الباحث القرآني

ثم أعلمه صاحبه أنه موحد لله فقال: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ وأصله: لكن أنا، كما هو في قراءة أُبي [["المحتسب" 2/ 29، "المحرر الوجيز" 311/ 9 - 313، "البحر المحيط" 6/ 128، "الدر المصون" 7/ 493.]]، فخفف الهمزة التخفيف القياسي، وألقى حركتها على النون فصار لكننا، فاجتمع المثلان، فأدغموا المثل الأول في الثاني بعد أن أسكنوها، فصار في الدرج: لكنا هو الله، فلم تثبت ألف أنا في الوصل، كما لم تثبت الهاء في الوصل في نحو: إِرْمه، وأُغزه، و (كِتَابِيهْ) [الحاقة: 19]، و (حِسَابِيهْ) [الحاقة: 20]؛ لأنها إنما تلحق في الوقف لتبين [[في الأصل: (ليس) وهو تصحيف.]] الحرف الموقوف عليه، فإذا وقف على ﴿لَكِنَّا﴾ أثبت الألف في الوقف، كما تثبت الهاء في الوصل، وإذا لم يقف حذفها، هذا وجه قراءة العامة [[قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: (لكنا هو الله) بإسقاط الألف في الوصل، وإثباتها في الوقف. انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 145، "العنوان في القراءات" ص 307، "الكشف عن وجوه القراءات" 2/ 61، "النشر في القراءات العشر" 2/ 311.]]. ومثل هذه القراءة في الإدغام ما حكاه أبو زيد في قول من سمعه يقرأ: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [الحج: 65] (يريد: على الأرض، لكنه خفف الهمزة، وألقى حركتها على لام المعرفة فصار: (على الرض)، فاجتمع لامان مثلان فأدغم الأول في الثاني) [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 145.]]. وهذا كله في إجراء المنفصل مجرى المتصل في نحو: شدَّ، وحلَّ. وقرأ ابن عامر، ونافع في رواية المسيبي [[هو: إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن المسيبي، عالم بالقراءات، تقدمت ترجمته.]]: ﴿لَكِنَّا﴾ بإثبات الألف في الوصل والوقف [[قرأ ابن عامر الشامي، ونافع المدني في رواية المسيبي: (لكنا هو الله) بإثبات الألف في الوصل والوقف. انظر: "السبعة" ص 391، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 145، "الغاية" ص 307، "التبصرة" ص 249.]]. وهذا على إجراء الوصل مجرى الوقف. وهو غير مختار في القراءة. فتكون كقراءة حمزة: (ومكر السيئ) بالجزم في الوصل [[قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمر، وابن عامر، والكسائي، وعاصم: (ومكر السيئ) بكسر الهمزة. وقرأ حمزة: (ومكر السيئ) ساكنة الهمزة انظر: "السبعة" ص 535، " الكشف عن وجوه القراءات" 2/ 212، "المبسوط في القراءات" ص 309، "النشر في القراءات" 3/ 352.]]. غير أن أبا علي الفارسي ذكر وجهًا جيدًا لهذه القراءة، فجعل النون والألف في ﴿لَكِنَّا﴾ الضمير المتصل في نحو: فعلنا، ولم يجعله الضمير المنفصل وهو: أنا، كما ذكرنا في القراءة الأولى فقال: (أدغم النون من لكن لسكونها في النون من علامة الضمير، فيكون على هذا في الوصل والوقف ﴿لَكِنَّا﴾ بإثبات الألف لا غير، ألا ترى أن أحدًا لا يحذف الألف في: نحن فعلنا. وعاد الضمير الذي دخلت عليه لكن على المعنى، ولو عاد على اللفظ لكان: لكنا هو الله ربنا) [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 146، "إعراب القرآن" للنحاس 2/ 275 - 276.]]. وقال أبو إسحاق في توجيه هذه القراءة: (أثبت الألف في الوصل، كما كان يثبتها في الوقف، وهذا على لغة [[في الأصل: (لون) وهو تصحيف.]] من قال: أنا قمت، فأثبت الألف، قال الشاعر [[البيت لحميد بن ثور. قد تذريت السنا: أي علوت ذروته، وبلغت غاية المجد. والشاهد فيه. ثبوت ألف أنا في الوصل. انظر: "ديوانه" ص 133، "أساس == البلاغة" 1/ 298، "معاني القرآن" للزجاج 3/ 287، "الحجة للقراء السبعة" 15/ 46، "شرح المفصل" 3/ 93، "المنصف" 1/ 10، "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص 957.]]: أنَا سيف العشيرة فاعرفوني ... حميد قد تذريت السناما ثم قال: فأما: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ فهو الجيد بإثبات الألف؛ لأن الهمزة قد حذفت من أنا فصار إثبات الألف عوضًا من الهمزة) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 286.]]. فاختار قراءة ابن عامر على قراءة عامة القراء [[قال الزجاج في "معانيه" 3/ 288: والأجود إتباع القراء، ولزوم الرواية، فإن القراءة سنة، وكلما كثرت الرواية في الحرف وكثرت به القراءة فهو المتبع، وما جاز في العربية ولم يقرأ به قارئ فلا تقرأن به فإن القراءة به بدعة، وكل ما قلت فيه الرواية وضعف عند أهل العربية فهو داخل في الشذوذ ولا ينبغي أن تقرأ به.]]. ورد ذلك عليه أبو علي فيما استدرك عليه فقال: (لا أرى ما قاله كما قال ، وذلك أن هذه الألف تلحق للوقوف، ولا يسوغ أن تلحق في الوصل، ألا ترى أن الهمزة في: ذيل أمه قد حذفت حذفًا على غير الحذف الذي توجه قياس التخفيف، ولم يعوض منها، فأن لا يعوض منها في التخفيف القياسي أجدر؛ لأنها في هذا الوجه في تقدير الثبات، ولولا ذلك لم يحرك حرف اللين، كقولهم: جيل في تخفيف جيال، فلما كانت في تقدير الثبات لم يلزم منها بدل. ومما يؤكد أن العوض لا يجب أن (أنا) علامة ضمير، وعلامات الضمير لا ينكر كونها على حرف أو حرفين، بل ذلك الأغلب من أحوالها والأكثر، وأيضًا فلو جاز أن تثبت الألف التي حكمها أن تلحق في الوقف دون الوصل للحذف اللاحق للحرف، للزم أن تثبت الهاء التي تلحق في الوقف [أيضًا إذا لحق كلمة محذوفة منها نحو: عه، وشه، وارمه، واغزه، فتثبت] [[ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومثبت في بقية النسخ.]] في هذا الضرب ليكون عوضًا من المحذوف من الكلمة، فإذا لم يجز هذا أحدًا فالأول كذلك لا فصل) [["الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" ص 959.]]. وقوله تعالى: ﴿هُوَ﴾ من ﴿هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ ضمير علامة الحديث والقصة، كما أنه قوله: ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء: 97] وقوله: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1] كذلك، ويسمى هذا الضمير على شريطة التفسير، وقد مضت هذه المسألة مشروحة عند قوله: ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ﴾ [يوسف: 77]. وهذا الضمير يدخل على المبتدأ والخبر، فيصير المبتدأ والخبر في موضع خبره. وقوله تعالى: ﴿وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ قال أبو إسحاق: (دل خطابه على أن صاحب الجنتين مشرك عابد مع الله غيره) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 286.]]. وهذا من أبي إسحاق قول بمفهوم الخطاب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب