الباحث القرآني

(p-72)﴿وَإنْ مِن شَيْءٍ﴾ "إنْ" لِلنَّفْيِ و "مِن" مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، و "شَيْءٍ" في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ، أيْ: ما مِن شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ المُمْكِنَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ ما ذُكِرَ دُخُولًا أوَّلِيًّا، ﴿إلا عِنْدَنا خَزائِنُهُ﴾ الظَّرْفُ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ. وخَزائِنُهُ مُرْتَفِعٌ بِهِ عَلى أنَّهُ فاعِلُهُ لِاعْتِمادِهِ، أوْ خَبَرٌ لَهُ. والجُمْلَةُ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ الأوَّلِ. والخَزائِنُ: جَمْعُ الخِزانَةِ: وهي ما يُحْفَظُ فِيهِ نَفائِسُ الأمْوالِ لا غَيْرُ، غَلَبَ في العُرْفِ عَلى ما لِلْمُلُوكِ والسَّلاطِينِ مِن خَزائِنِ أرْزاقِ النّاسِ، شُبِّهَتْ مَقْدُوراتُهُ تَعالى الفائِتَةُ لِلْحَصْرِ المُنْدَرِجَةِ تَحْتَ قدرته الشّامِلَةِ، في كَوْنِها مَسْتُورَةً عَنْ عُلُومِ العالَمِينَ، ومَصُونَةً عَنْ وُصُولِ أيْدِيهِمْ مَعَ كَمالِ افْتِقارِهِمْ إلَيْها، ورَغْبَتِهِمْ فِيها، وكَوْنِها مُهَيَّأةً مُتَأتِّيَةً لِإيجادِهِ، وتَكْوِينِهِ. بِحَيْثُ مَتى تَعَلَّقَتِ الإرادَةُ بِوُجُودِها وُجِدَتْ بِلا تَأخُّرٍ بِنَفائِسِ الأمْوالِ المَخْزُونَةِ في الخَزائِنِ السُّلْطانِيَّةِ. فَذِكْرُ الخَزائِنِ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعارَةِ التَّخْيِيلِيَّةِ. ﴿وَما نُنَزِّلُهُ﴾ أيْ: ما نُوجِدُ، وما نُكَوِّنُ شَيْئًا مِن تِلْكَ الأشْياءِ مُلْتَبِسًا بِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ. ﴿إلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ أيْ: إلّا مُلْتَبِسًا بِمِقْدارٍ مُعَيَّنٍ تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ، وتَسْتَدْعِيهِ المَشِيئَةُ التّابِعَةُ لَها لا بِما تَقْتَضِيهِ القُدْرَةُ، فَإنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَناهٍ، فَإنَّ تَخْصِيصَ كُلِّ شَيْءٍ بِصِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وقَدْرٍ مُعَيَّنٍ، ووَقْتٍ مَحْدُودٍ دُونَ ما عَدا ذَلِكَ مَعَ اسْتِواءِ الكُلِّ في الإمْكانِ، واسْتِحْقاقِ تَعَلُّقِ القُدْرَةِ بِهِ لا بُدَّ لَهُ مِن حِكْمَةٍ تَقْتَضِي اخْتِصاصَ كُلٍّ مِن ذَلِكَ بِما اخْتَصَّ بِهِ، وهَذا البَيانُ سِرُّ عَدَمِ تَكْوِينِ الأشْياءِ عَلى وجْهِ الكَثْرَةِ حَسْبَما هو في خَزائِنِ القُدْرَةِ. وهو إمّا عَطْفٌ عَلى مُقَدَّرٍ، أيْ: نُنْزِلُهُ وما نُنْزِلُهُ... إلَخْ. أوْ حالٌ مِمّا سَبَقَ، أيْ: عِنْدَنا خَزائِنُ كُلِّ شَيْءٍ. والحالُ أنّا ما نُنْزِلُهُ إلّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ، فالأوَّلُ: لِبَيانِ سِعَةِ القُدْرَةِ. والثّانِي: لِبَيانِ بالِغِ الحِكْمَةِ، وحَيْثُ كانَ إنْشاءُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّفَضُّلِ مِنَ العالَمِ العُلْوِيِّ إلى العِلْمِ السُّفْلِيِّ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأنْزَلَ لَكم مِنَ الأنْعامِ ثَمانِيَةَ أزْواجٍ﴾ وكانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّدْرِيجِ عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّنْزِيلِ، وصِيغَةُ المُضارِعِ لِلدَّلالَةِ عَلى الِاسْتِمْرارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب