فقال: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ﴾ قال قتادة [[الطبري 13/ 97، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 83، و"زاد المسير" 4/ 302.]]: قرى قريب بعضها من بعض.
ومعنى المتجاورات: المتدانيات المتفاوتات في الكلام [[كذا في النسخ ولعلها (الكلأ).]].
قال مجاهد [[الطبري 13/ 97، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 83، و"زاد المسير" 4/ 302.]] وابن عباس [[الطبري 13/ 97 - 98، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 83، و"زاد المسير" 4/ 302. وهو قول عطاء كما في "تفسيره" ص 104.]] والضحاك [[الطبري 13/ 98، و"زاد المسير" 4/ 302.]]، يعني في الأرض منها عذبة ومنها مالحة، ومنها طيبة تنبت، ومنها سبخة لا تنبت، ونحو هذا قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 58.]]، ولا دليل في الآية على ما ذكروا؛ لأن قوله ﴿قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ﴾ ليس فيه ما يدل على اختلافها في العذوبة والملوحة، وإنما تتبين الفائدة عند قوله: ﴿يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ﴾ وقد كشف ابن الأنباري على هذا، فموضع الآية ومحل الأعجوبة، أن القطع المتجاورة تنبت نباتًا مختلفًا، منه الحلو والعذب والحامض البعيد من الحلاوة، وشربها واحد ومكانها مجتمع لا تفاوت بينها ولا تباين، وفي هذا أوضح آية على نفاذ قدرة الله.
وقوله تعالى: ﴿وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ﴾ الجنة [["اللسان" (جنن) 2/ 705.]]: البستان الذي تجنه الشجر، والمعنى: جنات من أعناب ومن زرع ومن نخيل، والدليل على أن الأرض إذا كان فيها النخل والكرم والزرع [[في (أ)، (ج): (فالزرع).]] تسمى جنة، قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا﴾ [الكهف: 32] والنخيل: جمع نخل، يقال: نخلة، والجماعة نخل ونخيل، وثلاث نخلات.
ومن قرأ [[قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص (وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغير صنوان) بالرفع، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي (وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان) خفضًا. انظر: "السبعة" ص 356، و"إتحاف" ص 269، والطبري 13/ 89 - 99، و"زاد المسير" 4/ 302، والقرطبي 9/ 282.]] ﴿وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ﴾ بالرفع حملهما [[في (أ)، (ج): (حملها).]] علي قوله ﴿وَفِي الْأَرْضِ﴾ ولم يحملهما على الجنات، والجنة على هذا واقعة على الأرض التي فيها الأعناب دون غيرها.
وقوله تعالى: ﴿صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ﴾ قال أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 1/ 322.]]: الصنوان صفة للنخيل، وهي أن يكون الأصل واحداً ثم يتفرع فيصير نخيلاً، ثم يحملن، وهذا قول جميع أهل التفسير واللغة، قال ابن عباس [[الطبري 13/ 99 - 100، وابن المنذر، وابن أبي حاتم 7/ 2220، وانظر: "الدر" 4/ 84. وهو قول عطاء كما في "تفسيره" ص 104.]]: (صنوان)؛ ما كان من نخلتين أو ثلاث أو أكثر إذا كان أصلهن واحداً، و (غير صنوان) يريد: المتفرق [[في (ج): (المفترق).]] الذي هو واحدٌ واحد لا يجمعهما أصل واحد.
وقال البراء بن عازب [[الطبري 13/ 99، والفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2221، وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر" 4/ 63، والقرطبي 9/ 282، و"معاني القرآن" للنحاس 3/ 470.]]: الصنوان المجتمع، وغير الصنوان المتفرق [[في (ج): (المفترق).]].
وقال ابن الأنباري: الصنوان ما اجتمع أصله من النخل، والذي يفترق أصله فليس بصنوان، يقال: هذا صنو فلان، إذا كان أصلهما واحداً، ومنه قوله ﷺ: "إن عم الرجل صنو أبيه" [[أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (983) كتاب الزكاة، باب تقديم الزكاة، وأحمد في "مسنده" 2/ 322، 323، والترمذي (3761) كتاب: المناقب، باب مناقب العباس مختصرًا. وأخرجه الطبري 13/ 100 - 101.]] يعني أن أصلهما واحد
قال أبو عبيد [["غريب الحديث" 1/ 217، و"التهذيب" (صنو) 2/ 2061.]]: وأصل الصنو إنما هو في النخل، وقال شمر [["التهذيب" (صنو) 2/ 2561.]]: يقال: فلان صنو فلان، أي: أخوه، ولا يسمى صنوًا حتى يكون معه آخر، فهما حينئذ صنوان، وكل واحد منهما صنو صاحبه.
وقال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 138.]]: ويجوز في صنو أصناء، مثل عدل وأعدال، فإذا كثرت فهو الصّني والصنى.
وقال أبو علي [["الحجة" 5/ 9.]]: الكسرة التي في صنوان ليست بالكسرة التي في صنو؛ لأن تلك قد حذفت في التكسير، وعاقبتها الكسرة التي يجلبها التكسير، وقد ذكرنا هذا في نظيره من الكلام، وهو قنوان في قوله: ﴿قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: 99] مستقصى، وروى القواس عن حفص [[قال ابن مجاهد: حدثني الحسن بن العباس عن الحُلْواني عن القواس عن حفص. عن عاصم (صُنوانٌ) بضم الصاد والتنوين، ولم يقله غيره عن حفص، اهـ. "السبعة" ص 356.]] "صُنوانٌ" بضم الصاد، جعله مثل: ذيب وذوبان، وربما تعاقب فِعْلان وفُعْلان على البناء الواحد، نحو: حُش وحُشان.
قال أبو علي [["الحجة" 5/ 9.]]: وأظن سيبويه قد حكى فيه الضم، والكسر أكثر في الاستعمال.
وقوله تعالى: ﴿يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ﴾ أي يُسقى هذه الأشياء بماء التي ذكرها من القطع المتجاورة، والجنات والنخيل المختلفهَ، ومن قرأ [[اختلف القراء في الياء والتاء من قوله (يُسْقَى)، وفي النون والياء من قوله (ونُفضِّل). فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (تُسقى) بالتاء (ونفضل) بالنون، وقرأ حمزة والكسائي (تسقى) بالتاء ممالة القاف (ويفضل) بالياء مكسورة الضاد، وقرأ عاصم وابن عامر (يسقى) بالياء (ونُفضَّل) بالنون. انظر: "السبعة" ص 356، و"إتحاف" ص 269، والطبري 13/ 101 - 102، و"زاد المسير" 4/ 303، والقرطبي 9/ 289.]] ﴿يُسْقَى﴾ بالياء، كان التقدير: يسقى ما قصصناه وما ذكرناه، قال ابن عباس [["تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 294 بنحوه.]]: يريد البئر واحد، والشرب واحد، والجنس واحد، ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ يخبر بعجائبه وقدرته في خلقه، وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أ: ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾. قال: "الفارسي [[الفارسي من التمر، لعله البرني، وهو ضرب من التمر أصفر مدور، عذب الحلاوة وهو أجوده. تعليق محمود شاكر على الطبري 13/ 103.]] والدَّقل [[الدقل: أردأ أنواع التمر.]] والحلو والحامض" [[أخرجه الترمذي (3118) كتاب تفسير القرآن، باب ومن تفسير سورة الرعد، ولكنه قدم الدقل على الفارسي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/ 65.
وأخرجه الطبري 13/ 103، وعلق عليه أحمد شاكر بقوله "فهذا إسناد كما ترى فيه من الهلاك، وانفراد الضعيف به فيه ما فيه، فكيف جاز للترمذي أن يحسنه مع == هذه القوادح التي تقدح فيه من نواحيه اهـ. تعليق الطبري 16/ 345.
وروى عن ابن عباس نحوه كما في الطبري 13/ 103.
وأخرجه ابن المنذر والبزار وأبوالشيخ وابن مردويه، وابن أبي حاتم 7/ 2221، وانظر: "الدر" 4/ 85.]].
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس [[الطبري 13/ 103 بنحوه "تنوير المقباس" ص 155.]] قال: يعني تُسْقَى القطع [[ليس (ج).]] كلها بماء السماء، و ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ يعني اختلاف الطعم والشجر.
وقال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 138.]]: والأُكُل الثمر الذي يؤكل، ويفصّل الآيات بالياء؛ لأنه جرى ذكر الله تعالى، فالمعنى: يُفصِّلُ الله الآيات، وكذلك من قرأ بالنون؛ لأن الإخبار عن الله تعالى بلفظ الجماعة كقوله "إنا نحن"، وقال غيره [[انظر: "تهذيب اللغة" (أكل) 1/ 176، و"اللسان" (أكل) 1/ 100 - 101.]]: الأكل المهيأ للأكل، ومنه قيل: للرزق الأُكْل، يقال: فلان كثير الأُكْل من الدنيا.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
قال ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 155 بنحوه.]]: يريد أهل الإيمان وهم أهل العقل الذين لم يجعلوا لله [[في (أ)، (ج): (الله).]] ندًّا، وهذا دليل على أنه لم يجعل الكفار أهل عقل كعقل المؤمنين؛ لأنهم لم يستدلوا بهذه الأشياء على توحيد الصانع كما استدل أهل الإيمان.
{"ayah":"وَفِی ٱلۡأَرۡضِ قِطَعࣱ مُّتَجَـٰوِرَ ٰتࣱ وَجَنَّـٰتࣱ مِّنۡ أَعۡنَـٰبࣲ وَزَرۡعࣱ وَنَخِیلࣱ صِنۡوَانࣱ وَغَیۡرُ صِنۡوَانࣲ یُسۡقَىٰ بِمَاۤءࣲ وَ ٰحِدࣲ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فِی ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ"}