الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ﴾ أي: الأخسرين أعمالاهم: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ جحدوا دلائل توحيده وقدرته ﴿وَلِقَائِهِ﴾ وكفروا بالبعث، والثواب، والعقاب. ﴿فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ قال ابن عباس: (بطل اجتهادهم) [[ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "معالم التنزيل" 5/ 210، "المحرر الوجيز" 9/ 415، "زاد المسير" 5/ 97، "لباب التأويل" 4/ 236.]]. ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ روى المفسرون في تفسير هذا: حديث أبي هريرة أن النبي -ﷺ- قال: "ليؤتين يوم القيامة بالعظيم، الطويل، الشروب، الأكلول فلا يزن عند الله جناح بعوضه"، ثم يقول: "اقرؤا ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية" [["جامع البيان" 16/ 35، "المحرر الوجيز" 9/ 416، "معالم التنزيل" 5/ 211، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 119، "الدر المنثور" 4/ 456. وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 466، وأورده الحافظ بن حجر في "فتح الباري" 8/ 426، ومسلم في "صحيحه" كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم 3/ 2147.]]. وقال كعب بن عجرة [[كعب بن عجرة القضاعي، حليف الأنصار، صحب النبي -ﷺ-، وعاش في المدينة، وشهد الحديبية، ثم سكن الكوفة، وتوفي -رضي الله عنه- في المدينة سنة 52 هـ. انظر: "الاستيعاب" 3/ 1321، "الإصابة" 5/ 600.]]: (يؤتى برجل يوم القيامة فيوزن بحبة فلا يزنها، فيوزن بجناح بعوضة فلا يزنها، ثم قرأ هذه الآية) [["جامع البيان" 16/ 35، "النكت والعيون" 3/ 347، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 119، "الدر المنثور" 4/ 457.]]. ونحو هذا قال عبيد بن عمير [["الجامع لأحكام القرآن" 11/ 66، "الدر المنثور" 4/ 457.]]. وروى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال: (يريد أن ليس لهم وزن يوم القيامة، إنما يوزن من له عمل صالح، وكان على التوحيد) [[ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" 16/ 35، "المحرر الوجيز" 9/ 416، "الكشاف" 2/ 500، "زاد المسير" 5/ 198، "لباب التأويل" 4/ 236، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 67، "التفسير الكبير" 21/ 174، "روح المعاني" 16/ 49.]]. وهذه الأقوال في الظاهر تدل على أن أعيان الرجال يوزنون، وليس كذلك؛ لأن الأعمال توزن يوم القيامة. والصحيح في هذا ما قاله أهل المعاني، روى أبو العباس عن ابن الأعرابي في هذه الآية قال: (العرب تقول: ما لفلان عندنا وزن، أي: قدر، لخسته، ويوصف الجاهل بأنه لا وزن له، لخفته بسرعة طيشه، وقلة تثبته فيما ينبغي أن يتثبت فيه) [["زاد المسير" 5/ 98، "تهذيب اللغة" (وزن) 4/ 3886.]]. فالمعنى على هذا: أنهم لا يعتد بهم، ولا يكون لهم عند الله قدر ومنزلة [["المحرر الوجيز" 9/ 416، "معالم التنزيل" 5/ 210 - 211، "النكت والعيون" 3/ 347، "زاد المسير" 5/ 198.]]. وحديث أبي هريرة محمول أيضًا على هذا، وهو: أن العظيم، الأكول، الشروب لا قدر له ولا وزن عند الله، إذا لم يكن من أهل التوحيد. وقال بعضهم: (معنى هذا خفة موازينهم من الحسنات، وذلك أن الموازين إنما ترجح بالطاعات، وتنقص بالمعاصي، فيوضع الكافر في الميزان يوم القيامة فلا يزن شيئًا لخلوه مما يثقل الميزان به من توحيد الله) [["جامع البيان" 16/ 35، "النكت والعيون" 3/ 347، "الكشاف" 2/ 403، "زاد المسير" 5/ 198.]]. وذكر ابن الأنباري وجه ما ذكره المفسرون فقال: (إن الله عز وجل يأمر بوزن أهل الكفر تحقيرًا لهم، وتصغيرًا لأمرهم، حتى يتبين الخلق أنهم لا يزنون في ذلك المشهد وزن ذرة ولا جناح بعوضة) [[ذكر نحوه بلا نسبة "النكت والعيون" 3/ 347، "الكشاف" 2/ 403، "زاد المسير" 5/ 198، "التفسير الكبير" 21/ 174، "البحر المحيط" 6/ 167.]]. يدل على صحة هذا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -ﷺ-: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس، يعلوهم كل شيء من الصغار، حتى يدخلون إلى سجن في جهنم يقال له: بولس، يعلوهم فيه نار الأنيار، يسقون من طينة الخبال من عصارة أهل النار" [[أخرجه الترمذي في "جامعه" كتاب: صفة القيامة، باب: ما جاء في شدة الوعيد للمتكبرين 4/ 565 وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" 2/ 179، وابن الأثير في "جامع الأصول" كتاب: في الكبر والعجب النوع الثالث 10/ 616، والمنذري في "الترغيب والترهيب" كتاب: الآداب وغيره، باب: الترغيب في التواضع والترغيب من الكبر 3/ 541.]]. قال أبو بكر: (وإنما يجعلون أمثال الذر تصغيرًا لهم عند أنفسهم، ومن يحضر القيامة) [[ورد نحوه بلا نسبة في "النكت والعيون" 3/ 347، "زاد المسير" 5/ 198، "التفسير الكبير" 21/ 174.]]. وذكر من عنده في الآية وجهان: الكافر يقدم علي بسيئات لا حسنة معها، والموازين القسط يوزن فيها حسنات العبد وسيئاته، فإذا خلا الكافر من الحسنات، وحصل على السيئات استحق النار بغير وزن، ولا إقامة ميزان، وما فعل الكافر في الدنيا من نصرة مظلوم، وإطعام جائع، وعمل بر يكافؤ عليه في الدنيا بتوسعة له في الرزق، ويقدم على الله صفرا من كل خير. الثاني: لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا؛ لأن الوزن عليهم لا لهم؛ لأنه لا عمل لهم من أعمال الخير يوزن. الوجه الثالث: هو ما ذكره أبو العباس عن ابن الأعرابي، وقد حكيناه [[انظر: "النكت والعيون" 3/ 348، "زاد المسير" 5/ 198، "التفسير الكبير" 21/ 174، "فتح القدير" 3/ 451.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب