قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ﴾ أيْ بَسَطَها لِلِاسْتِقْرارِ عَلَيْها، رَدًّا عَلى مَن زَعَمَ أنَّها مُسْتَدِيرَةٌ كالكُرَةِ.
﴿وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ﴾ أيْ جِبالًا، واحِدُها راسِيَةٌ؛ لِأنَّ الأرْضَ تَرْسُو بِها، أيْ تَثْبُتُ.
قالَ جَمِيلٌ:(p-٩٣)
؎ أُحِبُّهُ والَّذِي أرْسى قَواعِدَهُ حُبًّا إذا ظَهَرَتْ آياتُهُ بَطَنا
قالَ عَطاءٌ: أوَّلُ جَبَلٍ وُضِعَ عَلى الأرْضِ أبُو قُبَيْسٍ.
﴿وَأنْهارًا﴾ وفِيها مِن مَنافِعِ الخَلْقِ شُرْبُ الحَيَوانِ ونَباتُ الأرْضِ ومَغِيضُ الأمْطارِ ومَسالِكُ الفُلْكِ.
﴿وَمِن كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ أحَدُ الزَّوْجَيْنِ ذَكَرٌ وأُنْثى كَفُحُولِ النَّخْلِ وإناثِها، كَذَلِكَ كُلُّ النَّباتِ وإنْ خَفِيَ.
والزَّوْجُ الآخَرُ حُلْوٌ وحامِضٌ، أوْ عَذْبٌ ومالِحٌ، أوْ أبْيَضُ وأسْوَدُ، أوْ أحْمَرُ وأصْفَرُ، فَإنَّ كُلَّ جِنْسٍ مِنَ الثِّمارِ ذُو نَوْعَيْنِ، فَصارَ كُلُّ ثَمَرٍ ذِي نَوْعَيْنِ زَوْجَيْنِ، وهي أرْبَعَةُ أنْواعٍ.
﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾ مَعْناهُ يُغْشِي ظُلْمَةَ اللَّيْلِ ضَوْءَ النَّهارِ، ويُغْشِي ضَوْءَ النَّهارِ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ المُتَجاوِراتِ المُدُنُ وما كانَ عامِرًا، وغَيْرَ المُتَجاوِراتِ الصَّحارِي وما كانَ غَيْرَ عامِرٍ.
الثّانِي: أيْ مُتَجاوِراتٌ في المَدى، مُخْتَلِفاتٌ في التَّفاضُلِ.
وَفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنْ يَتَّصِلَ ما يَكُونُ نَباتُهُ مُرًّا.
الثّانِي: أنْ تَتَّصِلَ المُعَذَّبَةُ الَّتِي تُنْبِتُ بِالسَّبْخَةِ الَّتِي لا تُنْبِتُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
﴿وَجَنّاتٌ مِن أعْنابٍ وزَرْعٌ ونَخِيلٌ صِنْوانٌ وغَيْرُ صِنْوانٍ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّ الصِّنْوانَ المُجْتَمِعُ، وغَيْرَ الصِّنْوانِ المُفْتَرِقُ، قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
قالَ الشّاعِرُ:
؎ العِلْمُ والحِلْمُ خُلَّتا كَرَمٍ ∗∗∗ لِلْمَرْءِ زَيْنٌ إذا هُما اجْتَمَعا ∗∗∗ صِنْوانُ لا يَسْتَتِمُّ حُسْنُهُما ∗∗∗ إلّا بِجَمْعِ ذا وذاكَ مَعا
(p-٩٤)الثّانِي: أنَّ الصِّنْوانَ النَّخَلاتُ يَكُونُ أصْلُها واحِدًا، وغَيْرُ صِنْوانٍ أنْ تَكُونَ أُصُولُها شَتّى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والبَراءُ بْنُ عازِبٍ.
الثّالِثُ: أنَّ الصِّنْوانَ الأشْكالُ، وغَيْرَ الصِّنْوانِ المُخْتَلِفُ، قالَهُ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ.
الرّابِعُ: أنَّ الصِّنْوانَ الفَسِيلُ يُقْطَعُ مِن أُمَّهاتِهِ، وهو مَعْرُوفٌ، وغَيْرَ الصِّنْوانِ ما يَنْبُتُ مِنَ النَّوى، وهو غَيْرُ مَعْرُوفٍ حَتّى يُعْرَفَ، وأصْلُ النَّخْلِ الغَرِيبُ مِن هَذا، قالَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسى.
﴿يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ونُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ في الأُكُلِ﴾ فَبَعْضُهُ حُلْوٌ، وبَعْضُهُ حامِضٌ، وبَعْضُهُ أصْفَرُ، وبَعْضُهُ أحْمَرُ، وبَعْضُهُ قَلِيلٌ، وبَعْضُهُ كَثِيرٌ.
﴿إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ في اخْتِلافِ ذَلِكَ اعْتِبارًا يَدُلُّ ذَوِي العُقُولِ عَلى عَظِيمِ القُدْرَةِ، وهو مَعْنى قَوْلِ الضَّحّاكِ.
الثّانِي: أنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعالى لِبَنِي آدَمَ، أصْلُهم واحِدٌ وهم مُخْتَلِفُونَ في الخَيْرِ والشَّرِّ والإيمانِ والكُفْرِ كاخْتِلافِ الثِّمارِ الَّتِي تُسْقى بِماءٍ واحِدٍ، قالَهُ الحَسَنُ.
{"ayahs_start":3,"ayahs":["وَهُوَ ٱلَّذِی مَدَّ ٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ فِیهَا رَوَ ٰسِیَ وَأَنۡهَـٰرࣰاۖ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰتِ جَعَلَ فِیهَا زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِۖ یُغۡشِی ٱلَّیۡلَ ٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ","وَفِی ٱلۡأَرۡضِ قِطَعࣱ مُّتَجَـٰوِرَ ٰتࣱ وَجَنَّـٰتࣱ مِّنۡ أَعۡنَـٰبࣲ وَزَرۡعࣱ وَنَخِیلࣱ صِنۡوَانࣱ وَغَیۡرُ صِنۡوَانࣲ یُسۡقَىٰ بِمَاۤءࣲ وَ ٰحِدࣲ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فِی ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ"],"ayah":"وَفِی ٱلۡأَرۡضِ قِطَعࣱ مُّتَجَـٰوِرَ ٰتࣱ وَجَنَّـٰتࣱ مِّنۡ أَعۡنَـٰبࣲ وَزَرۡعࣱ وَنَخِیلࣱ صِنۡوَانࣱ وَغَیۡرُ صِنۡوَانࣲ یُسۡقَىٰ بِمَاۤءࣲ وَ ٰحِدࣲ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فِی ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ"}