الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ الآية، من الناس من يجعل ﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ، وخبره قوله: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ﴾ ومنهم: من يجعله صفة للصابرين [[ينظر: "البحر المحيط" 1/ 451، وقال عن الأول: إنه محتمل، وعن الثاني: إنه ظاهر الإعراب، وذكر أيضا: أنه منصوب على المدح، أو مرفوع على إضمار هم على وجهين: إما على القطع، أو على الاستئناف.]]. وقوله تعالى: ﴿أَصَابَتْهُمْ﴾ يقال في المصدر: الإصابة، والمُصَابة، والمُصَاب. أنشد الفراء: فلو أنّا بكينا من مُصَابِ ... على حَدَثٍ بكينا سَيِّدَيْنَا وأنشد أيضًا: أظُلَيْمُ إن مُصَابَكمْ رَجُلًا ... أهدى السلامَ تحيةً ظُلْمُ [[البيت للحارث بن خالد المخزومي في "ديوانه" ص 91، "الاشتقاق" ص 99، و 151، "الأغاني" 9/ 225، "خزانة الأدب" 1/ 454، "إنباه الرواة" 1/ 249، "اللسان" 4/ 2519، (صوب) "المقاصد النحوية" 3/ 502، "المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية" 7/ 190. وظليم: ترخيم ظليمة، ويروى: أظلوم، وظليم: هي أم عمران زوجة عبد الله بن مطيع وكان الحارث يُنْسب بها، ولما مات زوجها تزوجها. ورجلًا منصوب بمصاب، يعني: إن إصابتكم رجلًا، وظُلْمُ: خبر إن.]] ومعنى المصيبة: هي التي تصيب بالنكبة، ولا يقال فيما يصيب بخير: مصيبة [[ينظر: "البحر المحيط" 1/ 451.]]، وياؤها منقلبة عن واو، هي عين الفعل. فأما جمعها: فحكى سيبويه: أن بعضهم قال في جمع مصيبة: مصائب فهمز، وهو غلط، وإنما هو مُفْعِلَة فتوهموها فَعِيلَة. قال: ومنهم من يقول: مصاوب، فجيء به عن الأصل والقياس. هذا كلامه [[بمعناه من "الكتاب" لسيبويه 1/ 356، وقال الزجاج فيما نقله الأزهري في "تهذيب اللغة" 2/ 1956 "صاب": أجمع النحويون على أن حكوا مصائب في جمع: مصيبة، بالهمز، وأجمعوا على أن الاختيار: مصاوب، ومصائب عندهم بالهمز من الشاذ، قال: وهذا عندي إنما هو بدل من الواو المكسورة، كما قالوا: وسادة وإسادة.]]، ومثل هذا الغلط في جمع مصيبة على مصائب بالهمزة: قراءة من قرأ (معائش) بالهمز، وقد شرحنا ذلك مستقصى. قال أبو علي الفارسي: قول سيبويه: وتوهموها فعيلة، أي: توهموا الياء التي في مصيبة، وهي منقلبة عن العين، التي هي واو الياء التي للمد، التي في نحو سفينة وصحيفة، فهمزوا الياء المنقلبة عن الواو التي هي عين الفعل، كما همزوا الياء التي للمد، في نحو: سفائن وصحائف، ولا تشبه هذه الياء تلك، ألا ترى أن هذه منقلبة عن واو، هي عين أصلها الحركة، وتلك زائدة للمد، لاحظَّ لها في الحركة. ومثل هذا مما حمله أبو الحسن على الغلط: قول بعضهم في جمع مَسيل: مُسْلان، فمسيل مَفعِل، والياء فيه عين الفعل، فتوهم من قال: مُسْلان أنها زائدة للمد، فجمعه على فُعلان، كما يجمع قضيب على قُضبان [[ذكر الأزهري في "تهذيب اللغة" 4/ 3398 "مسل" أن القياس في مسيل الماء: مسايل، غير مهموز، ومن جمعه: أمسِلة، ومُسُلا، ومُسلانًا، فهو على توهم أن الميم في المسيل أصلية، وأنه على وزن فعيل، ولم يرد به مفعِلا، كما جمعوا مكانا: أمكنة، ولهما نظائر.]]، وعند أبي إسحاق: الهمزة في مصائب بدل من الواو المكسورة على حد إبدالها في إسادة [[ينظر كلامه فيما نقله الأزهري في "تهذيب اللغة" 2/ 1956 (صاب).]]. قال أبو علي: وليس القول عندي كذلك؛ لأن المكسورة غير أول لا تبدل كالمفتوحة، ألا ترى أنهم قالوا: أَناةٌ؟ فأبدلوا الواو أولًا، ولم يلزموا البدل غير أول، مع تكررهما في أَحْوويّ ونحوه، فكذلك المكسورة لا يجوز إبدالها غير أول [[من قوله: (تبدل كالمفتوحة ..) ساقط من (ش).]] إذ لم تجئ في شيء مكسورة مبدلة غير أول، وإذا كان كذلك، كان قوله في مصائب عاريًا من دلالة تبينه، وخاليًا من نظير يردّ إليه، ويستشهد به [[في (أ)، (م): (ويستشهد به دل عليه).]] عليه، وقول النحويين: إنه على جهة الغلط أشبه بالصواب من حيث كان أكثر نظيرًا. وقوله إنما يحصل [[في (ش): كأنها: (يتحصل).]] فيه على دعوى مجردة من البرهان. وقوله تعالى: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ أي: نحن وأموالنا لله، ونحن عبيد يصنع بنا ما يشاء، وفي ﴿إِنَّا لِلَّهِ﴾ إقرار له بالعبودية ﴿وَإِنَّا إِلَيْهِ﴾ إقرار بالبعث والنشور [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 42، "المحرر الوجيز" 2/ 34، "البحر المحيط" 1/ 451.]]. ومعنى الرجوع إلى الله: الرجوع إلى انفراده بالحكم، كما كان أول مرة، إذ قد مَلَّك قومًا في الدنيا شيئًا من الضر والنفع لم يكونوا يملكونه، ثم يرجع الأمر إلى ما كان، إذا زال تمليك العباد [[في (ش): (العبادة).]]. وقال أبو بكر الوراق: ﴿إِنَّا للِّهِ﴾: إقرار منّا له بالملك ﴿وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾: إقرار على أنفسنا بالهلك [[ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1277، والرازي في "تفسيره" 4/ 171، وذكره القرطبي في "تفسيره" 2/ 161 [دون نسبة].]]، وظاهر الخطاب في هذه الآية يقتضي أن يكون قول القائل: ﴿إِنَّا للِّهِ﴾ على إثر المصيبة من غير أن يتخللها جزع؛ ليستحق الثواب الموعود. يؤيد هذا: ما روي أن النبي ﷺ قال لامرأة جزعت ثم راجعت: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى" [[أخرجه البخاري (1283) كتاب الجنائز، باب: زيارة القبور، ومسلم (926) كتاب الجنائز، باب: في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى.]]. الصبر الموعود عليه الأجر والثواب [[ينظر في ذلك: كتاب "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" ص 114 وما بعدها.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب