الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ الآية، اختلفوا في معنى هذه الآية على قولين أحدهما: أن هذا إخبار عن أهل الكتاب أنهم قالوا ذلك [["تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 458، و"جامع البيان" 15/ 230، و"معالم التنزيل" 5/ 16، و"النكت والعيون" 3/ 300.]]. وهذا قول ابن عباس في رواية الضحاك قال: (إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد مما بين السماء والأرض ثم تلا: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ} الآية، ثم قال: كم لبث القوم؟ قالوا: ثلاثمائة سنة وتسع سنين، قال: فلو كانوا لبثوا ذلك لم يقل الله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾، ولكنه حكى مقالة القوم، فقال: سيقولون: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ الآية [["زاد المسير" 5/ 130، و"الدر المنثور" 4/ 395 وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه.]].
وقال قتادة: (هذا قول أهل الكتاب، فرد الله عليهم بقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ قال: ويدل على صحة هذا قراءة ابن مسعود: قالوا لبثوا في كهفهم) [["جامع البيان" 15/ 230، و"معالم التنزيل" 5/ 164، و"النكت والعيون" 3/ 300، و"المحرر الوجيز" 9/ 282، و"الدر المنثور" 4/ 395.]]. ونحو هذا قال مطر الورّاق [[مطر بن طهمان الوراق، أبو رجاء الخراساني السلمي، مولى علي، من أهل البصرة، روى عن: أنس، وعكرمة، والحسن، وقتادة، وروى عنه: إبراهيم بن طهمان، ومعمر بن هشام، وشعبة، وغيرهم كثير، وكان من أكبر أصحاب قتادة، وثقه بعض العلماء، توفي سنة 125 هـ، وقيل غير ذلك. انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 287، و"الكاشف" 3/ 149، و"ميزان الاعتدال" 4/ 126، و"تهذيب التهذيب" 10/ 152.]] [["جامع البيان" 15/ 231، و"المحرر الوجيز" 9/ 282.]].
القول الثاني: أن هذه الآية إخبار عن الله تعالى، أخبر عن قدر لبثهم في الكهف من يوم دخلوا إلى أن بعثهم الله وأطلع عليهم الخلق [["جامع البيان" 15/ 231، و"عالم التنزيل" 5/ 164، و"تفسير القرآن العظيم" 3/ 89، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 386.]]؛ وهذا قول مجاهد قال في هذه الآية: (هو عدد ما لبثوا) [["جامع البيان" 15/ 231، و"الكشف والبيان" 3/ 389 أ.]]، ونحوه قال عبد الله بن عبيد بن عمير [[عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، المكي، أبو هاشم، إمام تابعي مشهور، عرف بالصلاح والتقوى، وثقة العلماء، وروى لي الأربعة، ومسلم في "صحيحه"، == روى عن أبيه وغيره، عنه الأوزاعي وطائفة من التابعين، توفي -رحمه الله- سنة 113 هـ. انظر: "طبقات ابن سعد" 5/ 249، و"الجرح والتعديل" 2/ 101، و"الحلية" 3/ 354، و"تهذيب التهذيب" 5/ 308، و"شذرات الذهب" 1/ 194.]]، والضحاك [["جامع البيان" 15/ 231، و"زاد المسير" 5/ 130.]].
واختاره الزجاج وقال: (هو الأجود عندي) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 278.]]، وهو اختيار ابن قتيبة [["تفسير غريب القرآن" لابن قتية 1/ 266.]]. وعلى هذا القول معنى قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ ما قاله القتبي: (وهو أنهم اختلفوا في لبثهم فقال الله: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ الآية، ثم قال: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ أي. وأنا أعلم بما لبثوا من المختلفين) [["تفسير غريب القرآن" لابن قتية 1/ 267.]]. وهذا معنى قول الزجاج، والكلبي: (قالت نصارى نجران: أما الثلاثمائة فقد عرفناها، وأما التسع فلا علم لنا بها، فنزلت: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [["معالم التنزيل" 5/ 165، و"زاد المسير" 5/ 92، و"معاني القرآن" للزجاج 3/ 279.]].
وقال كثير من أهل التفسير: (معنى قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ أن أهل الكتاب قالوا على رسول الله -ﷺ-: أن الفتية من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين، فرد الله -عز وجل- عليهم وقال: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ بعد أن قبض أرواحهم المرة الثانية إلى يومنا هذا لا يعلم ذلك غير الله تعالى) [["جامع البيان" 15/ 231، و"معالم التنزيل" 5/ 165، و"المحرر الوجيز" 9/ 28، و"زاد المسير" 5/ 130.]].
هذا الذي ذكرنا تفسير الآية [[قال الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" 15/ 231: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله عز ذكره، ولبث أصحاب الكهف في كهفهم رقودًا إلى أن بعثهم الله ليتساءلوا بينهم وإلى أن أعثر عليهم من أعثر ثلاثمائة سنين، وذلك لأن الله بذلك أخبر في كتابه. وقال ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره" 3/ 89: والظاهر من الآية إنما هو أخبار من الله لا حكاية عنهم، ورواية قتادة قراءة ابن مسعود منقطعة، ثم هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور فلا يحتج بها، والله أعلم. وانظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية 9/ 283.]]، فأما إعرابها فقال ابن عباس في رواية عطاء: (نزل قوله: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ﴾ فلم يدرِ رسول الله -ﷺ- أسنين، أم أشهر، أم أيام، أم ساعات، حتى نزل جبريل فقال: ﴿سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ [[ذكرت كتب التفسير نحوه. انظر: "جامع البيان" 15/ 231، و"الكشف والبيان" 3/ 389 أ، و"معالم التنزيل" 5/ 165، و"زاد المسير" 5/ 130، و"لباب النقول في أسباب النزول" 144، و"جامع النقول في أسباب النزول" 2/ 209.]]؛ ونحو هذا قال الضحاك، ومقاتل [["الكشف والبيان" 3/ 389 أ.]]. وعلى هذا أجاز ابن مجاهد الوقف على ثلاثمائة، لفصل ما بينهما في النزول [[ذكر نحوه بلا نسبة "المكتفى في الوقت والابتداء" 368.]]. والاختيار ترك الوقف؛ لأن سنين وإن نزل بعد ثلاثمائة فقد التحق به في قول جميع النحويين، وصار التقدير: سنين ثلاثمائة. قاله الفراء، والزجاج، وأبو عبيدة، والكسائي. وعلى هذا ﴿سِنِينَ﴾ في موضع نصب بالفعل [["معاني القرآن" للفراء 2/ 138، و"إعراب القرآن" للنحاس 2/ 272، و"معاني القرآن" للزجاج 3/ 278.]]. قال أبو إسحاق: (ويجوز في تقدير العربية أن يكون سنين معطوفًا على ثلاث، عطف البيان والتوكيد) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 278.]]. وقال أبو علي: ﴿سِنِينَ﴾ بدل من قوله: {ثَلَاثَ مِائَةٍ} وموضعه نصب، كما أن موضع المبدل منه كذلك وهذا كما تقول: أعطيته ألفا درهما ومائة أثوابا) [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 141.]]. قال الفراء: (ويجوز أن يكون ﴿سِنِينَ﴾ نصبا بالتفسير للعدد، كما قال عنترة [[البيت لعنترة. كَخَافِية الغُرَاب: أواخر الريش من الجناح مما يلي الظهر، وسميت بذلك لخفائها.
والأسْحم: الأسود. والشاهد فيه قوله: (سودا) وهو حال من النكرة (حلوبة) في بعض التخريجات، وفيه دليل على مجيء صاحب الحال نكرة واستشهد به أبو حيان على نعت التمييز المفرد بالجمع مراعاة للمعنى. انظر: "ديوانه" ص 13، و"الحيوان" 3/ 425، و"خزانة الأدب" 7/ 390، و"شرح شذور الذهب" ص 311، و"شرح القصائد السبع" لابن الأنباري 305، و"شرح القصائد العشر" 217، و"المقاصد النحوية" 4/ 487.]]:
فيها اثنتان وأربعون حلوبةً ... سودًا كخافية الغراب الأسحم
[وهي جمع مفسرة كما يفسر الواحد) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 138.]].
وقال أبو إسحاق: (وجائز أن يكون ﴿سِنِينَ﴾ من نعت المائة، وهو راجع في المعنى إلى ثلاث، كما قال الشاعر، وأنشد البيت)] [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 278.]] [[ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومثبت في بقية النسخ.]]. فجعل سودا نعتا للحلوبة، وهي في المعنى نعت لجملة العدد. وهذا القول أحسن من قول الفراء؛ لأنه جعل سودًا تفسيرًا للعدد، وليس كذلك تفسير العدد حلوبة، وسودًا نعت للحلوبة راجع إلى جملة العدد، كذلك قوله: ﴿سِنِينَ﴾ نعت المائة راجع إلى جملة العدد، وعلى هذا يكون ﴿سِنِينَ﴾ في محل الجر، غير أنه يفتح النعت بالسنين؛ لأنها اسم جامد فلا يحسن النعت بها.
وقد حصل في قوله: ﴿سِنِينَ﴾ خمسة أوجه من الإعراب: الظرف، وعطف البيان، والبدل، والتفسير، والنصت. هذا الذي ذكرنا وجه قراءة العامة وهو تنوين (مِائَةٍ)، وقراءة حمزة، والكسائي: "ثلاثمائةِ سنين" مضافة غير منونة [[قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: (ثلاث مائةٍ سنين) منونًا. وقرأ حمزة، والكسائي: (ثلاث مائةِ سنين) مضافًا غير منون. انظر: "السبعة" لابن مجاهد (390)، و"الحجة للقراء السبعة" 5/ 136، و"المبسوط" (234)، و"التبصرة" (248)، و"الكشف عن وجوه القراءات" 2/ 58، و"النشر" 2/ 310.]]، وهذه قراءة غير جيدة [[قول المؤلف -غفر الله له- هذه قراءة غير جيدة. غير جيد؛ لأنها قراءة سبعية صحيحة ثابتة عن النبي -ﷺ- فلا يجوز الطعن فيها.
قال ابن عطية في "تفسيره" 9/ 285: وهي قراءتنا معشر المغاربة ولا يقوم فيها مخالفة قانون النحاة المشار إليه بقول الخلاصة: ومائة والألف للفرد أضف. لأن القرآن برواية أهل السبع عن رسول -ﷺ- حجة على النحاة لا العكس، لا سيما وأبو علي الفارسي يرى أن قاعدة إضافة المائة إلى الفرد، أغلبية لا كلية مطردة، وبهذا يرد على من أنكر هذه القراءة.
وقال أبو حيان في "البحر المحيط" 6/ 117: وقرأ حمزة والكسائي مائة بغير تنوين مضافًا إلى سنين أوقع الجمع موقع المفرد، وأنحى أبو حاتم على هذه القراءة ولا يجوز له ذلك.]].
قال أبو الحسن: (لا يحسن إضافة المائة إلى السنين، لا تكاد العرب تقول: مائة سنين) [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 137، و"مجمع البيان" 3/ 716.]].
وقال صاحب النظم: (من أضاف وأظهر العدد اعتسف) [[ذكر نحوه الفارسي في "الحجة للقراء السبعة" 5/ 137 بلا نسبة.]]. إلا أن أبا الحسن قال: (هو جائز، وقد يقوله بعض العرب) [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 137.]].
قال الفراء: (مِنَ العرب من يضع السنين في موضع سنة، وهي حينئذٍ [[في (ص): (مسد)، وهو تصحيف.]] في موضع خفض لمن أضاف) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 138.]].
وقوله تعالى: ﴿وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ قال أبو إسحاق: (لا يكون على معنى تسع ليال، ولا تسع ساعات؛ لأن العدد يعرف تفسيره، فإذا تقدم تفسيره استغنى بما تقدم عن إعادة ذكر التفسير، تقول: عندي مائة درهم وخمسة، فتكون الخمسة قد دل عليها ذكر الدراهم) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 279.]].
وقال أبو علي: (﴿وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ أي: ازدادوا لُبث تسع، فحذف المصدر وأقيم المضاف إليه مقامه، وانتصاب تسع انتصاب المفعول به لا انتصاب الظرف، كما أن المضاف لو ظهر وأضيف إلى التسع كان كذلك) [["الحجة للقراء السبعة" 1/ 323.]].
{"ayah":"وَلَبِثُوا۟ فِی كَهۡفِهِمۡ ثَلَـٰثَ مِا۟ئَةࣲ سِنِینَ وَٱزۡدَادُوا۟ تِسۡعࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق