ثم قال جل وعز: ﴿وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً﴾.
في معناه ثلاثة أقوال:
أ- قال مجاهد: هذا عددُ ما لبثوا.
ب- وقال قتادةُ: في قراءة ابنِ مسعود "وَقَالُوا لَبِثُوا في كَهْفِهمْ".
ج- والقولُ الثالث: أن اللهَ خبَّر بما لبثوا، إلى أن بُعِثوا من الكهف، ولا نعلم كم مُذْ بُعثوا إلى هذا الوقتِ، فقال سبحانه ﴿قُل اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ أي من أي وقت مبعثهم إلى هذا الوقت.
قال أبو جعفر: وأحسنُ هذه الأقوال الأولُ، وإنما يقع الإِشكالُ فيه لقوله جلَّ وعزَّ ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ ففرَّ قومٌ إلى أن قالوا: هو معطوفٌ على قوله تعالى ﴿سَيقُولُونَ﴾.
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القولَ الأوَّلَ، لأنه أبلغُ، وأن ابن فُضَيل رَوَى عن الأَجْلح، عن الضحاك قال: لمَّا أُنزِلتْ ﴿وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ﴾ قالوا: أسنين؟ أم شهوراً؟ أم أياماً؟ فأنزل اللهُ جلَّ وعز ﴿سِنِينَ﴾.
قال أبو جعفر: فأمَّا ما أشكلَ من قوله تعالى ﴿قُلِ اللَّهُ أعلمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ فنحنُ نبيِّنهُ.
يجوز أن يكون لِمَا اختلفوا في مقدار ما لبثوا، ثم أخبر اللهُ جلَّ وعز به فقال: ﴿قُلِ اللَّهُ أعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ أي هو أعلمُ به من المختلفين فيه.
وقولٌ آخرُ أحسنُ من هذا: أن يكون "أعلمُ" بمعنى عالمٌ، وذلك كثيرٌ موجودٌ في كلام العرب، قال اللهُ جلَّ وعزَّ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ أجودُ الأقوال فيه أن معناه: هو هيِّن عليه، وهو اختيار أبي العباس، ومنه "اللهُ أكبرُ" بمعنى كبير، ومنه قول الفرزدق:
إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا * بَيْتَاً دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ
وقول الآخر:
أَصْبَحْتُ أمْنَحُكِ الصُّدُودَ وَإنَّنِي * ـ قَسَمَاً إليكِ ـ مع الصُّدُودِ لأَمْيَلُ
وقولُ الآخر:
لَعَمْرُكَ مَا أدْرِي وإنِّي لأَوْجَلُ * عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو المَنِيَّةُ أوَّلُ
{"ayah":"وَلَبِثُوا۟ فِی كَهۡفِهِمۡ ثَلَـٰثَ مِا۟ئَةࣲ سِنِینَ وَٱزۡدَادُوا۟ تِسۡعࣰا"}