الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ﴾ قال المفسرون [[الثعلبي 7/ 102 ب، القرطبي 9/ 247، البغوي 4/ 267.]]: لما بلغ يعقوب خبر حبس بنيامين، تتام حزنه، وبلغ الجهد، وهاج ذلك وجده بيوسف؛ لأنه كان يتسلى بأخيه منه، فعند ذلك تولى عنهم. قال ابن عباس [[ذكره الثعلبي 7/ 102 ب، البغوي 267، "زاد المسير" 4/ 269.]] وغيره: أعرض عنهم. ﴿وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾، الأسف: الحزن على ما فات، قال الليث [["تهذيب اللغة" (أسف) 1/ 161، و"اللسان" (أسف) 1/ 79.]]: إذا جاءك أمر فحزنت له ولم تطقه فأنت آسف، أي: حزين ومتأسف أيضاً، قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 125.]]: والأصل يا أسفي، إلا أن ياء الإضافة يجوز أن تبدل ألفاً، لخفة الألف والفتحة، ومضى الكلام في هذا وفي نداء غير ما يعقل، ومعنى ذلك في مواضع. وقوله تعالى: ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ مما يدل على تجدد وجده بيوسف لفقد بنيامين [[في (ب): (ابن يامين).]]، وكذلك الحزن يجر الحزن ونكاء القرح بالقرح أوجع، وقد قال متمم بن نويرة [[هو متمم بن نويرة بن جمرة بن ثعلبة بن يربوع أبو نهشل، صحابي، شاعر فحل، اشتهر في الجاهلية والإسلام، أشهر شعره رثاؤه لأخيه مالك، توفي سنة 30هـ، == انظر: "الشعر والشعراء" ص 209، والبيتان في "شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي 2/ 797، الحماسية (265) وفيها: (وقالوا أتبكي ..).]]: فقال أتبكى كلَّ قَبْرٍ رَأيْتَه ... لقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللّوَى والدَّكَادِك فقلتُ له إنَّ الأسَى يَبْعَثُ الأسَى .... فَدَعْني [[) (فدعني) ساقط من (ج).]] فهذا كله قَبْرُ مَالِكِ وذلك أنه رأى قبرًا فتجدد حزنه على أخيه مالك، وليم على ذلك، فأجاب بأن الأسى يبعث الأسى، عامة أهل العلم [[القرطبي 9/ 249، و"زاد المسير" 4/ 270، ابن عطية 8/ 50، الرازي 18/ 193.]]: على أن قول يعقوب عليه السلام: ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ ليس منه جزعًا مذمومًا يوجب الإثم؛ لأن الحزن مع حفظ اللسان من الشكوى من الله تعالى كاسب أجرًا وموجب مثوبة، يدل على هذا ما روي [[أخرجه ابن جرير الطبري 13/ 46 بسنده إلى ليث بن أبي سليم في هذه وغيره بأسانيد مختلفة، الطبري 13/ 46 - 48. وأخرجه ابن أبي شيبة عن خلف بن حوشب، وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2186، وأبو الشيخ عن وهب بن منبه كما في "الدر" 4/ 56.]]: أن يوسف قال لجبريل: هل لك علم بيعقوب، قال: نعم، قال: فكيف حزنه، قال: حزن سبعين ثكلى، قال: فهل له في ذلك من أجر؟ قال: نعم أجر مائة شهيد. قال ابن عباس [[الطبري 3883، وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2185، وانظر. "الدر" 4/ 56.]] في قوله: ﴿يَا أَسَفَى﴾: يا طول حزني على يوسف. قال الحسن [[الطبري 13/ 48 وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 56.]]: كان بين خروج يوسف من حجر يعقوب إلى يوم التقى معه ثمانون عامًا، لا تجف عينا يعقوب، وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب. وقال قتادة [[الطبري 13/ 39، وابن أبي شيبة وابن المنذر كما في "الدر" 4/ 56، عبد الرزاق 2/ 327.]]: يا حزني على يوسف، وقال مجاهد [[الطبري 13/ 38 - 39، وابن أبي شيبة وابن المنذر كما في "الدر" 4/ 56، الثعلبي 7/ 102 ب.]]: يا جزعى على يوسف، قال أبو بكر: فمن بني على هذا المذهب، وجعل الأسف جزعًا وضدًا للصبر، زعم أن هذا خطيئة من يعقوب، كما روي أنه كان يرفع حاجبيه بخرقة من الكبر، فقال له رجل: ما هذا الذي أراه بك، قال: طول الزمان وكثرة الأحزان، فأوحى الله إليه: أتشكوني يا يعقوب، فقال: يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي [[الطبري 13/ 46، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2186، وأبو الشيخ عن حبيب بن ثابت كما في "الدر" 4/ 57.]]. وقوله تعالى: (﴿وَابْيَضَّتْ) [[ما بين القوسين بياض في (أ).]] عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾ أي انقلبت إلى حال البياض، قال مقاتل [["تفسير مقاتل" 156 أ، الثعلبي 7/ 103 أ، "زاد المسير" 4/ 270.]]: لم يبصر بهما ست سنين حتى كشفه الله تعالى بقميص يوسف. وفسر ابن عباس [[القرطبي 9/ 248، و"زاد المسير" 4/ 271.]] الحزن هاهنا: بالبكاء يريد: أن عيناه ابيضتا لكثرة بكائه، والحزن لما كان سببًا للبكاء جاز أن يسمى به، وذلك أن العين لا تبيض وإن اشتد الحزن حتى يكثر البكاء، واختلفوا في: الحُزْن وَالحَزَن، فقال قوم: الحُزْن: البكاء، والحَزَن: ضد الفَرَح. وقال قوم: هما لغتان، يقال: أصابه حُزْنٌ شديد وحَزَنٌ شديد، وهذا مذهب أكثر أهل اللغة [["تهذيب اللغة" 1/ 807، و"اللسان" (حزن) 1/ 861، و"الاشتقاق" لابن دريد 100.]]، وروى يونس عن أبي عمرو [["تهذيب اللغة" (حزن) 4/ 364.]] قال: إذا كان في موضع النصب فتحوا الحاء والزاء كقوله: ﴿تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا﴾ [التربة:92]، وإذا كان في موضع الخفض أو الرفع فهو بضم الحاء كقوله ﴿مِنَ الْحُزْنِ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب