قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ يَعْنِي أهْلَ مَكَّةَ، لِما تَقَدَّمَ مِن دُعاءِ النَّبِيِّ ﷺ أنْ يَجْعَلَها عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ حِينَ قَحِطُوا سَبْعَ سِنِينَ، فَقالَ اللَّهُ تَعالى مُجِيبًا لِدُعاءِ نَبِيِّهِ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكم بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ﴾ الخَوْفُ يَعْنِي الفَزَعَ في القِتالِ، والجُوعُ يَعْنِي المَجاعَةَ بِالجَدْبِ.
﴿وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوالِ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: (p-٢١٠)
أحَدُهُما: نَقْصُها بِالجَوائِحِ المُتْلِفَةِ.
والثّانِي: زِيادَةُ النَّفَقَةِ في الجَدْبِ.
﴿والأنْفُسِ﴾ يَعْنِي ونَقْصَ الأنْفُسِ بِالقَتْلِ والمَوْتِ.
﴿والثَّمَراتِ﴾ قِلَّةُ النَّباتِ وارْتِفاعُ البَرَكاتِ.
﴿وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ يَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ أوْجُهٍ: أحَدُها: وبَشِّرِ الصّابِرِينَ عَلى الجِهادِ بِالنَّصْرِ.
والثّانِي: وبَشِّرِ الصّابِرِينَ عَلى الطّاعَةِ بِالجَزاءِ.
والثّالِثُ: وبَشِّرِ الصّابِرِينَ عَلى المَصائِبِ بِالثَّوابِ، وهو أشْبَهُ لِقَوْلِهِ مِن بَعْدُ: ﴿الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ﴾ يَعْنِي: إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ في نَفْسٍ أوْ أهْلٍ أوْ مالٍ قالُوا: إنّا لِلَّهِ: أيْ نُفُوسُنا وأهْلُونا وأمْوالُنا لِلَّهِ، لا يَظْلِمُنا فِيما يَصْنَعُهُ بِنا ﴿وَإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ﴾ يَعْنِي بِالبَعْثِ في ثَوابِ المُحْسِنِ ومُعاقَبَةِ المُسِيءِ.
ثُمَّ قالَ تَعالى في هَؤُلاءِ: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ الصَّلاةُ اسْمٌ مُشْتَرَكُ المَعْنى فَهي مِنَ اللَّهِ تَعالى الرَّحْمَةُ، ومِنَ المَلائِكَةِ الِاسْتِغْفارُ، ومِنَ النّاسِ الدُّعاءُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وقالَ الشّاعِرُ:
؎ صَلّى عَلى يَحْيى وأشْياعِهِ رَبٌّ كَرِيمٌ وشَفِيعٌ مُطاعُ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ﴾ أيْ رَحْمَةٌ، وذَكَرَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الجَمْعِ لِأنَّ بَعْضَها يَتْلُو بَعْضًا.
ثُمَّ قالَ: ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ فَأعادَها مَعَ اخْتِلافِها لِلَّفْظَيْنِ لِأنَّهُ أوْكَدُ وأبْلَغُ كَما قالَ: ﴿مِنَ البَيِّناتِ والهُدى﴾ وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ وجْهانِ مُحْتَمَلانِ: أحَدُهُما: المُهْتَدُونَ إلى تَسْهِيلِ المَصائِبِ وتَخْفِيفِ الحُزْنِ.
والثّانِي: المُهْتَدُونَ إلى اسْتِحْقاقِ الثَّوابِ وإجْزالِ الأجْرِ.(p-٢١١)
{"ayahs_start":155,"ayahs":["وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ","ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰجِعُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَ ٰتࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ"],"ayah":"ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰجِعُونَ"}