الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ﴾ الآية. قال الليث: هي القَرْيَةُ، والقِرْيَة لغتان [[(لغتان) ساقط من (ب).]]، المكسورة يمانية، ومن ثم اجتمعوا في جمعها على القُرَى، فحملوها على لغة من يقول: كسْوه وكُسَى [["تهذيب اللغة" (قرا) 3/ 3911، وانظر "جمهرة أمثال العرب" 2/ 411، "اللسان" 6/ 3617.]].
وقال غيره [[في (ب): (عكرمة).]]: القَرْية بالفتح لا غير، وكسرها خطأ، وجمعها قُرَى جاءت نادرة [[انظر "تهذيب اللغة" (قرا) 3/ 3911، "اللسان" 6/ 3617.]].
ابن السكيت: ما كان من جمع فَعْلَة من الياء والواو على فِعَال كان ممدودًا مثل رَكوةَ ورِكَاء وشَكْوَة وشِكَاء، ولم يسمع في شيء من هذا القصر إلا كَوَّة وكُوًى وقَرْيَة وقُرى جاءتا على غير قياس [[قال الأزهري: أخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت ثم ذكره، "تهذيب اللغة" (قرا) 3/ 3911، وانظر "اللسان" (قرأ) 6/ 3617.]].
وقال أصحاب الاشتقاق: اشتقاق القرية من قريت، أي جمعت، والمقراة: الحوض يجمع فيه الماء، والقَرِيّ: مسيل يجتمع الماء إليه [[انظر "الزاهر" 2/ 107، "جمهرة أمثال العرب" 2/ 411، "تهذيب اللغة" (قرأ) 3/ 3911، "مقاييس اللغة" (قرى) 5/ 78، "المحكم" 6/ 307.]]، ويقال لبيت النمل: قرية، لأنه يجمع النمل [[قال ابن سيده: قرية النمل: ما تجمعه من التراب، "المحكم" 6/ 307، وانظر "اللسان" (قرأ) 6/ 3617. والبيت الذي ذكره يؤيد قول ابن سيده.]]. قال:
كَأَنَّ قُرَى نَمْلٍ عَلَى سَرَوَاتِهَا ... يُلَبِّدُهَا [[في (ج): (يلرها).]] فِي لَيْلِ سَارِيَةٍ قَطْرُ [[لم أعثر عليه، ولم أعرف قائله.]]
فالقرية تجمع أهلها، ومنه يقال للظهر: القرى، لأنه مجتمع [[في (ب): (مجتمع)، وفي (ج) (يجمع).]] القوى.
قال المفسرون: إن بني إسرائيل لما خرجوا من التيه، قال الله [[في (ج): (قالهم الله).]] لهم ادخلوا هذه القرية [[انظر "تفسير أبي الليث" 1/ 361، "تفسير الثعلبي" 1/ 75ب، "تفسير ابن عطية" 1/ 306، "زاد المسير" 1/ 84، "تفسير ابن كثير" 1/ 104.]].
قال ابن عباس: هي أريحا [[ذكره الطبري عن ابن زيد 1/ 299، وأبو الليث عن الكلبي 1/ 360، قال ابن كثير بعد أن ذكره عن ابن عباس وابن زيد: (وهذا بعيد، لأنها ليست على طريقهم وهم قاصدون بيت المقدس)، 1/ 177.]]. وقال ابن كيسان: هي الشام [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 75 أ، والبغوي في "تفسيره" 1/ 76.]]. وقال قتادة والسدي والربيع: هي بيت المقدس [[ذكره الطبري في "تفسيره" عنهم 1/ 299 وابن أبي حاتم في "تفسيره"1/ 368، وذكره الثعلبي في "تفسيره" عن مجاهد 1/ 75 ب. قال ابن عطية: هي بيت المقدس، في قول الجمهور 1/ 306، وانظر "زاد المسير" 1/ 84، "تفسير القرطبي" 1/ 349، "البحر المحيط" 1/ 220، "تفسير ابن كثير" 1/ 104.]].
وقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ هي فِعْلَةٌ من الحَطّ، وضع الشيء من أعلى إلى أسفل، يقال: حط الحمل عن الدابة، والسيل يحط الحجر عن الجبل [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 300، "تهذيب اللغة" (حط) 1/ 853، "مقاييس اللغة" 2/ 13، "مفردات الراغب" ص 122، "اللسان" (حطط) 2/ 914.]]، قال [[هو امرؤ القيس.]]:
كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ [[(حطه) ساقط من (ب).]] السَّيْلُ مِنْ عَلِ [[صدره:
مكرٍّ مفرٍّ مقبل مدبر معًا.
يصف الفرس يقول: إذا أردت الكر والفر على العدو فهو كذلك، والمقبل: هو المكر، والمدبر: هو المفر، ثم وصف سرعته وصلابته بالجلمود الساقط من علو، والبيت من الشواهد العربية والنحوية ورد في "الكتاب" 4/ 227، وشرح أبياته للسيرافي 2/ 339، "تهذيب اللغة" (حط) 1/ 853، "المخصص" 13/ 202، == "اللسان" (حطط) 7/ 914. (علا) 15/ 84، "شرح المفصل" 4/ 89، "شرح شذور الذهب" ص 107، "مغني اللبيب" 1/ 155، و"الهمع" 3/ 196، "الخزانة" 2/ 397، 3/ 158 ،242، 6/ 506، "ديوان امرئ القيس" ص 11.]] ويقال في الدعاء: حط الله عنك وزرك، أي وضعه عنك، فالحِطّة من الحَطّ مثل الرِّدّة من الرَّدّ، يجوز أن يكون اسمًا، ويجوز أن يكون مصدرًا [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 300، "تهذيب اللغة" (حط) 1/ 853، "اللسان" (حطط) 2/ 914. قال أبو عبيدة: هي مصدر من حط عنا ذنوبنا. "المجاز" 1/ 41، وعلى حاشية (أ) إضافة من الكتاب، صدرها بـ (ش ك)، أي شرح من الكاتب وأذكرها للفائدة (حطة: فِعْلة من الحط، كالجلسة والركبة، وهي خبر مبتدأ محذوف، أي: مسألتنا حطة، أو أمرك حطة، والأصل: النصب بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما رفعت لتعطى معنى الثبات كقوله: صبر جميل فكلانا مبتلى. والأصل: صبرًا علي، أصبر صبرًا، وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب على الأصل، وقيل معناه: أمرنا حطة، أي: أن نحط في هذه القرية ونستقيم فيها، وهل يجوز أن ينصب (حطة في قراءة من نصبها بقولوا، على معنى: قولوا هذه الكلمة؟ فالجواب. لا يبعده والأجود أن ينصب بإضمار فعلها، وينتصب محل ذلك المضمر بقولوا وقُرئ (يُغفر لكم خطاياكم) على البناء للمفعول بالياء والتاء) وهو منقول بنصه من "الكشاف" 1/ 283.]].
قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير في قوله: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ أي مغفرة، فقالوا: حنطة [[أخرجه الطبري 1/ 300، 303، 304، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 372، والحاكم في المستدرك وقال: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي 2/ 262، وانظر "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 178، "تفسير القرطبي" 1/ 350، "تفسير ابن كثير" 1/ 105، والرواية بنصها في "تهذيب اللغة" (حط) 1/ 853.]].
وقال مقاتل: إنهم أصابوا خطيئة بإبائهم على موسى دخول الأرض التي فيها الجبارون، فأراد الله أن يغفرها لهم، فقيل لهم. قولوا حطة.
قال أبو إسحاقا معناه: قولوا: مسألتنا حطة، أي: حط ذنوبنا عنا، والقراءة بالرفع على هذا التأويل. قال: ولو قرئت حطة [[قراءة النصب شاذة، وهي قراءة ابن أبي عبلة. انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 307، "الكشاف" 1/ 283، "البحر المحيط" 1/ 222.]] كان وجهًا في العربية، كأنه قيل لهم: قولوا [[(قولوا) ساقط من (ب).]]: احطط عنا ذنوبنا حطة [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 110، وانظر "تهذيب اللغة" (حط) 1/ 853.]].
وقال الليث: بلغنا أن بني إسرائيل حيث قيل لهم: وقولوا حطة، إنما قيل لهم ذلك حتى يستحِطّوا بها أوزارهم فَتُحَطَّ عنهم [["تهذيب اللغة" (حط) 1/ 853.]].
وقال عكرمة: وقولوا حطة، أي: كلمة يحط [[في (ب): (تحط).]] بها عنكم خطاياكم، وهي: لا إله إلا الله، لأنها تحط الذنوب [[أخرج الطبري في "تفسيره" لسنده عن عكرمة: قال قولوا: (لا إله إلا الله) 1/ 301، 300، ونحوه في "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 382، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى عبد بن حميد والطبري في "تفسيره" وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 285.]].
قال الفراء: فإن يك كذلك فينبغي أن يكون حطة منصوبة [[نص كلام الفراء: قال: (وبلغني أن ابن عباس قال: أمروا أن يقولوا: نستغفر الله، فإن يك كذلك فينبغي أن تكون (حطة) منصوبة ...) "المعاني" 1/ 38. قال الطبري في "تفسيره": (وأما على تأويل قول عكرمة فإن الواجب أن تكون القراءة بالنصب في (حطة) ...) ثم قال: (وفي إجماع القراءة على رفع (الحطة) بيان واضح على خلاف الذي قاله عكرمة من التأويل في قوله: (وقولوا حطة) ...) 2/ 108.]] في القراءة، لأنك [[(لأنك) ساقط من (ب).]] تقول: قلت: لا إله إلا الله، فيقول السامع: قلت كلمة صالحة، وإنما يكون الرفع والحكاية إذا صلح قبلها إضمار، فإذا لم يصلح كان منصوبًا، كما تقول [[في (أ)، (ج) (يقول) وما في (ب). موافق لما في معاني القرآن 1/ 38، وهو الأنسب للسياق.]]: قلت كلاما حسنا [[في المعاني: (وإنما تكون الحكاية إذا صلح قبلها إضمار ما يرفع أو يخفض أو ينصب، فإذا ضممت ذلك كله فجعلته كلمة، كان منصوباً بالقول كقولك: مررت بزيد، ثم تجعل هذا كلمة، فتقول: قلت كلامًا حسنًا ...) 1/ 38.]]. وقوله تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ﴾ [الكهف:22] هو رفع، لأن قبله ضمير أسمائهم، المعنى: هم ثلاثة، وقوله: ﴿وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ﴾ [النساء: 171] أي: ولا تقولوا الآلهة ثلاثة [["معاني القرآن" للفراء 1/ 39.]].
وقال ابن الأنباري: إذا جاء بعد القول حرف مفرد يجوز أن يكون نعتا للقول نصبت كقولك: قلت حقا؛ لأنه يحسن أن يقال: قلت قولا حقا، وكذلك: قلت صوابًا وقلت خطأ، وإذا جاء حرف مفرد لا يجوز أن يكون نعتًا للقول رفعت، كقوله: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ﴾ معناه: سيقولون هم ثلاثة، ولا وجه للنصب [[انظر "معاني القرآن" للفراء 1/ 38، "تفسير الطبري" 1/ 301.]].
وقوله: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [[في (ب) (وقولوا).]] فحوى الكلام، وإجماع القراء على رفعها، دليل على أنهم أمروا بهذه اللفظة بعينها [[ذكر الطبري في الوجه الذي رفعت من أجله (حطة) عدة أقوال: فقيل: رفعت على معنى: (قولوا) ليكن منك حطة لذنوبنا. وقيل: هي كلمة مرفوعة أمروا بقولها كذلك، وهذان القولان لنحويي البصرة. وقيل: رفعت بتقدير: هذه حطة. وقيل: رفعت بضمير معناه الخبر، كأنه قال: قولوا ما هو حطة فتكون حطة خبر (ما) ونسب هذين القولين لنحويي الكوفة. الطبري في "تفسيره" 1/ 300، وانظر "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 41، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 178، و"تفسير الغريب" لابن قتيبة ص 50، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 48.]]. فإن كانوا لم يؤمروا بهذه اللفظة بعينها فنصبها جائز على معنى: قولوا قولًا حاطًّا لذنوبكم. ويجوز نصبها أيضًا وإن كانوا قد أمروا بها على معنى: وقولوا: احطط عنا يا ربنا ذنوبنا حطة [[انظر "معاني القرآن" للفراء 1/ 38، والأخفش 1/ 269، والزجاج 1/ 110.]]، كقراءة من قرأ ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً﴾ [[قراءة حفص عن عاصم بالنصب وبقية السبعة بالرفع، انظر "السبعة" لابن مجاهد ص 296، و"التيسير" ص 144.]] [الأعراف: 164] بالنصب. وإذا جاء بعد القول جملة من الكلام، لم يكن للقول فيها عمل، كقولك: قلت: عبد الله عالم، فهو عامل [[في (ب): (عالم).]] في موضع الجملة؛ لأنها مجعولة في موضع الكلام، ولو قلت: قلت [[(قلت) ساقط من (ب).]] كلاما، نصبت. وسنذكر بيانا لهذا زائدا عند قوله: ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة: 219] إن شاء الله. والأصح والذي عليه الجمهور: أنهم أمروا بهذه اللفظة بعينها، وقد روي لنا عن الأزهري [[في (ب): (الزهري).]]، عن المنذري عن ابن فهم [[هو الحافظ العلامة، أبو علي الحسين بن محمد بن فهم بن محرز البغدادي، روى عن محمد بن سلام وغيره، قال الدارقطني: ليس بالقوي، وفاته سنة تسع وثمانين ومائتين. انظر "تاريخ بغداد" 8/ 92، "سير أعلام النبلاء" 13/ 427، و"تذكرة الحفاظ" 2/ 680.]]، عن محمد بن سلام [[هو محمد بن سلام بن عبيد الله بن سالم، أبو عبد الله الجمحي، البصري، مولى قدامة بن مظعون، كان من أهل اللغة والأدب، روى عنه الجم الغفير، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. انظر "طبقات اللغويين والنحويين" ص 180، "تاريخ بغداد" 5/ 327، "إنباه الرواة" 3/ 143.]]، عن يونس قال: قوله: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [[(الواو) ساقطة من (ب).]] هذه حكاية، هكذا أمروا [["تهذيب اللغة" (حط) 1/ 853، وذكره الأخفش عن يونس في "معاني القرآن" 1/ 270، ونحوه عند أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 41، وذكر هذا القول الطبري في "تفسيره" 1/ 301، وانظر: "تفسير أبي الليث" 1/ 362.]].
وقوله تعالى: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ﴾ [[في (ب): (سجدا).]] يعني بابًا من أبوابها [[أي: أبواب القرية. انظر الثعلبي في "تفسيره" 1/ 75 ب.]]. ﴿سُجَّدًا﴾: قال ابن عباس: ركعا [[أخرجه الطبري 1/ 300، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 370، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. "المستدرك" 2/ 262، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى ابن جرير، والحاكم وابن أبي حاتم ووكيع والفريابي، وعبد بن حميد وابن المنذر. "الدر" 1/ 138.]]، وهو شدة الانحناء، والمعنى: منحنين متواضعين [[انظر الثعلبي في "تفسيره" 1/ 75 ب، انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 307.]].
قال مجاهد: هو باب حطة من بيت المقدس، طوطئ لهم الباب؛ ليخفضوا رؤوسهم، فلم يخفضوا ولم يركعوا، ودخلوا متزحفين على استاههم [[في (ب): (أستاتهم). أخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 300، 325، وانظر "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 375، "تفسير الثعلبي" 1/ 75 ب، "الدر المنثور" 1/ 138. وقد ورد عن ابن عباس نحوه في روايات كثيرة، انظر "تفسير الطبري" 1/ 304. كما ورد بهذا المعنى حديث مرفوع عن أبي هريرة، أخرجه البخاري، انظر: "الفتح" 8/ 164، و"تفسير الطبري" 1/ 138.]].
قال الحسين بن الفضل: لو لم يسجدوا لذكر الله ذلك منهم وذمهم به كما ذمهم بتبديل الكلمة لما قالوا خلاف ما أمروا به [[قول الحسين لم أجده فيما اطلعت عليه، والله أعلم. والحديث الصحيح، والآثار ترد قوله، ففي البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -ﷺ- قال: "قيل: لبني إسرائيل: (ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) فدخلوا يزحفون على استاههم، فبدلوا"، وقالوا: حطة حبة في شعرة. "الفتح" 8/ 164، وكذا الآثار عن ابن عباس ومجاهد في هذا المعنى كلها ترد قول الحسين بن الفضل. انظر "تفسير الطبري" 1/ 301.]]. والله أعلم.
وقوله تعالى: ﴿نَغْفِرْ [[بالياء على قراءة نافع، انظر: "السبعة" ص 157.]] لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾ أصل الغفر: الستر والتغطية، وغفر الله ذنوبه، أي: سترها، كل شيء سترته قد غفرته. والمغفر يكون تحت بيضة الحديد يغفر الرأس [["تهذيب اللغة" (غفر) 3/ 2679، وانظر: "تفسير الطبري" 1/ 302، "الزاهر" 1/ 192، "الصحاح" (غفر) 2/ 770، "مقاييس اللغة" (غفر) 4/ 385، "اللسان" (غفر) 6/ 3272.]]. قال ابن شميل: هي حلق تجعل أسفل البيضة تسبغ على العنق فتقيه، وربما جعل من ديباج وخز أسفل البيضة.
الأصمعي: غفر الرجل متاعه يغفر غفرًا: إذا أوعاه. ويقال: اصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ أي: أغطى له [[كلام ابن شميل والأصمعي ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (غفر) 3/ 2679، وانظر: "الزاهر" 1/ 109.]]. والغفارة: خرقة تستر رأس المرأة تقي بها الخمار من الدهن [[ذكره الأزهري عن أبي عبيد عن أبي الوليد الكلابي "تهذيب اللغة" (غفر) 3/ 2679.]]، وكل ثوب يغطى به شيء فهو غفارة، ومنه غفارة البزيون [[(البزيون) كذا ورد في "تهذيب اللغة" 3/ 2679، وفي "اللسان" (الزنون) 1/ 277 - 278، وقال في "الصحاح" (البزيون) بالضم السندس (بزن) 5/ 2078، وأورد صاحب اللسان 1/ 278 كلام الجوهري ثم قال: وقال ابن بري: هو رقيق الديباج.]] يغشى بها الرحال [[في (ب): (الرجال). والكلام ذكره الأزهري عن أبي عبيد عن الأموي. "تهذيب اللغة" (غفر) 3/ 2679، وانظر: "اللسان" (غفر) 6/ 3274.]].
وأجمع القراء على إظهار الراء عند اللام، إلا ما روى عن أبي عمرو من إدغامه الراء عند اللام [[نقل بعضهم عن أبي عمرو إدغام الراء بدون اختلاف، بعضهم نقل عنه باختلاف. انظر "السبعة" ص 121، "التيسير" ص 44، "الكشف" 1/ 157، "النشر" 2/ 12.]]. قال الزجاج: وهوخطأ فاحش، وأحسب الذين رووا [[في (ب): (رووا ذلك) والزيادة ليست في المعاني للزجاج 1/ 400.]] عن أبي عمرو غالطين [[وعلى نهجه سار الزمخشري في تفسير قوله تعالى: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ قال: (فإن قلت: كيف يقرأ الجازم؟ قلت: يظهر الراء؛ ويدغم الباء، ومدغم الراء في اللام لاحن مخطئ خطأً فاحشًا، وراويه عن أبي عمرو مخطئ مرتين؛ لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم، والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة، والسبب في قلة الضبط قلة الدراية، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو) "الكشاف" 1/ 407، وانطر: "البيان" 1/ 83، ومذهب سيبويه وأصحابه: أنه لا يجوز إدغام الراء في اللام كما في "الكتاب" 4/ 448، "الكشف" 1/ 157. لكن هذا لا يلزم منه رد قراءة سبعية، وهي مسألة خلافية، فقد ذكر أبو حيان في "البحر" أن الكسائي والفراء أجازا ذلك وحكياه سماعًا، وقد تصدى أبو حيان للرد على الزمخشري وأجاد في ذلك، انظر: "البحر المحيط" 2/ 361، 362، وانظر تعليق عضيمة على "المقتضب"1/ 347.]]، ولا يدغم الراء في اللام إذا قلت: مر لي بشيء؛ لأن الراء حرف مكرر، ولا يدغم الزائد في الناقص [[قوله: (ولا يدغم الزائد في الناقص للإخلال به) ليس في "المعاني" 1/ 400.]] للإخلال به، فأما اللام فيجوز إدغامه في الراء، ولو أدغمت الراء في اللام لذهب التكرير من الراء وهذا إجماع النحويين [[انظر كلام الزجاج في "المعاني" 1/ 400. عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾.]].
وقال أبو الفتح الموصلي: الراء لما فيها من التكرير لا يجوز إدغامها فيما يليها من الحروف؛ لأن إدغامها في غيرها يسلبها ما فيها من التكرير.
وأما قراءة أبي عمرو ﴿نَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [[البقرة: 58، الأعراف: 161، وفي "سر صناعة الإعراب": ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ بدون واو، جزء من آية في الأحقاف: 31، الصف: 12، ونوح: 4.]] بإدغام الراء في اللام فمدفوع عندنا [وغير معروف عند أصحابنا، وإنما هو شيء رواه القراء، ولا قوة له في القياس [["سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح ابن جني 1/ 193، والرواية إذا ثبتت فهي أقوى من القياس، وانظر التعليق السابق على كلام الزجاج.]].
والخطايا: جمع خطيئة [[ذهب بعض الكوفيين إلى أنه: جمع (خطية) دون همز، واختاره الطبري 1/ 302، وانظر "تفسير ابن عطية" 1/ 308، "تفسير القرطبي" 1/ 353، 354.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).]] وهي [[في (ب): (وهو).]] الذنب على عمد قال أبو الهيثم: يقال: خطئ: ما صنعه عمدا، وهو الذنب، وأخطأ: ما صنعه خطأ غير عمد [[نص الكلام في "التهذيب" (خطئت) لما صنعه عمدا وهو الذنب، (أخطأت) لما صنعه خطأ غير عمد. "تهذيب اللغة" (خطئ) 1/ 1061، وانظر "اللسان" (خطأ) 1/ 1061.]]. ويأتي بيان هذا مشروحًا عند قوله: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ [[البقرة: 81، وهناك بيَّن الواحدي الفرق بين (أخطأ) و (خطئ).]]. قال الزجاج: الأصل في خطايا كان خطايؤ [[كذا وردت في (أ)، (ج) وفي (ب): (كل خطاييا) وهو خطأ، وفي "معاني القرآن" للزجاج رسمت (خطائِى) وكلامه يدل على أن المراد خطائئ، فلم يذكر أصل الكلمة خَطَايئ كما في "تهذيب اللغة"، انظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 111، "تهذيب اللغة" (خطئ) 1/ 1060 - 1061.]] مثل خطائع، لأنها جمع خطيئة، فأبدل من هذه الياء همزة؛ فصارت [خطائئ] [[في (أ)، (ج): (خطايو) وفي (ب): (خطاي) وما أثبت هو المثبت في "تهذيب اللغة" 1/ 1060 - 1061، وقريب مما في (ب)، وفي "اللسان" (خطائي). "اللسان" (خطأ) 2/ 1193.]] مثل خطاعع.
قلت: وإنما أبدلت هذه [[في (ج): (همزة).]] الياء همزة، لأن هذه الياء إذا وقعت في الجمع صارت همزة، مثل: ترائب وسحائب، وعلة ذلك نذكرها في قراءة من قرأ: معائش [[الأعراف: 10، والحجر: 20.]] بالهمزة [[الجمهور على القراءة بالياء، وقرأ الأعرج وزيد بن علي والأعمش وخارجة عن نافع، وابن عامر في رواية بالهمز، والقياس القراءة بدون همز، لأن الياء التي في المفرد إذا كانت أصلا فلا تهمز مثل معايش وإذا كانت زائدة همزت مثل: صحيفة وصحائف، قال أبو حيان: لكن رواه ثقات فوجب قبوله. انظر "البحر المحيط" 4/ 271، وانظر هذه المسألة في "معاني القرآن" للفراء 1/ 373، والزجاج 2/ 353، "تفسير ابن عطية" 1/ 309.]]. رجعنا إلى كلام الزجاج: فاجتمعت همزتان، فقلبت الثانية ياء فصار خَطَائِي مثل خَطَاعِي ثم قلبت الياء والكسرة إلى الفتحة والألف، فصار خَطاءَا، مثل خَطاعا [[في "تهذيب اللغة" (خطاءى) مثل (خطئ) 1/ 1061، والمثبت هنا مثل ما في "معاني القرآن" 1/ 111، وكذا في "اللسان" 1/ 1193.]] فأبدلت الهمزة ياء، لوقوعها بين ألفين، وإنما أبدلت الهمزة حين وقعت بين ألفين؛ لأن الهمزة مجانسة للألفات، فاجتمعت ثلاثة أحرف من جنس واحد، فأبدلت الهمزة ياء فصارت خَطايَا [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 111، والنص من "لتهذيب" (خطئ) 1/ 1061، "اللسان" (خطأ) 2/ 1193، وانظر "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 179، انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 309، و"البيان" 1/ 84 والقرطبي في "تفسيره" 1/ 353.]].
وقوله تعالى: ﴿سَنَزِيدُ اَلمُحسِنِينَ﴾ أي: الذين لم يكونوا من أهل تلك الخطيئة إحسانا وثوابا [[وقيل: المراد العموم من أهل الخطيئة وغيرهم فمن كان محسنا زيد في إحسانه ومن كان مخطئا غفر له خطيئته. انظر "تفسير الطبري" 1/ 302، انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 309، "البحر المحيط" 1/ 224.]].
{"ayah":"وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُوا۟ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةَ فَكُلُوا۟ مِنۡهَا حَیۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدࣰا وَٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡبَابَ سُجَّدࣰا وَقُولُوا۟ حِطَّةࣱ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَـٰیَـٰكُمۡۚ وَسَنَزِیدُ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق