الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الفُلْكَ﴾؛ أيْ: يُسَيِّرُها. قالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ: زَجَيْتُ الشَّيْءَ؛ أيْ: قَدَّمْتُهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ﴾؛ أيْ: في طَلَبِ التِّجارَةِ. وَفِي " مِن " ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها زائِدَةٌ. والثّانِي: أنَّها لِلتَّبْعِيضِ. والثّالِثُ: أنَّ المَفْعُولَ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ الرِّزْقَ والخَيْرَ، ذَكَرَهُنَّ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ كانَ بِكم رَحِيمًا﴾ هَذا الخِطابُ خاصٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ خاطَبَ المُشْرِكِينَ فَقالَ: ﴿وَإذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ في البَحْرِ﴾ يَعْنِي: خَوْفَ الغَرَقِ، ﴿ضَلَّ (p-٦١)مَن تَدْعُونَ﴾؛ أيْ: يَضِلُّ مَن يَدْعُونَ مِنَ الآَلِهَةِ، إلّا اللَّهَ تَعالى. ويُقالُ: ضَلَّ بِمَعْنى غابَ، يُقالُ: ضَلَّ الماءُ في اللَّبَنِ: إذا غابَ، والمَعْنى: أنَّكم أخْلَصْتُمُ الدُّعاءَ [ لِلَّهِ ]، ونَسِيتُمُ الأنْدادَ. وقَرَأ مُجاهِدٌ وأبُو المُتَوَكِّلِ: ( ضَلَّ مَن يَدْعُونَ ) بِالياءِ. ﴿فَلَمّا نَجّاكم إلى البَرِّ أعْرَضْتُمْ﴾ عَنِ الإيمانِ والإخْلاصِ، ﴿وَكانَ الإنْسانُ﴾ يَعْنِي: الكافِرَ ﴿كَفُورًا﴾ بِنِعْمَةِ رَبِّهِ. ﴿أفَأمِنتُمْ﴾ إذا خَرَجْتُمْ مِنَ البَحْرِ ﴿أنْ يَخْسِفَ بِكُمْ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو: ( نَخْسِفُ بِكُمْ، أوْ نُرْسِلُ، أنْ نُعِيدَكُمْ، فَنُرْسِلُ، فَنُغْرِقُكم ) بِالنُّونِ في الكُلِّ. وقَرَأ نافِعٌ، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ بِالياءِ في الكُلِّ. ومَعْنى " نَخْسِفُ بِكم جانِبَ البَرِّ "؛ أيْ: نُغَيِّبُكم ونُذْهِبُكم في ناحِيَةِ البَرِّ، والمَعْنى: إنَّ حُكْمِيَ نافِذٌ في البَرِّ نُفُوذُهُ في البَحْرِ. " أوْ نُرْسِلَ عَلَيْكم حاصِبًا " فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّ الحاصِبَ: حِجارَةٌ مِن السَّماءِ، قالَهُ قَتادَةُ. والثّانِي: أنَّهُ الرِّيحُ العاصِفُ تَحْصِبُ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، وأنْشَدَ لِلْفَرَزْدَقِ: ؎ مُسْتَقْبِلِينَ شَمالَ الرِّيحِ تَضْرِبُهم بِحاصِبٍ كَنَدِيفِ القُطْنِ مَنثُورِ وَقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الحاصِبُ: الرِّيحُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّها تَحْصِبُ؛ أيْ: تَرْمِي بِالحَصْباءِ، وهي الحَصى الصِّغارُ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: قالَ اللُّغَوِيُّونَ: الحاصِبُ: الرِّيحُ الَّتِي فِيها الحَصى. وإنَّما قالَ في الرِّيحِ: " حاصِبًا "، ولَمْ يَقُلْ: ( حاصِبَةً )؛ لِأنَّهُ وصْفٌ لَزِمَ الرِّيحَ، ولَمْ يَكُنْ لَها مُذَكَّرٌ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ في حالٍ، فَكانَ بِمَنزِلَةِ قَوْلِهِمْ: ( حائِضٌ ) لِلْمَرْأةِ، حِينَ لَمْ يَقُلْ: رَجُلٌ حائِضٌ. قالَ: وفِيهِ جَوابٌ آَخَرُ: (p-٦٢)وَهُوَ أنَّ نَعْتَ الرِّيحِ عُرِّيَ مِن عَلامَةِ التَّأْنِيثِ، فَأشْبَهَتْ بِذَلِكَ أسْماءَ المُذَكَّرِ، كَما قالُوا: السَّماءُ أمْطَرَ، والأرْضُ أنْبَتَ. والثّالِثُ: أنَّ الحاصِبَ: التُّرابُ الَّذِي فِيهِ حَصْباءُ، قالَهُ الزَّجّاجُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكم وكِيلا﴾؛ أيْ: مانِعًا وناصِرًا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمْ أمِنتُمْ أنْ يُعِيدَكم فِيهِ﴾؛ أيْ: في البَحْرِ ﴿تارَةً أُخْرى﴾؛ أيْ: مَرَّةً أُخْرى، والجُمَعُ: تارّاتٍ. ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكم قاصِفًا مِنَ الرِّيحِ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هي الَّتِي تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: القاصِفُ: [ الرِّيحُ الَّتِي ] تَقْصِفُ الشَّجَرَ؛ أيْ: تَكْسِرُهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَيُغْرِقَكُمْ﴾ وقَرَأ أبُو المُتَوَكِّلِ و[ أبُو ] جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، ورُوَيْسٌ: ( فَتُغْرِقُكم ) بِالتّاءِ، وسُكُونِ الغَيْنِ، وتَخْفِيفِ الرّاءِ. وقَرَأ أبُو الجَوْزاءِ وأيُّوبُ: ( فَيُغَرِّقُكم ) بِالياءِ،وَفَتْحِ الغَيْنِ، وتَشْدِيدِها. وقَرَأ أبُو رَجاءٍ مِثْلَهُ، إلّا أنَّهُ بِالتّاءِ. ﴿بِما كَفَرْتُمْ﴾؛ أيْ: بِكُفْرِكم حَيْثُ نَجَوْتُمْ في المَرَّةِ الأُولى، " ثُمَّ تَجِدُوا لَكم عَلَيْنا بِهِ تَبِيعًا " قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: مَن يَتْبَعُ بِدِمائِكم؛ أيْ: يُطالِبُنا. قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: رِيحُ العَذابِ أرْبَعٌ، اثْنَتانِ في البَرِّ، واثْنَتانِ في البَحْرِ؛ فاللَّتانِ في البِرِّ: الصَّرْصَرُ والعَقِيمُ، واللَّتانِ في البَحْرِ: العاصِفُ والقاصِفُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ﴾؛ أيْ: فَضَّلْناهم. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: و ﴿كَرَّمْنا﴾ أشَدُّ مُبالَغَةً مِن أكْرَمْنا. وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِيما فُضِّلُوا بِهِ أحَدَ عَشَرَ قَوْلًا: أحَدُها: أنَّهم فُضِّلُوا عَلى سائِرِ الخَلْقِ غَيْرَ طائِفَةٍ مِنَ المَلائِكَةِ: جِبْرِيلُ، ومِيكائِيلُ، وإسْرافِيلُ، ومَلَكُ المَوْتِ، وأشْباهُهُمْ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. (p-٦٣)فَعَلى هَذا يَكُونُ المُرادُ: المُؤْمِنِينَ مِنهُمْ، ويَكُونُ تَفْضِيلُهم بِالإيمانِ. والثّانِي: أنَّ سائِرَ الحَيَوانِ يَأْكُلُ بِفِيهِ، إلّا ابْنَ آَدَمَ فَإنَّهُ يَأْكُلُ بِيَدِهِ، رَواهُ مَيْمُونُ بْنُ مَهْرانَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: المُرادُ بِهَذا التَّفْضِيلِ: أكْلُهم بِأيْدِيهِمْ ونَظافَةِ ما يَقْتاتُونَهُ؛ إذِ الجِنُّ يَقْتاتُونَ العِظامَ والرَّوَثَ. والثّالِثُ: فُضِّلُوا بِالعَقْلِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والرّابِعُ: بِالنُّطْقِ والتَّمْيِيزِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والخامِسُ: بِتَعْدِيلِ القامَةِ وامْتِدادِها، قالَهُ عَطاءٌ. والسّادِسُ: بِأنْ جَعَلَ مُحَمَّدًا ﷺ مِنهُمْ، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ. والسّابِعُ: فُضِلُّوا بِالمَطاعِمِ واللَّذّاتِ في الدُّنْيا، قالَهُ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ. والثّامِنُ: بِحُسْنِ الصُّورَةِ، قالَهُ يَمانُ. والتّاسِعُ: بِتَسْلِيطِهِمْ عَلى غَيْرِهِمْ مِنَ الخَلْقِ وتَسْخِيرِ سائِرِ الخَلْقِ لَهُمْ، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ. والعاشِرُ: بِالأمْرِ والنَّهْيِ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. والحادِي عَشَرَ: بِأنْ جُعِلَتِ اللِّحى لِلرِّجالِ والذَّوائِبُ لِلنِّساءِ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ أطْلَقَ ذِكْرَ الكَرامَةِ عَلى الكُلِّ وفِيهِمُ الكافِرُ المُهانُ ؟ فالجَوابُ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ عامَلَ الكُلَّ مُعامَلَةَ المُكَرَّمِ بِالنِّعَمِ الوافِرَةِ. والثّانِي: أنَّهُ لَمّا كانَ فِيهِمْ مَن هو بِهَذِهِ الصِّفَةِ، أجْرى الصِّفَةَ عَلى جَماعَتِهِمْ، كَقَوْلِهِ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ [ آَلِ عِمْرانَ: ١١٠ ] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَحَمَلْناهم في البَرِّ﴾ عَلى أكْبادٍ رَطْبَةٍ، وهِيَ: الإبِلُ والخَيْلُ، والبِغالُ والحَمِيرُ، وفي " البَحْرِ " عَلى أعْوادٍ يابِسَةٍ، وهِيَ: السُّفُنُ. ﴿وَرَزَقْناهم مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: الحَلالُ. والثّانِي: المُسْتَطابُ في الذَّوْقِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَفَضَّلْناهم عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ عَلى لَفْظِهِ، وأنَّهم لَمْ يُفَضَّلُوا عَلى سائِرِ المَخْلُوقاتِ. وقَدْ ذَكَرْنا (p-٦٤)عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهم فُضِّلُوا عَلى سائِرِ الخَلْقِ غَيْرَ طائِفَةٍ مِنَ المَلائِكَةِ، وقالَ غَيْرُهُ: بَلِ المَلائِكَةُ أفْضَلُ. والثّانِي: أنَّ مَعْناهُ: وفَضَّلْناهم عَلى جَمِيعِ مَن خَلَقْنا، والعَرَبُ تَضَعُ الأكْثَرَ والكَثِيرَ في مَوْضِعِ الجَمْعِ، كَقَوْلِهِ: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ وأكْثَرُهم كاذِبُونَ﴾ [ الشُّعَراءِ: ٢٢٣ ] . وقَدْ رَوى أبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: " «المُؤْمِنُ أكْرَمُ عَلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ مِنَ المَلائِكَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ» " .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب