الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ الآية. في هذه الآية مذهبان: أحدهما: أن المراد بالتسبيح هاهنا حقيقة التسبيح، فعلى هذا السموات السبع والأرضون تسبح لله تسبيحًا حقيقيًا، ﴿وَمَنْ فِيهِنَّ﴾: من الملائكة والجن والإنس، والمراد بهذا التخصيص؛ لأن الشياطين وعبدة الأصنام لا يسبحون لله تسبيحًا حقيقيًّا. وقوله تعالي: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ قال عكرمة: كل شيء حي [[أخرجه "الطبري" 15/ 92، بنحوه، وورد بمعناه في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 159، و"تفسير الثعلبي" 7/ 109 ب، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 333 وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن أبي حاتم.]]، ونحوه قال الحسن والضحاك: كل شيء فيه الروح [[أخرجه "الطبري" 15/ 92 بنصه عنهما، وأبو الشيخ في العظمة ص 523 بنصه عن الضحاك، وورد في "تفسير الثعلبي" 7/ 109 ب بنصه، و"الماوردي" 3/ 245 - بمعناه، و"الطوسي" 6/ 483 - بمعناه، انظر: "تفسير ابن الجوزي" 5/ 39، عنهما، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 333 وعزاه إلى أبي الشيخ عن الحسن- لم أجده.]]، وقال قتادة: يعنى الحيوانات والنَّامِيات [[أخرجه بمعناه "عبد الرزاق" 2/ 379، و"الطبري" 15/ 93، وورد في "تفسير السمرقندي" 2/ 270 - بمعناه، و"الثعلبي" 7/ 109 ب بنصه، انظر: "تفسير البغوي" 5/ 96. والنَّامِيات: جمع نَامٍ، والنَّامِي، مثل: النبات والشجر ونحوه؛ أي كل ما ينمو ويكبر، ويقابله الصامت؛ كالحجر والجبل ونحوه. انظر (نمي)، (نمو) في "المحيط في اللغة" (10/ 417، و"اللسان" 8/ 4552.]]، وقال بعضهم: هذا عام في كل شيء، وكل ما خلق الله فهو يسبح بحمده، وأن صَرِيرَ السَّقْفِ وصَرِيرَ البابِ من التسبيح لله [[وهو قول النخعي -كما في البغوي وغيره- وورد بنحوه في "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 242، و"تفسير الطوسي" 6/ 483، انظر: "تفسير البغوى" 5/ 96 بلفظ: صرير الباب ونقيض السقف، و"ابن الجوزي" 5/ 39، و"القرطبي" 10/ 268.]]، ولكل شيء تسبيح لا نفقه نحن ذلك؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾. المذهب الثاني: أن المراد بالتسبيح هاهنا: الدلالة على أن الله -عز وجل- خالقٌ حكيمٌ مُبَرَّأٌ من الأَسْوَاءِ [[ورد في "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 242، بنحوه، و"تفسير الثعلبي" 7/ 109 ب بنصه.]]، فالمخلوقون والمخلوقات كلها تدل على أن الله -عز وجل- خالقها؛ كما قال في قوله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ ، أي: يخشع له ويخضع [[والقول الأول هو الراجح، لموافقته لظاهر القرآن، وتأييد السنة له، فقد أسمع الله نبيه -ﷺ- وصحابته تسبيح الجمادات، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: إنكم تعدون الآيات عذابًا، وإنا كنا نعدها على عهد رسول الله -ﷺ- بركة، لقد كنا نأكل الطعام مع النبيّ -ﷺ- ونحن نسمع تسبيح الطعام ... أخرجه مالك في الموطأ [التمهيد] 1/ 219، والترمذي (4633) كتاب: المناقب، باب: آيات إثبات نبوة النبي -ﷺ- واللفظ له، وقال: حسن صحيح، وذكره الألباني في "صحيح الترمذي" (4633)، انظر أمثلة أخرى في هذا الباب في "الشفا" 1/ 588. وقد رجح هذا القول كثير من العلماء؛ منهم: القرطبي 10/ 268، و"الخازن" 3/ 166، و"ابن كثير" 3/ 48 و"الألوسي" 15/ 84، وغيرهم.]]، وقد ذكرنا هذا المعنى مستقصى عند ذكر سجود الجمادات في آيات قد مضت في هذا المعنى [[سورة الرعد: آية [15]، وسورة النحل: آية [49].]]، وعلى هذا قوله: ﴿لَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ﴾ مخاطبة للكفار؛ لأنهم لا يستدلون ولا يعتبرون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب