الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكم بِالأخْسَرِينَ أعْمالا﴾ فِيهِمْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُمُ القِسِّيسُونَ والرُّهْبانُ، قالَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ والضَّحّاكُ. والثّانِي: اليَهُودُ والنَّصارى، قالَهُ سَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أعْمالا﴾ مَنصُوبٌ عَلى التَّمْيِيزِ؛ لِأنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿بِالأخْسَرِينَ﴾ كانَ ذَلِكَ مُبْهَمًا لا يَدُلُّ عَلى ما خَسِرُوهُ، فَبُيِّنَ ذَلِكَ في أيِّ نَوْعٍ وقَعَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ﴾؛ أيْ: بَطَلَ عَمَلُهم واجْتِهادُهم في الدُّنْيا، وهم يَظُنُّونَ أنَّهم مُحْسِنُونَ بِأفْعالِهِمْ، فَرُؤَساؤُهم يَعْلَمُونَ الصَّحِيحَ ويُؤْثِرُونَ الباطِلَ لِبَقاءِ رِئاسَتِهِمْ، وأتْباعِهِمْ مُقَلِّدُونَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ﴾ جَحَدُوا دَلائِلَ تَوْحِيدِهِ وكَفَرُوا بِالبَعْثِ والجَزاءِ، وذَلِكَ أنَّهم بِكُفْرِهِمْ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ والقُرْآَنِ، صارُوا كافِرِينَ بِهَذِهِ الأشْياءِ، ﴿فَحَبِطَتْ أعْمالُهُمْ﴾؛ أيْ: بَطَلَ اجْتِهادُهم؛ لِأنَّهُ خَلا عَنِ الإيمانِ، ﴿فَلا نُقِيمُ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ وزْنًا﴾ وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ والجَحْدَرِيُّ: ( فَلا يُقِيمُ ) بِالياءِ. (p-١٩٨) وَفِي مَعْناهُ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ إنَّما يَثْقُلُ المِيزانُ بِالطّاعَةِ، وإنَّما تُوزَنُ الحَسَناتُ والسَّيِّئاتُ، والكافِرُ لا طاعَةَ لَهُ. والثّانِي: أنَّ المَعْنى: لا نُقِيمُ لَهم قَدْرًا. قالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآَيَةِ: يُقالُ: ما لِفُلانٍ عِنْدَنا وزْنٌ؛ أيْ: قَدْرٌ؛ لِخِسَّتِهِ. فالمَعْنى: أنَّهم لا يُعْتَدُّ بِهِمْ ولا يَكُونُ لَهم عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ ولا مَنزِلَةٌ. وقَدْ رَوى أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: " «يُؤْتى بِالرَّجُلِ الطَّوِيلِ الأكُولِ الشَّرُوبِ، فَلا يَزِنُ جَناحَ بَعُوضَةً، اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: ﴿فَلا نُقِيمُ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ وزْنًا﴾» " . والثّالِثُ: أنَّهُ قالَ: ﴿فَلا نُقِيمُ لَهُمْ﴾؛ لِأنَّ الوَزْنَ عَلَيْهِمْ لا لَهُمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ جَزاؤُهُمْ﴾؛ أيِ: الأمْرُ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتَ مِن بُطْلانِ عَمَلِهِمْ وخِسَّةِ قَدْرِهِمْ، ثُمَّ ابْتَدَأ فَقالَ: ﴿جَزاؤُهم جَهَنَّمُ﴾، وقِيلَ: المَعْنى: ذَلِكَ التَّصْغِيرُ لَهم وجَزاؤُهم جَهَنَّمُ، فَأُضْمِرَتْ واوُ الحالِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِما كَفَرُوا﴾؛ أيْ: بِكُفْرِهِمْ واتِّخاذِهِمْ ﴿آياتِي﴾ الَّتِي أنْزَلْتُها ﴿وَرُسُلِي هُزُوًا﴾؛ أيْ: مَهْزُوءًا بِهِ.(p-١٩٩)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب