الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ قال عروة بن الزبير في هذه الآية: يكون لهما ذلولًا، لا يمتنع من شيء أحَبَّاه [[أخرجه البخاري (8) "الأدب المفرد": باب لين الكلام لوالديه، بنحوه، وابن أبي شيبة 5/ 220 - بنحوه، و"الطبري" 15/ 66، بنحوه من عدة طرق، وورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 141، بنحوه، و"تفسير السمرقندي" 2/ 265 بنصه، و"الثعلبي" 7/ 107 أ، بنحوه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 310 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وذكره الألباني في "صحيح الأدب المفرد" رقم (8) ص 15.]]. وقال عطاء عن ابن عباس: لا يريدان منك أمرًا إلا أجبتهما إليه. وقال مقاتل: أَلِنْ لهما جانبك واخضع لهما، ولا تستصعب عليهما [["تفسير مقاتل" 1/ 214 أ، بمعناه.]]، هذا قول المفسرين. والخفض في اللغة ضد الرفع، والجناح هاهنا استعارة، وخفض الجناح: عبارة عن السكون، ويريد هاهنا تَرْكَ التعصب والإباء عليهم، والانقياد لهما، وأضاف الجناح إلى الذُّل؛ لأنه أراد تذَلَّلْ لهما، كما قال أبو إسحاق: أَلِنْ لهما جانبك مُتَذَلِّلًا لهما [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 235، بنصه.]]. وقال عطاء بن أبي رباح في هذه الآية: لا ترفع يدك عليهما [[ورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 141 بنصه، و"تفسير السمرقندي" 2/ 265، بنحوه، و"الدر المنثور" 4/ 310، ونسبته إلى ابن جرير -لم أجده- وابن المنذر وابن أبي حاتم.]]، وهذا ظاهر؛ لأن الجناح يُستعار كثيرًا في اليد؛ كقوله تعالى: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ [القصص: 32]. وقوله تعالى: ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ قال الزجاج: أي من مبالغتك في الرحمة لهما [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 235، بنصه.]]. وقوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا﴾ الآية. قال قتادة: هكذا علمتم وبهذا أمرتم فخذوا بتعليم الله وأدبه [[أخرجه "الطبري" 15/ 67، بنصه.]]، والمعنى: ﴿رَبِّ ارْحَمْهُمَا﴾: مثل تربيتهما إياي صغيرًا؛ أي مثل رحمتهما [إياي في صغري حتى ربياني، ولكنْ ذكرت التربية لأنها [[في (أ)، (د): (أنها)، والصحيح المثبت؛ لأنها تعليل.]] تدل على رحمتهما] [[ما بين المعقوفين ساقط من: (ش)، (ع).]]، وتُذَكِّرُ الولدَ شفقة الأبوين وما أصابهما من النصب في تربيته، فكأنه قيل: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا﴾: لرحمتهما [[في (ش): (كرحمتهما)، ومطموسة في (ع).]] إياي في صغري، والكاف في موضع نصب؛ لأنه نعت مصدر محذوف [[أي الكاف في قوله: ﴿كَمَا رَبَّيَانِي﴾، وقد قدَّر المحذوف الحوفي بقوله: ارحمهما رحمةً مثلَ تربيتهما لي، ووردت أقوال أخرى في الكاف وفي تقدير المحذوف. انظر: "الفريد في إعراب القرآن" 3/ 269، و"الدر المصون" 7/ 344.]]. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ثم أنزل الله بعد هذا قوله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [[أخرجه "الطبري" 15/ 67 بنصه، أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 311 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.]] الآية [التوبة: 113]، وقال قتادة: قوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا﴾ (منسوخ؛ لا ينبغي للمسلم أن يستغفر لوالديه إذا كانا مشركين [[ورد في "الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 490، بنحوه، انظر: "غرائب التفسير" 1/ 625 ذكره واستغربه ورده ورجح عدم النسخ، و"تفسير القرطبي" 10/ 244، == و"أبي حيان" 6/ 28، و"الدر المنثور" 4/ 311 وعزاه إلى ابن المنذر والنحاس وابن الأنباري في المصاحف، وروي النسخ عن ابن عباس كذلك، انظر: "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" ص 337، و"تفسير البغوي" 5/ 86، و"ابن عطية" 9/ 58، و"ابن الجوزي" 5/ 26، و"القرطبي" 10/ 244.]]، ولا يقول: رب ارحمهما) [[ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).]]. وذهب قوم إلى تخصيص قوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا﴾؛ يعنون أن هذا في الوالدين المسلمين [[ورد بنحوه في "تفسير الطبري" 15/ 68، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 490، و"الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" ص 337.]]، فالآية عامة، ومعناها خاص في المسلمين، ونحو هذا روى عطاء الخرساني عن ابن عباس في قوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ قال: ثم استثنى فقال: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية. فجعل النهي عن استغفار المشركين -وإن كانوا أقارب- استثناءً عن قوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا﴾: في المعنى [[ورد في "الناسخ والمنسوخ" للهروي ص 283، بنحوه.]]، وهذا أحسن من أن يحكم بالنسخ على الدعاء للوالدين بالرحمة [[وهذا القول هو الراجح، وأولى من دعوى النسخ؛ لإمكان الجمع بين الدليلين، ومتى أمكن الجمع فهو أولى من القول بالنسخ؛ لأن في النسخ إبطال أحد الدليلين، وفي القول بالتخصيص جمع بينهما، وعليه فالآية محكمة غير منسوخة. انظر: "الإيضاح" لمكي ص 338.]]. وقال سفيان، وسئل كم يدعو لوالديه: في اليوم مرةً أو في الشهر أو في السنة؟ قال: نرجو أن يجزيه إذا دعا لهما في دبر الصلوات؛ كما أن الله تعالى قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ الآية [الأحزاب: 56]، وكانوا يرون أن التشهد يجزي من الصلاة على النبيّ -ﷺ-، وكما أن الله قال: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]، فهم يكبرون في دبر الصلوات [[انظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 192، بنصه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب