وأبو مرحب كنية الظِّل والظل منتقل، ويقال: هو كنية عرقوب، الذي قيل عنه: مواعيد عرقوب، والمراد على الأول: كيف تصاحب من لا يدوم على مودة، وإنما هو منتقل غير ثابت.]] وأنشد الفراء: حَسِبْتَ بُغَامَ راحلتي عَنَاقًا ... وما هي وَيْبَ غيرِك بالعَنَاقِ [[البيت لذي الخرق الطهوي، ينظر "معاني القرآن" للفراء 1/ 62، و"لسان العرب" 1/ 320 مادة (بغم)، 5/ 3053 (مادة: عقا) يخاطب الشاعر ذئبًا تبعه في طريقه، وقبله: ألم تعجب لذئب بات يسري ... ليؤذن صاحبًا له باللحاق وقوله ويب كلمة مثل: ويل، تقول: وْيبَك وويب زيد، معناه: ألزمك الله ويلًا، نصب نصب المصدر. بُغام الناقة: صوت لا تفصح به، والعناق: الأنثى من المعز. وقوله: حسبت بغامَ راحلتي عناقًا، أي: بغام عناق.]] وقوله تعالى: ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾ قال بعضهم: أي، باعتقادهم التشبيه؛ لأنهم طلبوا ما يتصوّرُ في نفوسهم [[ينظر "البحر المحيط" 1/ 308 - 309.]]. وقال الزجاج: معناه فعل الله ذلك مجازاة لهم على الكفر، كما قال: ﴿بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفرِهِم﴾ [النساء: 155] [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 176.]]. وقوله تعالى: ﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ معناه: إن كنتم مؤمنين فبئس الإيمان إيمانٌ يأمر بالكُفْر، وهذا تكذيب لهم؛ لأنهم كانوا يزعمون أنهم مؤمنون، وذلك أنهم قالوا: ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾، فكذّبهم الله عز وجل، وعيَّرهم بعبادة العجل، وذلك أنّ آباءهم ادعوا الإيمان ثم عبدوا العجل [["تفسير الثعلبي" 1/ 1036، "الوسيط" 1/ 176.]]. وقوله تعالى: ﴿يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾ من المجاز وسعة العربية؛ لأن الإيمان لا يأمُر، وهو كقوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، وكما تقول في الكلام: بئسما يأمرك العقل بشتم الناسِ، معناه: إِن كنْتَ عاقلًا لم تشتمهم، كذلك المعنى في الآية: لو كنتم مؤمنين ما عبدتم العجل [["البحر المحيط" 1/ 309 "الوسيط" 1/ 176.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب