الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾، الخزائن جمع الخزانة، وهي اسم المكان الذي يُخزن [[في (أ)، (د): (يحرز)، والمثبت من (ش)، (ع) وهو المتفق مع لفظ الآية، وموافق للمصدر.]] فيه الشيء أي يحفظ، والخزانة أيضًا عمل الخازن [[ورد في "تهذيب اللغة" (خزن) 1/ 1027 بنصه تقريباً، وانظر: (خزن) في "المحيط في اللغة" 4/ 277، "القاموس" ص 1193.]]، ويقال خَزَنَ الشيءَ يَخْزِنه إذا أحرزه في خِزَانةٍ [[المصدر السابق بنصه، وهو قول الليث.]]، وعامة المفسرين على أن المراد بقوله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ﴾ أي من المطر [[ورد في: "تفسير الطبري" 14/ 18، و"تفسير السمرقندي" 2/ 217، والثعلبي 2/ 147 أ، والماوردي 3/ 155، و"تفسير ابن عطية" 8/ 295، وابن الجوزي 4/ 392، والفخر الرازي 19/ 174، و"تفسير القرطبي" 10/ 14، والخازن 3/ 93، وهذا التخصيص بالمطر فيه تحكم في اللفظ العام دون دليل قوي، وقد اعترض عليه جماعة من المفسرين المحققين، منهم: ابن عطية والفخر الرازي والشوكاني وصديق خان، يقول الشوكاني: (إنْ) هي النافية و (مِنْ) مزيدة للتأكيد، وهذا التركيب عام؛ لوقوع النكرة في حيز النفي مع زيادة من، ومع لفظ شيء المتناول لكل الموجودات الصادق على كل فرد منها، فأفاد ذلك أن جميع الأشياء عند الله خزائنها لا يخرج منها شيء "تفسير الشوكاني" 3/ 182.]]؛ وذلك أنه سبب الرزق ومعايش بني آدم وغيرهم من الطيور والوحوش، فلما ذكر أنه يعطيهم المعاش بيَّن أن خزائن المطر الذي هو سبب المعاش عنده، أي: في أمره وحكمه وتدبيره. وقوله تعالى: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾، قال ابن عباس: يريد ما يكفي خلقي، وقال الحكم: ما من عام بأكثرَ مطرٍ من عام، ولكنه يُمْطَرُ قومٌ ويُحْرَمُ آخرون، وربما كان البحر [["أخرجه الطبري" 14/ 19 بنصه، وورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 147 أبنصه، "تفسير الفخر الرازي" 19/ 174، "تفسير القرطبي" 10/ 14، ابن كثير 2/ 603، "الدر المنثور" 4/ 178 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة، وقد أخرجه أبو الشيخ في العظمة ص 324، لكن عن الحسن لا عن الحكم كما قال السيوطي.]]؛ يعني أن الله تعالى ينزل المطر كل عام قدر معلوم لا ينقصه ولا يزيده، غير أنه يصرفه إلى من شاء حيث شاء كما شاء، وقال أهل المعاني في هذه الآية: خزائن الله جل وعز مَقْدُوراته [[انظر: "غرائب التفسير" 1/ 589، "تفسير ابن الجوزي" 4/ 392، الفخر الرازي 19/ 174، "تفسير القرطبي" 10/ 14، الخازن 3/ 93.]]؛ لأنه يُقِّدر أن يوجد ما يشاء من جميع أجناس المعاني، وهذا معنى قول ابن عباس في هذه الآية: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾ قال: يريد أَمْلِكُ خزائنه، وأقول كن فيكون [[في "تنوير المقباس" ص 277 قال: بيدنا مفاتيحه لا بأيديكم، وعنه في الدر المنثور قال: ما نقص المطر منذ أنزله الله، ولكن تمطر أرض أكثر مما تمطر الأخرى. "الدر المنثور" 4/ 178، وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]]، يعني أنه تعالى ذِكْرُه لما قَدَرَ على إنشاء ما يريد كما يريد، صارت الأشياءُ كأنها عنده في خزائنها مُعَدَّةٌ، وعلى هذا معنى قوله: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ أي ما ننشئه وما نحدثه، والإنزال يكون بمعنى الإنشاء والإحداث كقوله: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الزمر: 6]، وقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ [الحديد: 25] وقد مر [[لعل الأولى أن يقول وسيأتي.]]، والمعنى أنّا ما نخلقه إلا بقدر معلوم لنا، ولو شئنا أن نخلق أضعاف ذلك قدرنا عليه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب