الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ مضى الكلام في معنى هذا الاستفهام في سورة آل عمران [[عند قوله سبحانه في سورة آل عمران الآية: (40): ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾.]]. وقوله تعالى: ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ قال كثير من الناس: (كَانَت) هاهنا زيادة [[التعبير بلفظ الزيادة، لا يصح القول به في القرآن الكريم، فإن كل حرف منه ورد ليدل على معنى من المعاني فزيادة المبني تدل على زيادة المعنى والمنزل الحكيم سبحانه لا ينزل الشيء إلا لفائدة.]]، والمعنى: وامرأتي عاقرًا، كما قال في موضع آخر: ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ [آل عمران: 40]. قال ابن الأنباري: (كَانَت) هاهنا ماضٍ، معناه الحال كأنه قال: وكائنة امرأتي في الحال، فصلح وضع الماضي في وضع الدائم؛ لأن المعنى مفهوم غير ملتبس، كقوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 96]، و ﴿كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 11]. المعنى: وكائن الله غفورا أبدا. قال: وفي المسألة جواب ثالث: وهو أنه لما بشر بالولد وقع في نفسه أنه يكون بزوال العقر عن زوجته فقال بعد وقوع هذا المعنى في نفسه ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ أي: إلى هذا الوقت الذي لا أدري أزال العقر عنها أم لا؟ قال: وهذا جواب جيد صحيح) [[ذكر نحوه في "المحر الوجيز" 9/ 432، "زاد المسير" 5/ 211، "التفسير الكبير" 21/ 184.]]. قوله تعالى: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ قال أبو عبيد: (يقال للشيخ إذا ولى وكبر: عَتَا، يَعْتُو، عِتِيّا) [["تهذيب اللغة" (عتا) 3/ 2313، "لسان العرب" (عتا) 5/ 2804.]]. وقال أبو عبيدة: (كل مبالغ في شيء أو كفر فقد عَتَا، عِتِيّا، فهو عَاتٍ) [["مجاز القرآن" 2/ 2.]]. وقال أبو إسحاق: (كل شيء انتهى فقد عَتَا يَعْتْوا عُتُوًّا وعِتيًا) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 320.]]. وقال الفراء: (يقال للشيخ إذا كبر عَتَا وعِتِيا) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 162.]]. قال أهل المعاني: (يقال للذي غيره الزمان إلى حال اليبس والجفاف: هو عَاتٍ وعَاس) [["النكت والعيون" 3/ 357، "لسان العرب" (عتا) 5/ 2804.]]. وبهذا المعنى فسره مجاهد فقال: (هو نحول العظم) [["جامع البيان" 16/ 51، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 125، "زاد المسير" 5/ 211، "تفسير كتاب الله العزيز" 3/ 7.]]. وهو قول قتادة [["تفسير القرآن" للصنعاني 2/ 6، "جامع البيان" 16/ 5، "النكت والعيون" 3/ 357، "معالم التنزيل" 5/ 220.]]. وقال ابن قتيبة: ﴿عِتِيًّا﴾ هو أي: يبسا ومنه يقال: ملك عَاتٍ إذا كان قاسي القلب غير لين) [["تفسير غريب القرآن" 272.]]. وقال ابن عباس في معنى قوله: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ (لا أقدر على مجامعة النساء) [[ذكره الطبرسي في "مجمع البيان" 6/ 780، وورد بلا نسبة في "جامع البيان" 16/ 50، "بحر العلوم" 2/ 319، "الكشف البيان" 3/ 3 أ.]]. وهذا راجع إلى ما ذكرنا من معنى اليبوسة. وروى عمرو بن ميمون: (أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس فقال: أخبرني عن قول الله -عز وجل-: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ ما العتي؟ قال: اليبوس من الكبر) [[ذكر بلا نسبة في "بحر العلوم" 2/ 319، "النكت والعيون" 3/ 357، "الكشف والبيان" 3/ 3 أ.]]. وقرأ القراء: عُتِيا بالضم، وعِتيا بالكسر [[قرأ: ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: (عُتيا) بالضم، وقرأ: حمزة، والكسائي، وحفصر عن عاصم: (عتيا) بالكسر. انظر: "السبعة" ص 407، "الحجة للاقراء السبعة" 5/ 192، "المبسوط في القراءات" ص 242، "التبصرة" ص 255.]]. وكذلك: (صليا) [مريم: 70]، (بكيا) [مريم: 58]، (جثيا) [مريم: 68]، والأصل في هذا أن ما كان من فُعُول جمعا من المعتل اللام، فاللام إذا كانت واوا لزمه القلب على الإطراد إلى الياء، ثم تقلب واو فُعول إلى الياء لادغامها في الياء، وتكسر عين الفعل كما كسرت في مرمي ونحوه، وذلك نحو: حَقْو وحُقِي، ودَلْو ودُلِي، وعَصَا وعُصِي، وصَفَا وصَفِي، وكسر الفاء مطرد في هذا نحو: دِلِي، وحِقِي، وعِصِي، وجاز ذلك؛ لأنها غيرت تغيرين وهما: أن الواو التي هي لام قلبت، والواو التي كانت قبلها قلبت أيضا، فلما غيرت تغيرين قويا على هذا التغيير من كسر الفاء هذا في الجمع، فأما ما كان من ذلك مصدرا فالقياس فيه أن يصح نحو: العُتْو والقُلُو؛ لأن واوه لم يلزمها الإنقلاب كما لزمها في الجمع، ولكن لما كانوا قد قلبوا الواو من هذا النحو وإن كان مفردا نحو: مَرْمِي وقلبوا ما كان قبل الآخر بحرف كما قلبوا الآخر نحو: صيَّم، وكان هذا على وزنه غير أيضًا تغيرين كما غيروا في الجمع ثم أجرى المصدر مجرى الجمع في كسر الفاء منه، ويروى أن في حرف عبد الله: (ظلما وعليا) [النمل: 14] في علو [[" الحجة للقراء السبعة" 5/ 193، "إعراب القرآن" للنحاس 2/ 305، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 111، "الدر المصون" 7/ 569.]]. وقال الله تعالى: ﴿وَعَتَوْا عُتُوًّا﴾ [الفرقان: 21] وقال في موضع آخر: ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم: 69] يعني هاهنا كالذي في هذه الآية. وقد ذكرنا في هذا النحو في قوله تعالى: ﴿مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا﴾ [الأعراف: 148].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب