الباحث القرآني
ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بَيانَ عَظَمَةِ هَذا التَّنْزِيهِ؛ مَقْرُونًا بِالوَصْفِ بِالكَمالِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿تُسَبِّحُ﴾؛ أيْ: تُوقِعُ التَّنْزِيهَ الأعْظَمَ؛ ﴿لَهُ﴾؛ أيْ: الإلَهِ الأعْظَمِ؛ الَّذِي تَقَدَّمَ وصْفُهُ بِالجَلالِ والإكْرامِ خاصَّةً؛ ﴿السَّماواتُ السَّبْعُ﴾؛ كُلُّها؛ ﴿والأرْضُ﴾؛ أيْضًا؛ ﴿ومَن فِيهِنَّ﴾؛ مِن ذَوِي العُقُولِ؛ ﴿وإنْ﴾؛ أيْ: وما؛ وأعْرَقَ في النَّفْيِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿مِن شَيْءٍ﴾؛ أيْ: ذِي عَقْلٍ؛ وغَيْرِهِ؛ ﴿إلا يُسَبِّحُ﴾؛ أيْ: يُنَزِّهُ لَهُ؛ مُتَلَبِّسًا ﴿بِحَمْدِهِ﴾؛ أيْ: بِوَصْفِهِ بِما لَهُ مِن صِفاتِ الكَمالِ؛ بِما لَهُ (تَعالى) في ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنَ الآياتِ الدّالَّةِ (p-٤٢٤)عَلى كُلٍّ مِنَ السَّلْبِ؛ والإيجابِ؛ وهَذا تَسْبِيحٌ بِلِسانِ المَقالِ؛ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنهُ؛ وبِلِسانِ الحالِ مِنهُ ومِن غَيْرِهِ؛ ”كَما قالَ الجِدارُ لِلْوَتِدِ: لِمَ تَشُقُّنِي؟ فَقالَ: سَلْ مَن يَدُقُّنِي“؛ وهو تَسْبِيحٌ مِن جِهاتٍ شَتّى؛ لِيَسْمَعَها العارِفُونَ بِسَمْعِ الفَهْمِ؛ وصَفاءِ الذِّهْنِ؛ مِن جِهَةِ ذاتِها في خَلْقِها؛ ثُمَّ في مَعْنى صِفَتِها؛ بِحاجَتِها مِن جِهَةِ حُدُوثِها إلى صانِعٍ أحْدَثَها؛ قَدِيمٍ؛ غَيْرِ مَصْنُوعٍ؛ ومِن جِهَةِ إتْقانِها إلى كَوْنِهِ مُدَبِّرًا حَكِيمًا؛ ومِن جِهَةِ فَنائِها إلى كَوْنِهِ - مَعَ ذَلِكَ - قادِرًا مُخْتارًا؛ قاهِرًا جَبّارًا.. إلى غَيْرِ ذَلِكَ؛ بِخِلافِ ما لَوْ قُصِرَ التَّسْبِيحُ عَلى لِسانِ المَقالِ؛ فَإنَّهُ يَكُونُ مِن نَوْعٍ واحِدٍ؛ وأوْضَحَ مُرْشِدًا إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولَكِنْ لا تَفْقَهُونَ﴾؛ دُونَ ”تَسْمَعُونَ“؛ ﴿تَسْبِيحَهُمْ﴾؛ لِإعْراضِكم عَنِ النَّظَرِ؛ ونُفُورِكم عَنْ سَماعِ الذِّكْرِ؛ الَّذِي هو أعْظَمُ أسْبابِهِ؛ عَلى أنَّ هَذا إنَّما هو بِالنِّسْبَةِ لِعامَّةِ الخَلْقِ؛ وأمّا الخاصَّةُ فَإنَّهم يَسْمَعُونَ تَسْبِيحَ الجَماداتِ؛ رَوى البُخارِيُّ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: كُنّا نَعُدُّ الآياتِ بَرَكَةً؛ وأنْتُمْ تَعُدُّونَها تَخْوِيفًا؛ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - في سَفَرٍ؛ فَقَلَّ الماءُ؛ فَقالَ: ”اطْلُبُوا فَضْلَةً مِن ماءٍ“؛ فَجاؤُوا بِإناءٍ فِيهِ ماءٌ قَلِيلٌ؛ فَأدْخَلَ يَدَهُ في الإناءِ؛ وقالَ: (p-٤٢٥)”حَيَّ عَلى الطَّهُورِ المُبارَكِ؛ والبَرَكَةِ مِنَ اللَّهِ“؛ فَلَقَدْ رَأيْتُ الماءَ يَنْبُعُ مِن بَيْنِ أصابِعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ؛ وشُرِّفَ؛ وكُرِّمَ؛ وبُجِّلَ؛ وعُظِّمَ دائِمًا أبَدًا -؛ ولَقَدْ كُنّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعامِ وهو يُؤْكَلُ؛» وتَسْبِيحُ الحَصى مَشْهُورٌ؛ وفي زَبُورِ داوُدَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - تَكْرِيرٌ كَثِيرٌ لِهَذِهِ الآيَةِ؛ وحَثٌّ عَلى تَأمُّلِها؛ قالَ في المَزْمُورِ الثّامِنِ والسِّتِّينَ: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ؛ والأرْضُ؛ والبِحارُ؛ وكُلُّ ما يَدِبُّ فِيها)؛ وفي المَزْمُورِ الخامِسِ والثَّمانِينَ: (فَلَيْسَ مِثْلُكَ يا رَبِّي وإلَهِي؛ ولا مِثْلُ أعْمالِكَ؛ لِأنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ الَّذِينَ خَلَقْتَ يَأْتُونَ ويَسْجُدُونَ أمامَكَ يا رَبُّ؛ ويُسَبِّحُونَ لِاسْمِكَ؛ لِأنَّكَ عَظِيمٌ؛ صانِعُ الآياتِ)؛ وفي الثّامِنِ والثَّمانِينَ: (بِذِراعِكَ العَزِيزَةِ فَرَّقْتَ أعْداءَكَ؛ لَكَ السَّماواتُ؛ ولَكَ الأرْضُ؛ أنْتَ أسَّسْتَ الدُّنْيا بِكَمالِها؛ خَلَقْتَ البَرَّ والبَحْرَ؛ تابُورُ وحَرْمُونُ بِاسْمِكَ يُسَبِّحانِ؛ لَكَ القُوَّةُ والجَبَرُوتُ؛ تَعْتَزُّ يَدُكَ؛ وتَعْلُو يَمِينُكَ؛ بِالعَدْلِ والحُكْمِ أتْقَنْتَ كُرْسِيَّكَ؛ الرَّحْمَةُ والعَدْلُ يَنْطَلِقانِ أمامَكَ؛ طُوبى لِلشَّعْبِ الَّذِي يَعْرِفُ (p-٤٢٦)تَسْبِيحَكَ)؛ وفي الخامِسِ والتِّسْعِينَ: (سَبِّحُوا الرَّبَّ تَسْبِيحًا جَدِيدًا؛ الأرْضُ كُلُّها تُسَبِّحُ الرَّبَّ؛ اسْجُدُوا لِلرَّبِّ في هَياكِلِ قُدْسِهِ؛ لِأنَّ جَمِيعَ الأرْضِ تَتَزَلْزَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ قُولُوا في الشُّعُوبِ: إنَّ اللَّهَ هو المَلِكُ؛ أتْقَنَ الدُّنْيا لِكَيْلا تَزُولَ؛ يَقْضِي بَيْنَ الشُّعُوبِ بِالعَدْلِ؛ تَفْرَحِ السَّماواتُ؛ وتَبْتَهِجِ الأرْضُ؛ يَنْقَلِبِ البَحْرُ في عُمْقِهِ؛ تَتَهَلَّلِ البِقاعُ وما فِيها؛ هُنالِكَ يُسَبِّحُ جَمِيعُ شَجَرِ الغِياضِ قُدّامَ الرَّبِّ)؛ وفي السّابِعِ والتِّسْعِينَ: (ولِلَّهِ تُسَبِّحُ كُلُّ الأرْضِ؛ مَجِّدُوا؛ وهَلِّلُوا؛ وسَبِّحُوا الرَّبَّ)؛ وفي الثّامِنِ والأرْبَعِينَ بَعْدَ المِائَةِ: (سَبِّحُوا الرَّبَّ مِنَ السَّماواتِ؛ سَبِّحُوهُ مِنَ العُلا؛ يا جَمِيعَ مَلائِكَتِهِ؛ وكُلُّ جُنُودِهِ تُسَبِّحُهُ؛ الشَّمْسُ والقَمَرُ يُسَبِّحانِهِ؛ وجَمِيعُ الكَواكِبِ؛ والنُّورِ؛ تُسَبِّحُهُ؛ يُسَبِّحُ الرَّبَّ سَماءُ الدُّنْيا؛ والمِياهُ الَّتِي فَوْقَ السَّماواتِ؛ تُسَبِّحُ جَمِيعًا اسْمَ الرَّبِّ؛ لِأنَّهُ قالَ؛ فَكانُوا؛ وأمَرَ؛ فَخُلِقُوا؛ وأقامَهم إلى الأبَدِ والدَّهْرِ؛ جَعَلَ لَها مُقَدَّرًا لا تَتَجاوَزُهُ؛ يُسَبِّحُ الرَّبَّ مَن في الأرْضِ؛ التَّنانِينُ؛ (p-٤٢٧)وجَمِيعُ الأعْماقِ؛ النّارُ؛ والبَرَدُ؛ والثَّلْجُ؛ والجَلِيدُ؛ والرِّيحُ العاصِفَةُ؛ عَمِلَتْ كَلِمَتُهُ الجِبالَ وكُلَّ الآكامِ؛ الشَّجَرَ المُثْمِرَةَ؛ وجَمِيعَ الأُرْزِ؛ السِّباعَ؛ وكُلَّ البَهائِمِ؛ والوُحُوشِ؛ وكُلَّ حَيَوانٍ؛ وكُلَّ طائِرٍ ذِي جَناحٍ؛ مُلُوكَ الأرْضِ؛ وسائِرَ الشُّعُوبِ العُظَماءِ؛ وجَمِيعَ حُكّامِ الأرْضِ؛ الشُّبّانَ؛ والعَذارى؛ والشُّيُوخَ؛ والصِّبْيانَ؛ يُسْبِّحُونَ اسْمَ الرَّبِّ؛ لِأنَّ اسْمَهُ قَدْ تَعالى وحْدَهُ)؛ وفي الخَمْسِينَ بَعْدَ المِائَةِ: (سَبِّحُوا اللَّهَ في كُلِّ قُدْسِهِ؛ سَبِّحُوهُ في جَلَدِ قُوَّتِهِ؛ سَبِّحُوهُ كَمِثْلِ جَبَرُوتِهِ؛ سَبِّحُوهُ بِكَثْرَةِ عَظَمَتِهِ؛ سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ القَرْنِ؛ وسَبِّحُوهُ بِأصْواتٍ عالِيَةٍ؛ كُلُّ نَسَمَةٍ تُسَبِّحُ الرَّبَّ).
ولَمّا كانَ تَسْبِيحُ جَمِيعِ المَخْلُوقاتِ أمْرًا واضِحَ الفَهْمِ؛ ظاهِرَ الشَّأْنِ؛ فَكانُوا مُسْتَحِقِّينَ لِلْعِقابِ في عَدَمِ فَهْمِهِ؛ بِعَدَمِ التَّأمُّلِ في المَصْنُوعاتِ حَقَّ التَّأمُّلِ؛ نَبَّهَهم عَلى أنَّ عافِيَتَهم إنَّما هي لِحِلْمِهِ عَنْهُمْ؛ فَهو يُنْظِرُهم إلى المُدَّةِ الَّتِي ضَرَبَها لَهُمْ؛ لِأنَّهُ لا يُعَجِّلُ لِتَنَزُّهِهِ عَنْ شَوائِبِ النَّقْصِ؛ الَّذِي نَطَقَ كُلُّ شَيْءٍ بِتَنْزِيهِهِ عَنْها؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿إنَّهُ كانَ حَلِيمًا﴾؛ حَيْثُ لا يُعاجِلُكم بِالعُقُوبَةِ عَلى إعْراضِكم عَنْ صَرْفِ الأفْكارِ فِيما (p-٤٢٨)أمَرَكم بِصَرْفِها إلَيْهِ.
ولَمّا كانَ الغالِبُ عَلى أحْوالِ البَشَرِ أنَّ حَلِيمَهم إذا غَضِبَ لا يَغْفِرُ؛ وإنْ عَفا كانَ عَفْوُهُ مُكَدَّرًا؛ قالَ (تَعالى): ﴿غَفُورًا﴾؛ مُشِيرًا بِصِيغَةِ المُبالَغَةِ إلى أنَّهُ عَلى غَيْرِ ذَلِكَ؛ تَرْغِيبًا في التَّوْبَةِ.
{"ayah":"تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّۚ وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَـٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِیحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِیمًا غَفُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق