الباحث القرآني

(فائِدَة) قَول الله تَعالى ﴿وَإن من شَيْء إلّا عندنا خزائنه﴾ مُتَضَمّن لكنز من الكُنُوز وهو أن يطْلب كل شَيْء لا يطْلب إلّا مِمَّن عِنْده خزائنه ومفاتيح تِلْكَ الخزائن بيدَيْهِ وأن طلبه من غَيره طلب مِمَّن لَيْسَ عِنْده ولا يقدر عَلَيْهِ. وَقَوله ﴿وَأنَّ إلى رَبِّكَ المُنْتَهى﴾ مُتَضَمّن لكنز عَظِيم وهو أن كل مُراد إن لم يرد لأجله ويتصل بِهِ وإلّا فَهو مضمحل مُنْقَطع فَإنَّهُ لَيْسَ إلَيْهِ المُنْتَهى، ولَيْسَ المُنْتَهى إلّا إلى الَّذِي انْتَهَت إلَيْهِ الأُمُور كلها فانتهت إلى خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه فَهو غايَة كل مَطْلُوب وكل مَحْبُوب لا يحب لأجله فمحبته عناء وعَذاب وكل عمل لا يُراد لأجله فَهو ضائع وباطل، وكل قلب لا يصل إلَيْهِ فَهو شقي مَحْجُوب عَن سعادته وفلاحه فاجْتمع ما يُراد مِنهُ كُله في قَوْله ﴿وَإن من شَيْء إلّا عندنا خزائنه﴾ واجْتمعَ ما يُراد لَهُ كُله في قَوْله ﴿وَأنَّ إلى رَبِّكَ المُنْتَهى﴾ فَلَيْسَ وراءه سُبْحانَهُ غايَة تطلب ولَيْسَ دونه غايَة إلَيْها المُنْتَهى. وَتَحْت هَذا سر عَظِيم من أسرار التَّوْحِيد وهو أن القلب لا يسْتَقرّ ولا يطمئن ويسكن إلّا بالوصول إلَيْهِ وكل ما سواهُ مِمّا يحب ويُراد فمراد لغيره ولَيْسَ المُراد المحبوب لذاته إلّا واحِد إلَيْهِ المُنْتَهى ويستحيل أن يكون المُنْتَهى إلى اثْنَيْنِ كَما يَسْتَحِيل أن يكون ابْتِداء المَخْلُوقات من اثْنَيْنِ فَمن كانَ انْتِهاء محبته ورغبته وإرادته وطاعته إلى غَيره بَطل عَلَيْهِ ذَلِك وزالَ عَنهُ وفارقه أحْوج ما كانَ إلَيْهِ ومن كانَ انْتِهاء محبته ورغبته ورهبته وطَلَبه هو سُبْحانَهُ ظفر بنعمه ولذته وبهجته وسعادته أبَد الآباد العَبْد دائِما متقلب بَين أحْكام الأوامِر وأحْكام النَّوازِل فَهو مُحْتاج بل مُضْطَر إلى العون عند الأوامِر وإلى اللطف عند النَّوازِل وعَلى قدر قِيامه بالأوامر يحصل لَهُ من اللطف عند النَّوازِل فَإن كمل القيام بالأوامر ظاهرا وباطنا ناله اللطف ظاهرا وباطنا وإن قامَ بصورها دون حقائقها وبواطنها ناله اللطف في الظّاهِر وقل نصِيبه من اللطف في الباطِن فَإن قلت وما اللطف الباطِن فَهو ما يحصل للقلب عند النَّوازِل من السكينَة والطمأنينة وزَوال القلق والِاضْطِراب والجزع فيستخذى بَين يَدي سيّده ذليلا لَهُ مستكينا ناظرا إلَيْهِ بِقَلْبِه ساكِنا إلَيْهِ بِرُوحِهِ وسره قد شغله مُشاهدَة لطفه بِهِ عَن شدَّة ما هو فِيهِ من الألَم وقد غيّبه عَن شُهُود ذَلِك مَعْرفَته بِحسن اخْتِياره لَهُ وأنه عبد مَحْض يجْرِي عَلَيْهِ سيّده أحْكامه رَضِي أو سخط فَإن رَضِي نالَ الرِّضا وإن سخط فحظه السخط فَهَذا اللطف الباطِن ثَمَرَة تِلْكَ المُعامَلَة الباطِنَة يزِيد بزيادتها وينْقص بنقصانها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب