الباحث القرآني
﴿ولَنَبْلُوَنَّكم بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ ونَقْصٍ مِنَ الأمْوالِ والأنْفُسِ والثَّمَراتِ﴾
عَطَفَ لَنَبْلُوَنَّكم عَلى قَوْلِهِ ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ١٥٣] عَطْفَ المَقْصِدِ عَلى المُقَدِّمَةِ كَما أشَرْنا إلَيْهِ قَبْلُ، ولَكَ أنْ تَجْعَلَ قَوْلَهُ ولَنَبْلُوَنَّكم عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ ﴿ولِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] الآياتِ لِيُعْلِمَ المُسْلِمِينَ أنَّ تَمامَ النِّعْمَةِ ومَنزِلَةَ الكَرامَةِ عِنْدَ اللَّهِ لا يَحُولُ بَيْنَهم وبَيْنَ لَحاقِ المَصائِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ المُرْتَبِطَةِ بِأسْبابِها، وأنَّ تِلْكَ المَصائِبَ مَظْهَرٌ لِثَباتِهِمْ عَلى الإيمانِ ومَحَبَّةِ اللَّهِ تَعالى والتَّسْلِيمِ لِقَضائِهِ فَيَنالُونَ بِذَلِكَ بَهْجَةَ نُفُوسِهِمْ بِما أصابَهم في مَرْضاةِ اللَّهِ ويَزْدادُونَ بِهِ رِفْعَةً وزَكاءً، ويَزْدادُونَ يَقِينًا بِأنَّ اتِّباعَهم لِهَذا الدِّينِ لَمْ يَكُنْ لِنَوالَ حُظُوظٍ في الدُّنْيا، ويَنْجَرُّ لَهم مِن ذَلِكَ ثَوابٌ، ولِذَلِكَ جاءَ بَعْدَهُ ﴿وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ وجَعَلَ قَوْلَهُ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ١٥٣] الآيَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ المُتَعاطِفَيْنِ لِيَكُونَ نَصِيحَةً لِعِلاجِ الأمْرَيْنِ تَمامِ النِّعْمَةِ والهُدى والِابْتِلاءِ، ثُمَّ أُعِيدَ عَلَيْهِ ما يُصَيِّرُ الجَمِيعَ خَبَرًا بِقَوْلِهِ ﴿وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ .
وجِيءَ بِكَلِمَةِ شَيْءٍ تَهْوِينًا لِلْخَبَرِ المُفْجِعِ، وإشارَةً إلى الفَرْقِ بَيْنَ هَذا الِابْتِلاءِ وبَيْنَ الجُوعِ والخَوْفِ اللَّذَيْنِ سَلَّطَهُما اللَّهُ عَلى بَعْضِ الأُمَمِ عُقُوبَةً، كَما في قَوْلِهِ ﴿فَأذاقَها اللَّهُ لِباسَ الجُوعِ والخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: ١١٢] ولِذَلِكَ جاءَ هُنا بِكَلِمَةِ شَيْءٍ وجاءَ هُنالِكَ بِما يَدُلُّ عَلى المُلابَسَةِ والتَّمَكُّنِ، وهو أنِ اسْتَعارَ لَها اللِّباسَ اللّازِمَ لِلّابِسِ، لِأنَّ كَلِمَةَ ”شَيْءٍ“ مِن أسْماءِ الأجْناسِ (p-٥٥)العالِيَةِ العامَّةِ، فَإذا أُضِيفَتْ إلى اسْمِ جِنْسٍ أوْ بُيِّنَتْ بِهِ عُلِمَ أنَّ المُتَكَلِّمَ ما زادَ كَلِمَةَ شَيْءٍ قَبْلَ اسْمِ ذَلِكَ الجِنْسِ إلّا لِقَصْدِ التَّقْلِيلِ لِأنَّ الِاقْتِصارَ عَلى اسْمِ الجِنْسِ الَّذِي ذَكَرَهُ المُتَكَلِّمُ بَعْدَها لَوْ شاءَ المُتَكَلِّمُ لَأغْنى غَناءَها، فَما ذَكَرَ كَلِمَةَ شَيْءٍ إلّا والقَصْدُ أنْ يَدُلَّ عَلى أنَّ تَنْكِيرَ اسْمِ الجِنْسِ لَيْسَ لِلتَّعْظِيمِ ولا لِلتَّنْوِيعِ، فَبَقِيَ لَهُ الدَّلالَةُ عَلى التَّحْقِيرِ وهَذا كَقَوْلِ السَّرِيِّ مُخاطِبًا لِأبِي إسْحاقَ الصّابِي:
؎فَشَيْئًا مِن دَمِ العُنْقُو دِ أجْعَلُهُ مَكانَ دَمِي
فَقَوْلُ اللَّهِ تَعالى ﴿ولَنَبْلُوَنَّكم بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ﴾ عُدُولٌ عَنْ أنْ يَقُولَ: بِخَوْفٍ وجُوعٍ، أمّا لَوْ ذَكَرَ لَفْظَ شَيْءٍ مَعَ غَيْرِ اسْمِ جِنْسٍ كَما إذا أُتْبِعَ بِوَصْفٍ أوْ لَمْ يُتْبَعْ أوْ أُضِيفَ لِغَيْرِ اسْمِ جِنْسٍ فَهو حِينَئِذٍ يَدُلُّ عَلى مُطْلَقِ التَّنْوِيعِ نَحْوُ قَوْلِ قُحَيْطٍ العِجْلِيِّ:
؎فَلا تَطْمَعْ أبَيْتَ اللَّعْنَ فِيها ∗∗∗ ومَنَعُكَها بِشَيْءٍ يُسْتَطاعُ
فَقَدْ فَسَّرَهُ المَرْزُوقِيُّ وغَيْرُهُ بِأنَّ مَعْنى بِشَيْءٍ بِمَعْنًى مِنَ المَعانِي مِن غَلَبَةٍ أوْ مَعازَةٍ أوْ فِداءٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ اهـ. وقَدْ يَكُونُ بَيانُ هَذِهِ الكَلِمَةِ مَحْذُوفًا لِدَلالَةِ المُقامِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أخِيهِ شَيْءٌ﴾ [البقرة: ١٧٨] فَهو الدِّيَةُ عَلى بَعْضِ التَّفاسِيرِ أوْ هو العَفْوُ عَلى تَفْسِيرٍ آخَرَ، وقَوْلِ عُمَرَ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ:
؎ومِن مالِئٍ عَيْنَيْهِ مِن شَيْءِ غَيْرِهِ ∗∗∗ إذا راحَ نَحْوَ الجَمْرَةِ البَيْضُ كالدُّمى
أيْ مِن مَحاسِنِ امْرَأةٍ غَيْرِ امْرَأتِهِ.
وقَوْلِ أبى حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ:
؎إذا ما تَقاضى المَرْءَ يَوْمٌ ولَيْلَةٌ ∗∗∗ تَقاضاهُ شَيْءٌ لا يَمَلُّ التَّقاضِيا
أيْ شَيْءٌ مِنَ الزَّمانِ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهم أمْوالُهم ولا أوْلادُهم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [آل عمران: ١٠] أيْ مِنِ الغَناءِ.
(p-٥٦)وكَأنَّ مُراعاةَ هَذَيْنِ الِاسْتِعْمالَيْنِ في كَلِمَةِ ”شَيْءٍ“ هو الَّذِي دَعا الشَّيْخَ عَبَدَ القاهِرِ في دَلائِلِ الإعْجازِ إلى الحُكْمِ بِحُسْنِ وقْعِ كَلِمَةِ شَيْءٍ في بَيْتِ ابْنِ أبِي رَبِيعَةَ وبَيْتِ أبِي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ، وبِقِلَّتِها وتَضاؤُلِها في قَوْلِ أبِي الطَّيِّبِ:
؎لَوِ الفَلَكُ الدَّوّارُ أبْغَضْتَ سَعْيَهُ ∗∗∗ لَعَوَّقَهُ شَيْءٌ عَنِ الدَّوَرانِ
لِأنَّها في بَيْتِ أبِي الطَّيِّبِ لا يَتَعَلَّقُ بِها مَعْنى التَّقْلِيلِ كَما هو ظاهِرٌ ولا التَّنْوِيعِ لِقِلَّةِ جَدْوى التَّنْوِيعِ هُنا إذْ لا يَجْهَلُ أحَدٌ أنَّ مُعَوِّقَ الفَلَكِ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ شَيْئًا.
والمُرادُ بِالخَوْفِ والجُوعِ وما عُطِفَ عَلَيْهِما مَعانِيها المُتَبادِرَةُ وهي ما أصابَ المُسْلِمِينَ مِنِ القِلَّةِ وتَألُّبِ المُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الهِجْرَةِ، كَما وقَعَ في يَوْمِ الأحْزابِ إذْ جاءُوهم مِن فَوْقِهِمْ ومِن أسْفَلَ مِنهم وإذْ زاغَتِ الأبْصارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ وأمّا الجُوعُ فَكَما أصابَهم مِن قِلَّةِ الأزْوادِ في بَعْضِ الغَزَواتِ، ونَقْصِ الأمْوالِ ما يَنْشَأُ عَنْ قِلَّةِ العِنايَةِ بِنَخِيلِهِمْ في خُرُوجِهِمْ إلى الغَزْوِ، ونَقْصُ الأنْفُسِ يَكُونُ بِقِلَّةِ الوِلادَةِ لِبُعْدِهِمْ عَنْ نِسائِهِمْ كَما قالَ النّابِغَةُ:
؎شُعَبُ العِلافِيّاتِ بَيْنَ فُرُوجِهِمْ ∗∗∗ والمُحْصَناتُ عَوازِبُ الأطْهارِ
وكَما قالَ الأعْشى يَمْدَحُ هَوْذَةَ بْنَ عَلِيٍّ صاحِبَ اليَمامَةِ، بِكَثْرَةِ غَزَواتِهِ:
؎أفِي كُلِّ عامٍ أنْتَ جاشِمُ غَزْوَةٍ ∗∗∗ تَشُدُّ لِأقْصاها عَزِيمَ عَزائِكا
؎مُوَرِّثَةٍ مالًا وفي المَجْدِ رِفْعَةٌ ∗∗∗ لِما ضاعَ فِيها مِن قُرُوءِ نِسائِكا
وكَذَلِكَ نَقْصُ الأنْفُسَ بِالِاسْتِشْهادِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وما يُصِيبُهم في خِلالِ ذَلِكَ وفِيما بَعْدَهُ مِن مَصائِبَ تَرْجِعُ إلى هاتِهِ الأُمُورِ.
والكَلامُ عَلى الأمْوالِ يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تَأْكُلُوا أمْوالَكم بَيْنَكم بِالباطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨] في هَذِهِ السُّورَةِ، وعِنْدَ قَوْلِهِ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهم أمْوالُهُمْ﴾ [آل عمران: ١٠] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.
* * *
﴿وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾
جُمْلَةُ ﴿وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى ولَنَبْلُوَنَّكم، والخُطّابُ لِلرَّسُولِ ﷺ بِمُناسَبَةِ أنَّهُ مِمَّنْ شَمِلَهُ قَوْلُهُ ولَنَبْلُوَنَّكم وهو عَطْفُ إنْشاءٍ عَلى خَبَرٍ ولا ضَمِيرَ فِيهِ عِنْدَ مَن تَحَقَّقَ أسالِيبَ العَرَبِ ورَأى في كَلامِهِمْ كَثْرَةَ عَطْفِ الخَبَرِ عَلى الإنْشاءِ وعَكْسِهِ.
(p-٥٧)وأُفِيدَ مَضْمُونُ الجُمْلَةِ الَّذِي هو حُصُولُ الصَّلَواتِ والرَّحْمَةِ والهُدى لِلصّابِرِينَ بِطَرِيقَةِ التَّبْشِيرِ عَلى لِسانِ الرَّسُولِ تَكْرِيمًا لِشَأْنِهِ، وزِيادَةً في تَعَلُّقِ المُؤْمِنِينَ بِهِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ خَيْراتُهم بِواسِطَتِهِ، فَلِذَلِكَ كانَ مِن لَطائِفِ القُرْآنِ إسْنادُ البَلْوى إلى اللَّهِ بِدُونِ واسِطَةِ الرَّسُولِ، وإسْنادُ البِشارَةِ بِالخَيْرِ الآتِي مِن قِبَلِ اللَّهِ إلى الرَّسُولِ.
والكَلامُ عَلى الصَّبْرِ وفَضائِلِهِ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ٤٥] .
ووَصْفُ الصّابِرِينَ بِأنَّهُمُ ﴿الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا﴾ إلَخْ لِإفادَةِ أنَّ صَبْرَهم أكْمَلُ الصَّبْرِ إذْ هو صَبْرٌ مُقْتَرِنٌ بِبَصِيرَةٍ في أمْرِ اللَّهِ تَعالى إذْ يَعْلَمُونَ عَنْدَ المُصِيبَةِ أنَّهم مِلْكٌ لِلَّهِ تَعالى يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَيْفَ يَشاءُ فَلا يَجْزَعُونَ مِمّا يَأْتِيهِمْ، ويَعْلَمُونَ أنَّهم صائِرُونَ إلَيْهِ فَيُثِيبُهم عَلى ذَلِكَ، فالمُرادُ مِنَ القَوْلِ هُنا القَوْلُ المُطابِقُ لِلِاعْتِقادِ إذِ الكَلامُ إنَّما وُضِعَ لِلصِّدْقِ، وإنَّما يَكُونُ ذَلِكَ القَوْلُ مُعْتَبَرًا إذا كانَ تَعْبِيرًا عَمّا في الضَّمِيرِ فَلَيْسَ لِمَن قالَ هاتِهِ الكَلِماتِ بِدُونِ اعْتِقادٍ لَها فَضْلٌ وإنَّما هو كالَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ، وقَدْ عَلَّمَهُمُ اللَّهُ هَذِهِ الكَلِمَةَ الجامِعَةَ لِتَكُونَ شِعارَهم عِنْدَ المُصِيبَةِ، لِأنَّ الِاعْتِقادَ يَقْوى بِالتَّصْرِيحِ لِأنَّ اسْتِحْضارَ النَّفْسِ لِلْمُدْرَكاتِ المَعْنَوِيَّةِ ضَعِيفٌ يَحْتاجُ إلى التَّقْوِيَةِ بِشَيْءٍ مِنَ الحِسِّ، ولِأنَّ في تَصْرِيحِهِمْ بِذَلِكَ إعْلانًا لِهَذا الِاعْتِقادِ وتَعْلِيمًا لَهُ لِلنّاسِ. والمُصِيبَةُ يَأْتِي الكَلامُ عَلَيْها عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإنْ أصابَتْكم مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ﴾ [النساء: ٧٢] في سُورَةِ النِّساءِ.
والتَّوْكِيدُ بِإنَّ في قَوْلِهِمْ إنّا لِلَّهِ لِأنَّ المُقامَ مَقامُ اهْتِمامٍ، ولِأنَّهُ يُنْزِلُ المُصابَ فِيهِ مَنزِلَةَ المُنْكِرِ كَوْنُهُ مِلْكًا لِلَّهِ تَعالى وعَبْدًا لَهُ إذْ تُنْسِيهِ المُصِيبَةُ ذَلِكَ ويَحُولُ هَوْلُها بَيْنَهُ وبَيْنَ رُشْدِهِ. واللّامُ فِيهِ لِلْمُلْكِ.
والإتْيانُ بِاسْمِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ﴾ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ المُشارَ إلَيْهِ هو ذَلِكَ المَوْصُوفُ بِجَمِيعِ الصِّفاتِ السّابِقَةِ عَلى اسْمِ الإشارَةِ، وأنَّ الحُكْمَ الَّذِي يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ مُتَرَتِّبٌ عَلى تِلْكَ الأوْصافِ مِثْلُ ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] وهَذا بَيانٌ لِجَزاءِ صَبْرِهِمْ. والصَّلَواتُ هُنا مَجازٌ في التَّزْكِياتِ والمَغْفِراتِ ولِذَلِكَ عُطِفَتْ عَلَيْها الرَّحْمَةُ الَّتِي هي مِن مَعانِي الصَّلاةِ مَجازًا في مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٥٦] .
وحَقِيقَةُ الصَّلاةِ في كَلامِ العَرَبِ أنَّها أقْوالٌ تُنْبِئُ عَنْ مَحَبَّةِ الخَيْرِ لِأحَدٍ، ولِذَلِكَ كانَ (p-٥٨)أشْهَرُ مَعانِيها هو الدُّعاءَ وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ [البقرة: ٣] ولِأجْلِ ذَلِكَ كانَ إسْنادُ هَذا الفِعْلِ لِمَن لا يُطْلَبُ الخَيْرُ إلّا مِنهُ مُتَعَيِّنًا لِلْمَجازِ في لازِمِ المَعْنى وهو حُصُولُ الخَيْرِ، فَكانَتِ الصَّلاةُ إذا أُسْنِدَتْ إلى اللَّهِ أوْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ دالَّةً عَلى الرَّحْمَةِ وإيصالِ ما بِهِ النَّفْعُ مِن رَحْمَةٍ أوْ مَغْفِرَةٍ أوْ تَزْكِيَةٍ.
وقَوْلُهُ ﴿وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ بَيانٌ لِفَضِيلَةِ صِفَتِهِمْ إذِ اهْتَدَوْا لِما هو حَقُّ كُلِّ عَبْدٍ عارِفٍ فَلَمْ تُزْعِجْهُمُ المَصائِبُ ولَمْ تَكُنْ لَهم حاجِبًا عَنِ التَّحَقُّقِ في مَقامِ الصَّبْرِ، لِعِلْمِهِمْ أنَّ الحَياةَ لا تَخْلُو مِنَ الأكْدارِ، وأمّا الَّذِينَ لَمْ يَهْتَدُوا فَهم يَجْعَلُونَ المَصائِبَ سَبَبًا في اعْتِراضِهِمْ عَلى اللَّهِ أوْ كُفْرِهِمْ بِهِ أوْ قَوْلِ ما لا يَلِيقُ أوْ شَكِّهِمْ في صِحَّةِ ما هم عَلَيْهِ مِنَ الإسْلامِ، يَقُولُونَ لَوْ كانَ هَذا هو الدِّينَ المَرْضِيَّ لِلَّهِ لَما لَحِقَنا عَذابٌ ومُصِيبَةٌ، وهَذا شَأْنُ أهْلِ الضَّلالِ الَّذِينَ حَذَّرَنا اللَّهُ أمْرَهم بِقَوْلِهِ ﴿وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى ومَن مَعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣١] وقالَ في المُنافِقِينَ ﴿وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِنْدِكَ﴾ [النساء: ٧٨]، والقَوْلُ الفَصْلُ أنَّ جَزاءَ الأعْمالِ يَظْهَرُ في الآخِرَةِ، وأمّا مَصائِبُ الدُّنْيا فَمُسَبَّبَةٌ عَنْ أسْبابٍ دُنْيَوِيَّةٍ، تَعْرِضُ لِعُرُوضِ سَبَبِها، وقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ سَبَبَ المُصِيبَةِ عُقُوبَةً لِعَبْدِهِ في الدُّنْيا عَلى سُوءِ أدَبٍ أوْ نَحْوِهِ لِلتَّخْفِيفِ عَنْهُ مِن عَذابِ الآخِرَةِ، وقَدْ تَكُونُ لِرَفْعِ دَرَجاتِ النَّفْسِ، ولَها أحْوالٌ ودَقائِقُ لا يَعْلَمُها إلّا اللَّهُ تَعالى وقَدْ يَطَّلِعُ عَلَيْها العَبْدُ إذا راقَبَ نَفْسَهُ وحاسَبَها، ولِلَّهِ تَعالى في الحالَيْنِ لُطْفٌ ونِكايَةٌ يَظْهَرُ أثَرُ أحَدِهِما لِلْعارِفِينَ.
{"ayahs_start":155,"ayahs":["وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ","ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰجِعُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَ ٰتࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ"],"ayah":"ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰجِعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق