الباحث القرآني

ثم بَيَّن أنه قادر أن يهلكهم في البر بمثل ما يهلك في البحر، فقال: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ﴾ قال الليث: الخسف سُؤوخُ الأرض بما عليها [[ورد في "تهذيب اللغة" (خسف) 1/ 1029 بنصه.]]، يقال: خسف الله به الأرض، أي غاب به فيها، ومعني الخسف والخسوف: الدخول في الشيء، يقال: عين خاسفة؛ وهي التي غابت حدقتها في الرأس، وعين من الماء خاسفة، أي: غائرة الماء، والشمسُ تُخْسَفُ خُسُوفًا، وهو دخولها في السماء كأنها تكون في جُحْرٍ [[ورد في "تهذيب اللغة" (خسف) 1/ 1030، بنحوه، انظر: (خسف) في "المحيط في اللغة" 4/ 267، و"اللسان" 2/ 1157.]]، فمعنى قوله: ﴿يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ﴾: يُغَيِّبُكم ويُذْهِبُكم في جانب البر، وهو الأرض، وإنما قال: ﴿جَانِبَ الْبَرِّ﴾ لأنه ذكر البحر في الآية الأولى، فهو جانب، والبر جانب، أخبر الله تعالى أنه [[في (أ)، (د): (أنه قال)، والطاهر أن (قال) زائدة، وقد أن إلى اضطراب المعنى، والمثبت من (ش)، (ع).]] كما قدر أن يغيبهم في الماء قادر أن يغيبهم في الأرض، قال ابن عباس في قوله: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ﴾ يريد: حيث أعرضتم حين سلمتم من هول البحر. وقوله تعالى: ﴿أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ معنى الحَصْبِ في اللغة الرمي، يقال: حَصَبَ أحْصُبُ حَصْبًا إذا رميت، والحَصْبُ: الرمي [[انظر: (حصب) في "تهذيب اللغة" 1/ 834، و"الصحاح" 1/ 112، و"اللسان" 2/ 894.]]، ومنه قوله تعالى: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: 98] أي تلقون فيها، ومعنى قوله: ﴿حَاصِبًا﴾ عذابًا يحصبهم، أي: يرميهم بحجارة، ويقال للريح التي تحمل الترب والحصباء: حاصب، وللسحاب يرمي بالثلج والبرد: حاصب؛ لأنه يرمي بهما رميًا، ومنه قول الفرزدق: مُسْتَقْلِينَ شَمالَ الشَّأْمِ تَضْرِبُنا ... بِحاصبٍ كَندِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ [["ديوانه" 1/ 213، وورد في "مجاز القرآن" 1/ 385، و"الكامل" 3/ 57، و"الموشح" ص 127 وفيه: تضربهم، و"تفسير الثعلبي" 7/ 114 أ، و"السمعاني" 3/ 262، و"ابن الجوزي" 5/ 61، و"القرطبي" 10/ 292، وورد بلا نسبة في "تفسير الطبري" 15/ 124، و"الطوسي" 502/ 6، و"ابن عطية" 9/ 142.]] أي سحاب حاصب ثلجًا كنديف القطن، فحذف الموصوف والمشبه وأقام المشبه به، وهو قوله: كنديف القطن، وقال أبو إسحاق: الحاصب: التراب الذي فيه حصباء [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 251، بنصه.]]، والحاصب على هذا ذو الحصباء، مثل: اللابن والتامر، وعلى هذا فُسِّرَ بيتُ الأخطل: تَرْمي الخصال [[في الديوان وجميع المصادر: (العِضَاهُ)، والمعنى واحد.]] بِحَاصِبٍ مِنْ ثَلْجها ... حتى يَبِيتَ على العِضَاهِ جِفالا [["ديوانه" 1/ 108، وورد في "تفسير الطبري" 15/ 124، و"ابن عطية" 9/ 142، و"شرح ديوان الأخطل" ص 387 (ترمي): الضمير يعود على ريح الشمال، (الخصال): جمع خَصْلة وخُصْلة؛ وهو العُنقود، والخَصْلة والخُصْلة والخَصَلة كل ذلك: عُودٌ فيه شوك ، (العضاه): من شَجر الشوك؛ وهو ما كان له أُرومَةٌ تبقى على الشتاء، قيل: واحده عضة وعِضَهةَ وعِضاهَة، (جفالاً)؛ الجفال: ما تراكم من الثلج بعضه فوق بعض. انظر: "المحيط في اللغة" (عضه) 1/ 109، و"اللسان" (خصل).]] أي ترميها بذي حصباء من ثلجها، يعني: سحابًا فيه ثلج، فهو يرمي بها. وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾ قال قتادة: يقول: مانعًا ولا ناصرًا [[أخرجه "الطبري" 15/ 123 بنصه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 349 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.]]، والمعنى: لا تجدوا أحدًا وكلتم إليه أموركم أو تكلون إليه أموركم فهو يمنعكم وينصركم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب