الباحث القرآني
﴿قالَ لَهُ صاحِبُهُ وهو يُحاوِرُهُ أكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلًا﴾ ﴿لَكِنّا هو اللَّهُ رَبِّي ولا أُشْرِكُ بِرَبِّي أحَدًا﴾ ﴿ولَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ إنْ تَرَنِ أنا أقَلَّ مِنكَ مالًا ووَلَدًا﴾ ﴿فَعَسى رَبِّي أنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِن جَنَّتِكَ ويُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانًا مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا﴾ ﴿أوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا﴾ ﴿وأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أنْفَقَ فِيها وهي خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ويَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أحَدًا﴾ ﴿ولَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وما كانَ مُنْتَصِرًا﴾ ﴿هُنالِكَ الوَلايَةُ لِلَّهِ الحَقِّ هو خَيْرٌ ثَوابًا وخَيْرٌ عُقْبًا﴾ .
(p-١٢٧)﴿وهُوَ يُحاوِرُهُ﴾ [الكهف: ٣٤] حالٌ مِنَ الفاعِلِ وهو صاحِبُهُ المُؤْمِنُ. وقَرَأ أُبَيٌّ وهو يُخاصِمُهُ، وهي قِراءَةُ تَفْسِيرٍ لا قِراءَةُ رِوايَةٍ لِمُخالَفَتِهِ سَوادَ المُصْحَفِ، ولِأنَّ الَّذِي رُوِيَ بِالتَّواتُرِ (هو يُحاوِرُهُ) لا يُخاصِمُهُ. و﴿أكَفَرْتَ﴾ اسْتِفْهامُ إنْكارٍ وتَوْبِيخٍ حَيْثُ أشْرَكَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ. وقَرَأ ثابِتٌ البُنانِيُّ: ويْلَكَ ﴿أكَفَرْتَ﴾ وهو تَفْسِيرُ مَعْنى التَّوْبِيخِ والإنْكارِ لا قِراءَةٌ ثابِتَةٌ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ، ثُمَّ نَبَّهَهُ عَلى أصْلِ نَشْأتِهِ وإيجادِهِ بَعْدَ العَدَمِ، وأنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى جَوازِ البَعْثِ مِنَ القُبُورِ، ثُمَّ تَحَتَّمَ ذَلِكَ بِإخْبارِ الصّادِقِينَ وهُمُ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. وقَوْلُهُ: ﴿خَلَقَكَ مِن تُرابٍ﴾ إمّا أنْ يُرادَ خَلْقُ أصْلِكَ ﴿مِن تُرابٍ﴾ وهو آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ وخَلْقُ أصْلِهِ سَبَبٌ في خَلْقِهِ فَكانَ خَلْقُهُ خَلْقًا لَهُ، أوْ أُرِيدَ أنَّ ماءَ الرَّجُلِ يَتَوَلَّدُ مِن أغْذِيَةٍ راجِعَةٍ إلى التُّرابِ، فَنَبَّهَهُ أوَّلًا عَلى ما تَوَلَّدَ مِنهُ ماءُ أبِيهِ ثُمَّ ثانِيهِ عَلى النُّطْفَةِ الَّتِي هي ماءُ أبِيهِ، وأمّا ما نُقِلَ مِن أنَّ مَلَكًا وُكِّلَ بِالنُّطْفَةِ يُلْقِي فِيها قَلِيلًا مِن تُرابٍ قَبْلَ دُخُولِها في الرَّحِمِ فَيَحْتاجُ إلى صِحَّةِ نَقْلٍ.
ثُمَّ نَبَّهَهُ عَلى تَسْوِيَتِهِ رَجُلًا وهو خَلْقُهُ مُعْتَدِلًا صَحِيحَ الأعْضاءِ، ويُقالُ لِلْغُلامِ إذا تَمَّ شَبابُهُ: قَدِ اسْتَوى. وقِيلَ: ذَكَّرَهُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ في كَوْنِهِ رَجُلًا ولَمْ يَخْلُقْهُ أُنْثى، نَبَّهَهُ بِهَذِهِ التَّنَقُّلاتِ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ وأنَّهُ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿سَوّاكَ﴾ عَدَّلَكَ وكَمَّلَكَ إنْسانًا ذَكَرًا بالِغًا مَبْلَغَ الرِّجالِ، جَعَلَهُ كافِرًا بِاللَّهِ جاحِدًا لِأنْعُمِهِ لِشَكِّهِ في البَعْثِ كَما يَكُونُ المُكَذِّبُ بِالرَّسُولِ كافِرًا. انْتَهى. وانْتَصَبَ (رَجُلًا) عَلى الحالِ. وقالَ الحَوْفِيُّ (رَجُلًا) نُصِبَ بِسَوّى أيْ: جَعَلَكَ (رَجُلًا) فَظاهِرُهُ أنَّهُ عَدّى سَوّى إلى اثْنَيْنِ، ولَمّا لَمْ يَكُنِ الِاسْتِفْهامُ اسْتِفْهامَ اسْتِعْلامٍ، وإنَّما هو اسْتِفْهامُ إنْكارٍ وتَوْبِيخٍ فَهو في الحَقِيقَةِ تَقْرِيرٌ عَلى كُفْرِهِ وإخْبارٌ عَنْهُ بِهِ؛ لِأنَّ مَعْناهُ قَدْ كَفَرْتَ بِالَّذِي اسْتَدْرَكَ هو مُخْبِرًا عَنْ نَفْسِهِ، فَقالَ: ﴿لَكِنّا هو اللَّهُ رَبِّي﴾ إقْرارٌ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وأنَّهُ لا يُشْرِكُ بِهِ غَيْرَهُ.
وقَرَأ الكُوفِيُّونَ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ كَثِيرٍ ونافِعٌ في رِوايَةِ ورْشٍ وقالُونُ لَكِنَّ بِتَشْدِيدِ النُّونِ بِغَيْرِ ألِفٍ في الوَصْلِ، وبِألِفٍ في الوَقْفِ، وأصْلُهُ ولَكِنْ أنا نُقِلَ حَرَكَةُ الهَمْزَةِ إلى نُونِ (لَكِنِ) وحُذِفَ الهَمْزَةُ فالتَقى (p-١٢٨)مِثْلانِ فَأُدْغِمَ أحَدُهُما في الآخَرِ، وقِيلَ: حُذِفَ الهَمْزَةُ مِن أنا عَلى غَيْرِ قِياسٍ فالتَقَتْ نُونُ (لَكِنِ) وهي ساكِنَةٌ مَعَ نُونِ أنا فَأُدْغِمَتْ فِيها، وأمّا في الوَقْفِ فَإنَّهُ أثْبَتَ ألِفَ أنا وهو المَشْهُورُ في الوَقْفِ عَلى أنا، وأمّا في الوَصْلِ فالمَشْهُورُ حَذْفُها، وقَدْ أبْدَلَها ألِفًا في الوَقْفِ أبُو عُمَرَ، وفي رِوايَةٍ فَوَقَفَ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ ابْنُ خالَوَيْهِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ورَوى هارُونُ عَنْ أبِي عَمْرٍو لَكِنَّهُ ﴿هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ بِضَمِيرٍ لَحِقَ (لَكِنِ) . وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ ونافِعٌ في رِوايَةِ المُسَيَّبِيِّ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ والحَسَنُ والزُّهْرِيُّ وأبُو بَحْرِيَّةَ ويَعْقُوبُ في رِوايَةٍ وأبُو عُمَرَ، وفي رِوايَةٍ وكَرَدْمٌ ووَرْشٌ في رِوايَةٍ وأبُو جَعْفَرٍ بِإثْباتِ الألِفِ وقْفًا ووَصْلًا، أمّا في الوَقْفِ فَظاهِرٌ، وأمّا في الوَصْلِ فَبَنُو تَمِيمٍ يُثْبِتُونَها فِيهِ في الكَلامِ وغَيْرُهم في الِاضْطِرارِ، فَجاءَ عَلى لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ. وعَنْ أبِي جَعْفَرٍ حَذْفُ الألِفِ وصْلًا ووَقْفًا، وذَلِكَ مِن رِوايَةِ الهاشِمِيِّ، ودَلَّ إثْباتُها في الوَصْلِ أيْضًا عَلى أنَّ أصْلَ ذَلِكَ (لَكِنِ) أنا.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وحَسَّنَ ذَلِكَ يَعْنِي إثْباتَ الألِفِ في الوَصْلِ وُقُوعُ الألِفِ عِوَضًا مِن حَذْفِ الهَمْزَةِ. انْتَهى. ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أيْضًا قِراءَةُ فِرْقَةٍ لَكِنَنا بِحَذْفِ الهَمْزَةِ وتَخْفِيفِ النُّونَيْنِ، وقالَ أيْضًا الزَّمَخْشَرِيُّ ونَحْوُهُ يَعْنِي: ونَحْوَ إدْغامِ نُونِ (لَكِنِ) في نُونِ أنا بَعْدَ حَذْفِ الهَمْزَةِ قَوْلُ القائِلِ:
؎وتَرْمِينَنِي بِالطَّرْفِ أيْ أنْتَ مُذْنِبٌ وتَقْلِينَنِي لَكِنَّ إيّاكِ لا أقْلِي
أيْ: لَكِنْ أنا لا أقْلِيكِ. انْتَهى. ولا يَتَعَيَّنُ ما قالَهُ في البَيْتِ لِجَوازِ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ لَكِنَّنِي فَحُذِفَ اسْمُ لَكِنَّ، وذَكَرُوا أنَّ حَذْفَهُ فَصِيحٌ إذا دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ، وأنْشَدُوا عَلى ذَلِكَ قَوْلَ الشّاعِرِ:
؎فَلَوْ كُنْتَ ضَبِّيًّا عَرَفْتَ قَرابَتِي ∗∗∗ ولَكِنَّ زِنْجِيٌّ عَظِيمُ المَشافِرِ
أيْ: ولَكِنَّكَ زِنْجِيٌّ، وأجازَ أبُو عَلِيٍّ أنْ تَكُونَ لَكِنْ لَحِقَتْها نُونُ الجَماعَةِ الَّتِي في خَرَجْنا وضَرَبْنا ووَقَعَ الإدْغامُ لِاجْتِماعِ المِثْلَيْنِ، ثُمَّ وحَّدَ في (رَبِّي) عَلى المَعْنى، ولَوِ اتَّبَعَ اللَّفْظَ لَقالَ رَبَّنا. انْتَهى، وهو تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَتَوَجَّهُ في لَكِنّا أنْ تَكُونَ المَشْهُورَةَ مِن أخَواتِ إنَّ، المَعْنى لَكِنَّ قَوْلِي ﴿هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ إلّا أنِّي لا أعْرِفُ مَن يَقْرَأُ بِها وصْلًا ووَقْفًا. انْتَهى. وذَكَرَ أبُو القاسِمِ يُوسُفُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جُبارَةَ الهُذَلِيُّ في كِتابِ الكامِلِ في القِراءاتِ مِن تَأْلِيفِهِ ما نَصُّهُ: بِحَذْفِها في الحالَيْنِ يَعْنِي: الألِفَ في الحالَيْنِ، يَعْنِي: الوَصْلَ والوَقْفَ حِمْصِيٌّ وابْنُ عُتْبَةَ وقُتَيْبَةُ غَيْرُ الثَّقَفِيِّ، ويُونُسُ عَنْ أبِي عُمَرَ ويَعْنِي بِحِمْصِيٍّ ابْنَ أبِي عَبْلَةَ وأبا حَيْوَةَ وأبا بَحْرِيَّةَ. قَرَأ أُبَيٌّ والحَسَنُ (لَكِنِ) أنا (هو اللَّهُ) عَلى الِانْفِصالِ، وفَكِّهِ مِنَ الإدْغامِ وتَحْقِيقِ الهَمْزِ، وحَكاها ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وقَرَأ عِيسى الثَّقَفِيُّ (لَكِنَّ هو اللَّهُ) بِغَيْرِ أنا، وحَكاها ابْنُ خالَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وحَكاها الأهْوازِيُّ عَنِ الحَسَنِ. فَأمّا مَن أثْبَتَ (هو) فَإنَّهُ ضَمِيرُ الأمْرِ والشَّأْنِ، وثَمَّ قَوْلٌ مَحْذُوفٌ أيْ لَكِنْ أنا أقُولُ هو اللَّهُ رَبِّي، ويَجُوزُ أنْ يَعُودَ عَلى الَّذِي ﴿خَلَقَكَ مِن تُرابٍ﴾ أيْ: أنا أقُولُ (هو) أيْ: خالِقُكَ (اللَّهُ رَبِّي) و(رَبِّي) نَعْتٌ أوْ عَطْفُ بَيانٍ أوْ بَدَلٌ، ويَجُوزُ أنْ لا يُقَدَّرَ أقُولُ مَحْذُوفَةً فَيَكُونُ أنا مُبْتَدَأً، و(هو) ضَمِيرُ الشَّأْنِ مُبْتَدَأٌ ثانٍ و(اللَّهُ) مُبْتَدَأٌ ثالِثٌ، و(رَبِّي) خَبَرُهُ، والثّالِثُ خَبَرٌ عَنِ الثّانِي، والثّانِي وخَبَرُهُ خَبَرٌ عَنْ أنا، والعائِدُ عَلَيْهِ هو الياءُ في (رَبِّي) وصارَ التَّرْكِيبُ نَظِيرَ: هِنْدٌ هو زَيْدٌ ضارِبُها. وعَلى رِوايَةِ هارُونَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ هو تَوْكِيدًا لِضَمِيرِ النَّصْبِ في لَكِنَّهُ العائِدُ عَلى الَّذِي خَلَقَكَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ فَصْلًا لِوُقُوعِهِ بَيْنَ مُعَرَّفَيْنِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ضَمِيرَ شَأْنٍ؛ لِأنَّهُ لا عائِدَ عَلى اسْمِ لَكِنَّ مِنَ الجُمْلَةِ الواقِعَةِ خَبَرًا.
وفِي قَوْلِهِ: ﴿ولا أُشْرِكُ بِرَبِّي أحَدًا﴾ تَعْرِيضٌ بِإشْراكِ صاحِبِهِ، وأنَّهُ مُخالِفُهُ في ذَلِكَ، وقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صاحِبُهُ في قَوْلِهِ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أحَدًا. وقِيلَ: أرادَ بِذَلِكَ أنَّهُ لا يَرى الغِنى والفَقْرَ إلّا مِنهُ تَعالى، يُفْقِرُ مَن يَشاءُ ويُغْنِي مَن يَشاءُ. وقِيلَ: لا أُعْجِزُ قُدْرَتَهُ عَلى (p-١٢٩)الإعادَةِ، فَأُسَوِّي بَيْنَهُ وبَيْنَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ إشْراكًا كَما فَعَلْتَ أنْتَ.
ولَمّا وبَّخَ المُؤْمِنُ الكافِرَ أوْرَدَ لَهُ ما يَنْصَحُهُ فَحَضَّهُ عَلى أنْ كانَ يَقُولُ إذا دَخَلَ جَنَّتَهُ ﴿ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ﴾ أيِ: الأشْياءُ مَقْذُوفَةٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إنْ شاءَ أفْقَرَ، وإنْ شاءَ أغْنى، وإنْ شاءَ نَصَرَ، وإنْ شاءَ خَذَلَ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ ما شَرْطِيَّةً مَنصُوبَةً بِشاءَ، والجَوابُ مَحْذُوفٌ أيْ: أيُّ شَيْءٍ شاءَ اللَّهُ كانَ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً بِمَعْنى الَّذِي مَرْفُوعَةً عَلى الِابْتِداءِ، أيِ: الَّذِي شاءَهُ اللَّهُ كائِنٌ، أوْ عَلى الخَبَرِ أيِ: الأمْرُ ما شاءَ اللَّهُ (ولَوْلا) تَحْضِيضِيَّةٌ، وفُصِلَ بَيْنَ الفِعْلِ وبَيْنَها بِالظَّرْفِ، وهو مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ (قُلْتَ) . ثُمَّ نَصَحَهُ بِالتَّبَرِّئِ مِنَ القُوَّةِ فِيما يُحاوِلُهُ ويُعانِيهِ، وأنْ يَجْعَلَ القُوَّةَ لِلَّهِ تَعالى. وفي الحَدِيثِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ لِأبِي هُرَيْرَةَ: (ألا أدُلُّكَ عَلى كَلِمَةٍ مِن كَنْزِ الجَنَّةِ ) ؟ قالَ: بَلى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: (لا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ إذا قالَها العَبْدُ قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: أسْلَمَ عَبْدِي واسْتَسْلَمَ) . ونَحْوُهُ مِن حَدِيثِ أبِي مُوسى وفِيهِ إلّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. ثُمَّ أرْدَفَ تِلْكَ النَّصِيحَةَ بِتَرْجِيَةٍ مِنَ اللَّهِ، وتَوَقَّعَهُ أنْ يَقْلِبَ ما بِهِ وما بِصاحِبِهِ مِنَ الفَقْرِ والغِنى. فَقالَ: ﴿إنْ تَرَنِ أنا أقَلَّ مِنكَ مالًا ووَلَدًا﴾ أيْ: إنِّي أتَوَقَّعُ مِن صُنْعِ اللَّهِ تَعالى وإحْسانِهِ أنْ يَمْنَحَنِي جَنَّةً خَيْرًا مِن جَنَّتِكَ لِإيمانِي بِهِ، ويُزِيلَ عَنْكَ نِعْمَتَهُ لِكُفْرِكَ بِهِ ويُخَرِّبُ بُسْتانَكَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ( أقَلَّ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولًا ثانِيًا لِتَرَنِي، وهي عِلْمِيَّةٌ لا بَصَرِيَّةٌ لِوُقُوعِ (أنا) فَصْلًا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَوْكِيدًا لِلضَّمِيرِ المَنصُوبِ في تَرَنِي، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ بَصَرِيَّةً و(أنا) تَوْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ في تَرَنِي المَنصُوبِ، فَيَكُونُ (أقَلَّ) حالًا. وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ (أقَلُّ) بِالرَّفْعِ عَلى أنْ تَكُونَ أنا مُبْتَدَأً، و(أقَلُّ) خَبَرَهُ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ مَفْعُولِ تَرَنِي الثّانِي إنْ كانَتْ عِلْمِيَّةً، وفي مَوْضِعِ الحالِ إنْ كانَتْ بَصَرِيَّةً. ويَدُلُّ قَوْلُهُ: (ووَلَدًا) عَلى أنَّ قَوْلَ صاحِبِهِ ﴿وأعَزُّ نَفَرًا﴾ [الكهف: ٣٤] عَنى بِهِ الأوْلادَ إنْ قابَلَ كَثْرَةَ المالِ بِالقِلَّةِ، وعِزَّةَ النَّفَرِ بِقِلَّةِ الوَلَدِ والحُسْبانِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ: العَذابُ، وقالَ الضَّحّاكُ: البَرْدُ، وقالَ الكَلْبِيُّ: النّارُ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: القَضاءُ، وقالَ الأخْفَشُ: سِهامٌ تُرْمى في مَجْرًى فَقَلَّما تُخْطِئُ. وقِيلَ: النَّبْلُ، وقِيلَ: الصَّواعِقُ، وقِيلَ: آفَةٌ مُجْتاحَةٌ. وقالَ الزَّجّاجُ: عَذابُ حُسْبانٍ وذَلِكَ الحُسْبانُ حِسابُ ما كَسَبَتْ يَداكَ، وهَذا التَّرَجِّي إنْ كانَ ذَلِكَ أنْ يُؤْتِيَهُ في الدُّنْيا فَهي أنَكى لِلْكافِرِ وآلَمُ إذْ يَرى حالَهُ مِنَ الغِنى قَدِ انْتَقَلَتْ إلى صاحِبِهِ، وإنْ كانَ ذَلِكَ أنْ يُؤْتِيَهُ في الآخِرَةِ فَهو أشْرَفُ وأذْهَبُ مَعَ الخَيْرِ والصَّلاحِ ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيدًا﴾ أيْ: أرْضًا بَيْضاءَ لا نَباتَ فِيها لا مِن كَرْمٍ، ولا نَخْلٍ ولا زَرْعٍ، قَدِ اصْطُلِمَ جَمِيعُ ذَلِكَ فَبَقِيَتْ يَبابًا قَفْرًا يُزْلَقُ عَلَيْها لِإمْلاسِها، والزَّلَقُ الَّذِي لا تَثْبُتُ فِيهِ قَدَمٌ ذَهَبَ غِراسُهُ وبِناؤُهُ وسُلِبَ المَنافِعَ حَتّى مَنفَعَةَ المَشْيِ فِيهِ فَهو وحْلٌ لا يَنْبُتُ ولا يَثْبُتُ فِيهِ قَدَمٌ. وقالَ الحَسَنُ: الزَّلَقُ الطَّرِيقُ الَّذِي لا نَباتَ فِيهِ. وقِيلَ: الخَرابُ. وقالَ مُجاهِدٌ: رَمْلًا هائِلًا. وقِيلَ: الزَّلَقُ الأرْضُ السَّبْخَةُ وتَرَجِّي المُؤْمِنِ لِجَنَّةِ هَذا الكافِرِ آفَةً عُلْوِيَّةً مِنَ السَّماءِ أوْ آفَةً سُفْلِيَّةً مِنَ الأرْضِ، وهو غَوْرُ مائِها فَيُتْلَفُ كُلُّ ما فِيها مِنَ الشَّجَرِ والزَّرْعِ، وغَوْرٌ مَصْدَرٌ خَبَرٌ عَنِ اسْمِ أصْبَحَ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ و﴿أوْ يُصْبِحَ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: (يُرْسِلَ) لِأنَّ غُئُورَ الماءِ لا يَتَسَبَّبُ عَلى الآفَةِ السَّماوِيَّةِ إلّا إنْ عَنى بِالحُسْبانِ القَضاءَ الإلَهِيَّ، فَحِينَئِذٍ يَتَسَبَّبُ عَنْهُ إصْباحَ الجَنَّةِ ﴿صَعِيدًا زَلَقًا﴾ أوْ إصْباحَ مائِها (غَوْرًا) .
وقَرَأ الجُمْهُورُ (غَوْرًا) بِفَتْحِ الغَيْنِ، وقَرَأ البُرْجُمِيُّ: (غُورًا) بِضَمِّ الغَيْنِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ بِضَمِّ الغَيْنِ وهَمْزِ الواوِ يَعْنُونَ وبِواوٍ بَعْدَ الهَمْزَةِ فَيَكُونُ غُئُورًا كَما جاءَ في مَصْدَرِ غارَتْ عَيْنُهُ غُئُورًا، والضَّمِيرُ في (لَهُ) عائِدٌ عَلى الماءِ أيْ: لَنْ يَقْدِرَ عَلى طَلَبِهِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَقْدُورًا عَلى رَدِّ ما غَوَّرَهُ اللَّهُ تَعالى. وحَكى الماوَرْدِيُّ أنَّ مَعْناهُ: لَنْ تَسْتَطِيعَ طَلَبَ غَيْرِهِ بَدَلًا مِنهُ، وبَلَّغَ اللَّهُ المُؤْمِنَ ما تَرَجّاهُ مِن هَلاكِ ما بِيَدِ صاحِبِهِ الكافِرِ وإبادَتِهِ عَلى خِلافِ ما ظَنَّ في قَوْلِهِ ما أظُنُّ أنْ تَبِيدَ هَذِهِ أبَدًا فَأخْبَرَ تَعالى أنَّهُ (أُحِيطَ بِثَمَرِهِ) وهو عِبارَةٌ (p-١٣٠)عَنِ الإهْلاكِ، وأصْلُهُ مِن أحاطَ بِهِ العَدُوُّ وهو اسْتِدارَتُهُ بِهِ مِن جَوانِبِهِ، ومَتى أحاطَ بِهِ مَلَكَهُ واسْتَوْلى عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ في كُلِّ إهْلاكٍ، ومِنهُ ﴿إلّا أنْ يُحاطَ بِكُمْ﴾ [يوسف: ٦٦] . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الإحاطَةُ كِنايَةٌ عَنْ عُمُومِ العَذابِ والفَسادِ. انْتَهى.
والظّاهِرُ أنَّ الإحاطَةَ كانَتْ لَيْلًا؛ لِقَوْلِهِ: (فَأصْبَحَ) عَلى أنَّ أنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْنى (فَأصْبَحَ) فَصارَ فَلا يَدُلُّ عَلى تَقْيِيدِ الخَبَرِ بِالصَّباحِ، وتَقْلِيبُ كَفَّيْهِ ظاهِرُهُ أنَّهُ ﴿يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وهو أنَّهُ يُبْدِي باطِنَ كَفِّهِ ثُمَّ يُعْوِجُ كَفَّهُ حَتّى يَبْدُوَ ظَهْرُها، وهي فِعْلَةُ النّادِمِ المُتَحَسِّرِ عَلى شَيْءٍ قَدْ فاتَهُ، المُتَأسِّفِ عَلى فِقْدانِهِ، كَما يُكَنّى بِقَبْضِ الكَفِّ والسُّقُوطِ في اليَدِ، وقِيلَ: يُصَفِّقُ بِيَدِهِ عَلى الأُخْرى و﴿يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وقِيلَ: يَضَعُ باطِنَ إحْداهُما عَلى ظَهْرِ الأُخْرى، ولَمّا كانَ هَذا الفِعْلُ كِنايَةً عَنِ النَّدَمِ عَدّاهُ تَعْدِيَةَ فِعْلِ النَّدَمِ، فَقالَ: ﴿عَلى ما أنْفَقَ فِيها﴾ كَأنَّهُ قالَ: فَأصْبَحَ نادِمًا عَلى ذَهابِ ما أنْفَقَ في عِمارَةِ تِلْكَ الجَنَّةِ ﴿وهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها﴾ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذِهِ الجُمْلَةِ في أواخِرِ البَقَرَةِ. وتَمَنِّيهِ انْتِفاءَ الشِّرْكِ الظّاهِرُ أنَّهُ صَدَرَ مِنهُ ذَلِكَ في حالَةِ الدُّنْيا عَلى جِهَةِ التَّوْبَةِ بَعْدَ حُلُولِ المُصِيبَةِ، وفي ذَلِكَ زَجْرٌ لِلْكَفَرَةِ مِن قُرَيْشٍ وغَيْرِهِمْ؛ لِئَلّا يَجِيءَ لَهم حالٌ يُؤْمِنُونَ فِيها بَعْدَ نِقَمٍ تَحُلُّ بِهِمْ، قِيلَ: أرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْها نارًا فَأكَلَتْها فَتَذَكَّرَ مَوْعِظَةَ أخِيهِ، وعَلِمَ أنَّهُ أُتِيَ مِن جِهَةِ شِرْكِهِ وطُغْيانِهِ فَتَمَنّى لَوْ لَمْ يَكُنْ مُشْرِكًا. وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: هي حِكايَةٌ عَنْ قَوْلِ الكافِرِ هَذِهِ المَقالَةَ في الآخِرَةِ، ولَمّا افْتَخَرَ بِكَثْرَةِ مالِهِ وعَزَّةِ نَفَرِهِ أخْبَرَ تَعالى أنَّهُ لَمْ تَكُنْ ﴿لَهُ فِئَةٌ﴾ أيْ: جَماعَةٌ تَنْصُرُهُ، ولا كانَ هو مُنْتَصِرًا بِنَفْسِهِ، وجَمَعَ الضَّمِيرَ في (يَنْصُرُونَهُ) عَلى المَعْنى كَما أفْرَدَهُ عَلى اللَّفْظِ في قَوْلِهِ: ﴿فِئَةٌ تُقاتِلُ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٣] واحْتُمِلَ النَّفْيُ أنْ يَكُونَ مُنْسَحِبًا عَلى القَيْدِ فَقَطْ، أيْ: لَهُ فِئَةٌ لَكِنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى نَصْرِهِ. وأنْ يَكُونَ مُنْسَحِبًا عَلى القَيْدِ، والمُرادُ انْتِفاؤُهُ لِانْتِفاءِ ما هو وصْفٌ لَهُ أيْ: لا فِئَةَ فَلا نَصْرَ وما كانَ مُنْتَصِرًا بِقُوَّةٍ عَنِ انْتِقامِ اللَّهِ.
وقَرَأ الأخَوانِ ومُجاهِدٌ وابْنُ وثّابٍ والأعْمَشُ وطِلْحَةُ وأيُّوبُ وخَلَفٌ وأبُو عُبَيْدٍ وابْنُ سَعْدانَ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ، ولَمْ يَكُنْ بِالياءِ؛ لِأنَّ تَأْنِيثَ الفِئَةِ مَجازٌ. وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ والحَسَنُ وأبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ بِالتّاءِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ (فِئَةٍ) تَنْصُرُهُ عَلى اللَّفْظِ والحَقِيقَةِ في هُنالِكَ أنْ يَكُونَ ظَرْفَ مَكانٍ لِلْبُعْدِ، فالظّاهِرُ أنَّهُ أُشِيرَ بِهِ لِدارِ الآخِرَةِ، أيْ: في تِلْكَ الدّارِ الوِلايَةُ لِلَّهِ كَقَوْلِهِ: ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ﴾ [غافر: ١٦] . قِيلَ: لَمّا نَفى عَنْهُ الفِئَةَ النّاصِرَةَ في الدُّنْيا نَفى عَنْهُ أنْ يَنْتَصِرَ في الآخِرَةِ، فَقالَ: ﴿وما كانَ مُنْتَصِرًا هُنالِكَ﴾ أيْ: في الدّارِ الآخِرَةِ، فَيَكُونُ (هُنالِكَ) مَعْمُولًا لِقَوْلِهِ: ﴿مُنْتَصِرًا﴾ . وقالَ الزَّجّاجُ: أيْ وما كانَ مُنْتَصِرًا في تِلْكَ الحالِ و﴿الوَلايَةُ لِلَّهِ﴾ عَلى هَذا مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ. وقِيلَ: ﴿هُنالِكَ الوَلايَةُ لِلَّهِ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، والوَقْفُ عَلى قَوْلِهِ: ﴿مُنْتَصِرًا﴾ .
وقَرَأ الأخَوانِ والأعْمَشُ وابْنُ وثّابٍ وشَيْبَةُ وابْنُ غَزْوانَ عَنْ طَلْحَةَ وخَلَفٌ وابْنُ سَعْدانَ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ ﴿الوِلايَةُ﴾ بِكَسْرِ الواوِ وهي بِمَعْنى الرِّئاسَةِ والرِّعايَةِ. وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ بِفَتْحِها بِمَعْنى المُوالاةِ والصِّلَةِ. وحُكِيَ عَنْ أبِي عَمْرٍو والأصْمَعِيِّ أنَّ كَسْرَ الواوِ هُنا لَحْنٌ؛ لِأنَّ فَعالَةَ إنَّما تَجِيءُ فِيما كانَ صَنْعَةً أوْ مَعْنًى مُتَقَلَّدًا ولَيْسَ هُنالِكَ تَوَلِّي أُمُورٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿الوَلايَةُ﴾ بِالفَتْحِ النُّصْرَةُ، والتَّوَلِّي - بِالكَسْرِ - السُّلْطانُ والمُلْكُ، وقَدْ قُرِئَ بِهِما، والمَعْنى هُنالِكَ أيْ: في ذَلِكَ المَقامِ، وتِلْكَ الحالُ النُّصْرَةُ لِلَّهِ وحْدَهُ لا يَمْلِكُها غَيْرُهُ، ولا يَسْتَطِيعُها أحَدٌ سِواهُ تَقْرِيرًا لِقَوْلِهِ: ﴿ولَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أوْ (هُنالِكَ) السُّلْطانُ والمُلْكُ (لِلَّهِ) لا يُغْلَبُ ولا يَمْتَنِعُ مِنهُ، أوْ في مِثْلِ تِلْكَ الحالِ الشَّدِيدَةِ يَتَوَلّى اللَّهُ ويُؤْمِنُ بِهِ كُلُّ مُضْطَرٍّ، يَعْنِي إنَّ قَوْلَهُ: ﴿يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أحَدًا﴾ كَلِمَةٌ أُلْجِئَ إلَيْها فَقالَها فَزَعًا مِن شُؤْمِ كُفْرِهِ، ولَوْلا ذَلِكَ لَمْ يَقُلْها، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى ﴿هُنالِكَ الوَلايَةُ لِلَّهِ﴾ يَنْصُرُ فِيها أوْلِياءَهُ المُؤْمِنِينَ عَلى الكَفَرَةِ ويَنْتَقِمُ لَهم ويَشْفِي صُدُورَهم مِن أعْدائِهِمْ، يَعْنِي أنَّهُ نَصَرَ فِيما فَعَلَ (p-١٣١)بِالكافِرِ أخاهُ المُؤْمِنَ، وصَدَّقَ قَوْلَهُ ﴿فَعَسى رَبِّي أنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِن جَنَّتِكَ ويُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانًا مِنَ السَّماءِ﴾ ويُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوابًا وخَيْرٌ عُقْبًا﴾، أيْ: لِأوْلِيائِهِ انْتَهى.
وقَرَأ النَّحْوِيّانِ وحُمَيْدٌ والأعْمَشُ وابْنُ أبِي لَيْلى وابْنُ مُناذِرٍ واليَزِيدِيُّ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ ”الحَقُّ“ بِرَفْعِ القافِ صِفَةٌ لِلْوَلايَةِ. وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ بِخَفْضِها وصْفًا لِلَّهِ تَعالى. وقَرَأ أُبَيٌّ ”(هُنالِكَ الوَلايَةُ الحَقُّ لِلَّهِ) بِرَفْعِ الحَقِّ لِلْوَلايَةِ وتَقْدِيمِها عَلى قَوْلِهِ“ لِلَّهِ ”. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ وأبُو السَّمّالِ ويَعْقُوبُ عَنْ عِصْمَةَ عَنْ أبِي عَمْرٍو“ لِلَّهِ الحَقَّ ”بِنَصْبِ القافِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَلى التَّأْكِيدِ كَقَوْلِكَ هَذا عَبْدُ اللَّهِ الحَقَّ لا الباطِلَ، وهي قِراءَةٌ حَسَنَةٌ فَصِيحَةٌ، وكانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ورِضْوانُهُ - مِن أفْصَحِ النّاسِ وأنْصَحِهِمُ. انْتَهى.
وكانَ قَدْ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقَرَأ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَهى. فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ وتَرَضّى عَنْهُ إذْ هو مِن أوائِلِ أكابِرِ شُيُوخِهِ المُعْتَزِلَةِ، وكانَ عَلى غايَةٍ مِنَ الزُّهْدِ والعِبادَةِ ولَهُ أخْبارٌ في ذَلِكَ إلّا أنَّ أهْلَ السُّنَّةِ يَطْعَنُونَ عَلَيْهِ وعَلى أتْباعِهِ، وفي ذَلِكَ يَقُولُ أبُو عَمْرٍو الدّانِيُّ في أُرْجُوزَتِهِ الَّتِي سَمّاها المُنَبِّهَةَ:
؎وابْنُ عُبَيْدٍ شَيْخُ الِاعْتِزالِ ∗∗∗ وشارِعُ البِدْعَةِ والضَّلالِ
وقَرَأ الحَسَنُ والأعْمَشُ وعاصِمٌ وحَمْزَةُ“ عُقْبًا " بِسُكُونِ القافِ والتَّنْوِينِ، وعَنْ عاصِمٍ عُقْبى بِألِفِ التَّأْنِيثِ المَقْصُورَةِ عَلى وزْنِ رُجْعى، والجُمْهُورُ بِضَمِّ القافِ والتَّنْوِينِ والثَّلاثُ بِمَعْنى العاقِبَةِ.
{"ayahs_start":37,"ayahs":["قَالَ لَهُۥ صَاحِبُهُۥ وَهُوَ یُحَاوِرُهُۥۤ أَكَفَرۡتَ بِٱلَّذِی خَلَقَكَ مِن تُرَابࣲ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةࣲ ثُمَّ سَوَّىٰكَ رَجُلࣰا","لَّـٰكِنَّا۠ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّی وَلَاۤ أُشۡرِكُ بِرَبِّیۤ أَحَدࣰا","وَلَوۡلَاۤ إِذۡ دَخَلۡتَ جَنَّتَكَ قُلۡتَ مَا شَاۤءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالࣰا وَوَلَدࣰا","فَعَسَىٰ رَبِّیۤ أَن یُؤۡتِیَنِ خَیۡرࣰا مِّن جَنَّتِكَ وَیُرۡسِلَ عَلَیۡهَا حُسۡبَانࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَتُصۡبِحَ صَعِیدࣰا زَلَقًا","أَوۡ یُصۡبِحَ مَاۤؤُهَا غَوۡرࣰا فَلَن تَسۡتَطِیعَ لَهُۥ طَلَبࣰا","وَأُحِیطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصۡبَحَ یُقَلِّبُ كَفَّیۡهِ عَلَىٰ مَاۤ أَنفَقَ فِیهَا وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَیَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّیۤ أَحَدࣰا","وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ فِئَةࣱ یَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا","هُنَالِكَ ٱلۡوَلَـٰیَةُ لِلَّهِ ٱلۡحَقِّۚ هُوَ خَیۡرࣱ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ عُقۡبࣰا"],"ayah":"لَّـٰكِنَّا۠ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّی وَلَاۤ أُشۡرِكُ بِرَبِّیۤ أَحَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق