الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً﴾ إلى قوله: ﴿كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾.
معنى الآية أن ظاهرها خطاب للنبي ﷺ والمراد به أمته، والمعنى لا تجعلوا مع الله شريكاً فيقعد كل واحد منكم مذموماً، أي: ملوماً على ما صنع "مخذولاً" أي: قد أسلمه ربه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾.
قال ابن عباس: قضى معناه: أمر. وفي حرف عبد الله: "ووصى ربك" وكذلك قرأها الضحاك و [الـ]ـمعنى أمر أن تفردوه بالعبادة فلا تجعلوا له شريكاً.
* * *
ثم قال: ﴿وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾.
أي: وأمركم أن تحسنوا بالوالدين إحساناً ومعنى "بالوالدين" إلى الوالدين.
* * *
وقوله: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا﴾.
من وحد يبلغن فلأنه فعل مقدم فاعله ﴿أَحَدُهُمَا﴾. ومن أظهر ضمير اثنين فلأنه تقدم ذكر الوالدين فثناهما لتقدم ذكرهما قبل الفعل. ويكون أحدهما مبتدأ وكلاهما معطوف عليه والخبر محذوف. وقيل: أن أحدهما أو كلاهما بدل من المضمر في يبلغن.
ثم قال [تعالى]: ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾ .
في "أف" سبعُ لغات: أفَّ بالفتح وأفِّ بالكسر، [و "أف"، بالكسر] والتنوين. فهذه ثلاث قرئ بهن وأربع لم يقرأ بهن وهن: أفّاً بالنصب والتنوين وأفٌّ بالضم والتنوين وأف بالضم غير منون. وحكى الأخفش: "أفي" بالياء.
فمن فتح أو ضم أو كسر حركة لالتقاء الساكنين. ومن فتح ونون اعمل الفعل فيه كما تقول: ما قتلت أفاً ولا تفاً. ومن كسر ونون كسر لالتقاء الساكنين وشبهه بالأصوات فنونه.
وقيل أن من نونه جعله نكرة، معناه: لا تقل لهما قبيحاً من القول. ومن لم ينونه جعله معرفة معناه: لا تقل لهما القبيح من القول.
وقيل [المنَوَّن] منه وغير المُنَوَّن سواء، وإنما يكون التنوين فرقاً بين المعرفة والنكرة فيما جاء ناقصاً على حرفين نحو مه وصه، ولكن شبه هذا بما جاء على حرفين من هذه فنون على التشبيه لأنه يعطى ذلك للمعنى من التعريف والتنكير.
ومن ضم حركة لالتقاء الساكنين. و [من] خصه بالضم على التشبيه بقبل وبعد. وقيل: ضم على الاتباع لضمة الهمزة كما تقول: مُدَّ. فتضم الدال اتباعاً لضمة الميم.
ومن نون المضموم فعلى القولين الأولين: على التشبيه بالأصوات [أو] للفرق بين المعرفة والنكرة. واستبعد الأخفش التنوين مع الضم. قال: لأنه ليس معه لام. كأنه يقدره إذا رفعه ونونه مرفوعاً بالابتداء. كما يقال: قيل: ويل له. وقال في نصبه بالتنوين: إنه مثل: تعساً له.
ومعنى: ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾ أي: أن يبلغا عندك من الكبر ما يحدثان عندك من الضعف تحتهما، فلا تقذرهما حين ترى الأذى. ولكن تمـ[ـيـ]ـط عنهما ذلك كما كانا يميطانـ[ـه] عنك صغيراً، قاله مجاهد.
وقيل معناه: لا تستثقلهما ولا تغلظ عليهما في القول ولا تتبرم عليهما. و[أ]صل هذا: أن الإنسان إذا وقع عليه غبار أو شيء فتأذى به نفخه فقال: "أف" وقيل الأف: وسخ الأظفار. والتف الشيء الحقير، نحو وسخ الأذن. والأول أشهر وأعرف.
* * *
وقوله: ﴿وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾.
[أي]: ولا تضجر عليهما وتصح. وقال عطاء: لا تنفض يديك على والديك.
﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾، قال ابن جريج: أحسن ما تجد من القول. وعن عمر ابن الخطاب [رضي الله عنه] أنه قال: لا تمتنع من شيء يريدانه. وقال قتادة: ﴿قَوْلاً كَرِيماً﴾ سهلاً ليناً. وقال ابن المسيب: هو قول العبد المذنب الذليل للسيد الفظ الغليظ.
* * *
ثم قال: ﴿وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ﴾.
أي: كن لهما ذليلاً، رحمة منك لهما وتعظيماً فيما أمر[ا]ك به مما ليس معصية [لله عز وجل]. هذا قول عروة بن الزبير. وعنه أيضاً أن معناه: لا تمتنع من شيء أحباه.
والذل والذلة: مصدر الذليل. والذل: بكسر الذال من غيرهما، مصدر الذلول. نقول دابة ذلول بينة الذل إذا كانت لينة. ومنه قوله:
﴿ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً﴾ [الملك: ١٥].
وقرأ ابن جبير والجحدري "الذِل" بكسر الذال، بمعنى: ألِنْ لهما جانبك واسمح لهما. يقال رجل ذلول بين الذل إذا كان سمحاً لينا مواتياً. ومنه
﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً﴾ [الإنسان: ١٤].
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾.
أي: وقل: يا رب اعطف عليهما برحمتك كما عطفا عليّ في صغر[ي] فرحماني وربياني صغيراً.
وروى عن النبي ﷺ أنه قال ذات يوم وهو رافع صوته: "من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار بعد ذلك فأبعده الله وأسحقه". وكانوا يرون أن من بر والديه، وكان فيه أدنى تقى، فإن ذلك مبلغه جسيم بالخير.
و [قد] قال بعض العلماء أن قوله: ﴿رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ منسوخ بالنهي عن الاستغفار للمشركين.
وقال بعضهم: الآية مخصوصة في المؤمنين خاصة.
وقيل: هي عامة إلا لمن مات من المشركين، فلا يستغفر له. فأما إذا كانا مشركين حَيَّيْنِ، فيجوز للمسلم أن يستغفر لهما كما فعل إبراهيم [ﷺ] خليل الرحمن [عز وجل].
ويروى أن رجلاً قال: يا رسول الله هل بقي علي من بر والدي شيء أبرهما [به] بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما [يعني] الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وإنفاد عهدهما، وصلة الرحم التي لا يوصل إلا بهما
{"ayahs_start":22,"ayahs":["لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومࣰا مَّخۡذُولࣰا","۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِیَّاهُ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنًاۚ إِمَّا یَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَاۤ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَاۤ أُفࣲّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلࣰا كَرِیمࣰا","وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّیَانِی صَغِیرࣰا"],"ayah":"وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّیَانِی صَغِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق