الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ مفسرا بما فيه من النزول، واختلاف القراءة في سورة الأنعام [[عند قوله سبحانه في سورة الأنعام: 52: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ قال علي عن ابن عباس: (يقول لا تتعداهم إلى غيرهم) [["جامع البيان" 15/ 234.]]. وقال عطاء عنه: (يريد يصدهم بالنظر والمحبة لهم) [[ذكرت نحوه كتب التفسير بلا نسبة انظر: "جامع البيان" 15/ 234، و"بحر العلوم" 2/ 297، و"النكت والعيون" 3/ 302، و"المحرر الوجيز" 9/ 293، و"زاد المسير" 5/ 132.]]. وقال الفراء: (لا تصرف عيناك عنهم) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 140.]]. وقال الزجاج: (لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 281.]]. والنهي في الظاهر واقع على العينين، والمراد منه صاحب العينين، وهو النبي -ﷺ-. قوله تعالى: ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال المفسرون: (يعني مجالسة أهل الشرف والغنى) [["جامع البيان" 15/ 235، و"معالم التنزيل" 5/ 166، و"النكت والعيون" 3/ 302، و"زاد المسير" 5/ 133.]]. وقال أهل المعاني: (قوله: ﴿تُرِيدُ﴾ هاهنا في موضع الحال) [["الكشاف" 2/ 388، و"البحر المحيط" 6/ 119، و"الدر المصون" 7/ 474.]]، أي: مريدًا، نهي أن يرفع بصره عن ضعفاء المؤمنين مريدًا مجالسة الأشراف. وكان -ﷺ- حريصًا على إيمان الرؤساء طمعًا في إيمان أتباعهم، ولم ينسب إلى إرادة زينة الحياة الدنيا؛ لأنه لم يمل إلى الدنيا قط ولا إلى أهلها، وإنما كان يلين في بعض الأحيان للرؤساء طمعًا في إيمانهم، فعوتب بهذه الآية، وأمر بأن يجعل إقباله على المؤمنين، وأن لا يلتفت إلى غيرهم، ونهي أن يكون له حال يميل فيها إلى الأشراف دون الضعفاء، ومثل هذه الآية قوله: ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ [عبس: 5، 6]. وقوله تعالى: ﴿لَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ قال ابن عباس: (يريد عيينة وأباهه) [[ذكره البغوي في "معالم التنزيل" 5/ 166 بدون نسبة، و"زاد المسير" 5/ 133، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 392.]]، أي: لا تطعهم في تنحية الفقراء عنك ليجلسوا إليك. وسئل أبو العباس عن قوله: ﴿لَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ فقال: (من جعلناه غافلاً. قال: ويكون في الكلام أغفلته سميته غافلاً، ووجدته غافلاً) [["تهذيب اللغة" (غفل) 3/ 2681.]]، وتأويل ﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ تركناه غُفْلا عن الذكر، كالأرض الغُفْل التي لا علامة بها، والكتاب الغُفْل الذي لا شكل عليه. وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ قال مجاهد: (ضياعا) [["جامع البيان" 15/ 236، و"معالم التنزيل" 5/ 167، و"زاد المسير" 5/ 133، و"الدر المنثور" 4/ 399.]]. وقال قتادة: (ضاع أكبر الضيعة) [["معالم التنزيل" 5/ 167.]]. وقال السدي: (هلاكا) [["جامع البيان" 15/ 236، و"بحر العلوم" 2/ 297.]]. وقال أبو الهيثم: (أمر فرط، أي: متهاون به) [["تهذيب اللغة" (فرط) 3/ 2773.]]. وشبه أن يكون أصل هذا من التفريط، وهو تقديم العجز، وهذا بمعنى قول أبي إسحاق [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 281.]]. ومن قدم العجز في أمره أضاعه وأهلكه، ومعنى هذا أنه ترك الإيمان والاستدلال بآيات الله واتبع هواه. الليث: (الفَرَطُ: الأمر الذي يُفَرَّط فيه، تقول: كل أمر فلان فَرَط) [["التفسير الكبير" 16/ 118، و"تهذيب اللغة" (فرط) 3/ 2773.]]، ونحو هذا قال الفراء: (فُرُطا: متروكًا قد ترك فيه الطاعة) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 140.]]. وقال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد أنه أفرط في مسألته، وأحب أن يرتفع عند الله بغير تقوى) [[ذكر نحوه بلا نسبة الألوسي في "روح المعاني" 15/ 265.]]، يعني حين أراد مجالسة النبي -ﷺ- والقرب منه، والتقدم على أهل الإيمان من غير طاعة وتقى. وعلى هذا الفَرَط اسم من الإفراط وهو مجاوزة الحد، ونحو هذا روي عن مقاتل أنه قال في قوله: ﴿فُرُطًا﴾ قال: (سرفا) [["معالم التنزيل" 15/ 167، و"النكت والعيون" 3/ 302، و"البحر المحيط" 6/ 120، و"روح المعاني" 15/ 265.]]. فيحتمل أنه يريد بالمسرف ما ذكرنا عن ابن عباس، ويحتمل أن يريد ما ذكره الكلبي والفراء. قال الكلبي: (قال عيينة: إنا رؤوس مضر [[مضر: نسبة إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو جد جاهلي تنتسب إليه كثير من القبائك العدنانية، وهو أخو ربيعة بن نزار. انظر: "سير ابن هشام" 1/ 73، و"الأنساب" 5/ 318، و"الإيناس بعلم الإنساب" ص 29، و"المنتخب في ذكر أنساب قبائل العرب" ص 403.]] وأشرافها، فإن نسلم يسلم الناس بعدنا) [[ذكر نحوه البغوي في "معالم التنزيل" 5/ 167، و"زاد المسير" 5/ 133، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 392.]]. وقال الفراء: (إنه أفرط في القول فقال: نحن رؤوس مضر وأشرافها، وليس كذلك) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 140.]]. وعلى هذا كان أمره فُرُطا لإفراطه في القول والبذخ حين قال: إنه رأس العرب وهم أتباعه على دينه. ويقال: أمر فُرُط، أي مجاوز فيه الحدود. روي عن أبي زيد البلخي أنه قال: (معناه: قدما في الشر) [[ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" بلا نسبة (فرط) 3/ 2773، و"لسان العرب" (فرط) 6/ 3391.]]. وعلى هذا أصله من قوله: فَرَطَ منه أمر، أي: سبق وبدر [[انظر: "تهذيب اللغة" (فرط) 3/ 2773، و"مقاييس اللغة" (فرط) 4/ 490، و"القاموس المحيط" (فرط) ص (681)، و"لسان العرب" 6/ 3391، و"الصحاح" (فرط) 3/ 1148. وقال الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" 15/ 236: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه ضياعًا وهلاكًا من قولهم: أفرط فلان في هذا الأمر إفراطًا، إذا أسرف فيه وتجاوز قدره. وكذلك قوله ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]، معناه وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر واحتقار أهل الإيمان سرفًا قد تجاوز حده فضيع بذلك الحق وهلك.]]. ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا﴾ [طه: 45]، ومنه يقال: فرس فُرُط، أي: سريعة، قال لبيد [[هذا عجز بيت لبيد، وصدره: ولقد حميتُ الخيل تحمل سكَّتى والفرَطُ: الفرس السريعة التي تتفرط الخيل أي تتقدمها. وشاحي، لجامها: أن الفرسان كان أحدهم يتوشح اللجام، وتوشحه إياه أن يلقيه على عاتقه ويخرج يده منه. انظر: "ديوانه" 315، و"تهذيب اللغة" (فرط) 3/ 2773، و"لسان العرب" (فرط) 6/ 3391، و"شرح القصائد العشر" للتبريزي 195.]]: فُرُط وشاحي إذ غدوتُ لجامها
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب