الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكم أنْفُسُكم أمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسى اللَّهُ أنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إنَّهُ هو العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ اعْلَمْ أنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا سَمِعَ مِن أبْنائِهِ ذَلِكَ الكَلامَ لَمْ يُصَدِّقْهم فِيما ذَكَرُوا كَما في واقِعَةِ (p-١٥٣)يُوسُفَ فَقالَ: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكم أنْفُسُكم أمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ فَذَكَرَ هَذا الكَلامَ بِعَيْنِهِ في هَذِهِ الواقِعَةِ إلّا أنَّهُ قالَ في واقِعَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿واللَّهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ (يُوسُفَ: ١٨) وقالَ هَهُنا: ﴿عَسى اللَّهُ أنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قالَ بَعْضُهم: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكم أنْفُسُكم أمْرًا﴾ لَيْسَ المُرادُ مِنهُ هَهُنا الكَذِبَ والِاحْتِيالَ كَما في قَوْلِهِ في واقِعَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ قالَ: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكم أنْفُسُكم أمْرًا﴾ لَكِنَّهُ عَنى: سَوَّلَتْ لَكم أنْفُسُكم إخْراجَ بِنْيامِينَ عَنِّي، والمَصِيرَ بِهِ إلى مِصْرَ طَلَبًا لِلْمَنفَعَةِ، فَعادَ مِن ذَلِكَ شَرٌّ وضَرَرٌ، وألْحَحْتُمْ عَلَيَّ في إرْسالِهِ مَعَكم، ولَمْ تَعْلَمُوا أنَّ قَضاءَ اللَّهِ إنَّما جاءَ عَلى خِلافِ تَقْدِيرِكم. وقِيلَ: بَلِ المَعْنى سَوَّلَتْ لَكم أنْفُسُكم أمْرًا؛ خَيَّلَتْ لَكم أنْفُسُكم أنَّهُ سَرَقَ، وما سَرَقَ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قِيلَ: إنَّ رُوبِيلَ لَمّا عَزَمَ عَلى الإقامَةِ بِمِصْرَ أمَرَهُ المَلِكُ أنْ يَذْهَبَ مَعَ إخْوَتِهِ فَقالَ: اتْرُكُونِي، وإلّا صِحْتُ صَيْحَةً لا تَبْقى بِمِصْرَ امْرَأةٌ حامِلٌ إلّا وتَضَعُ حَمْلَها؛ فَقالَ يُوسُفُ: دَعُوهُ، ولَمّا رَجَعَ القَوْمُ إلى يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأخْبَرُوهُ بِالواقِعَةِ؛ بَكى وقالَ: يا بَنِيَّ لا تَخْرُجُوا مِن عِنْدِي مَرَّةً إلّا ونَقَصَ بَعْضُكم، ذَهَبْتُمْ مَرَّةً فَنَقَصَ يُوسُفُ، وفي الثّانِيَةِ نَقَصَ شَمْعُونُ، وفي هَذِهِ الثّالِثَةِ نَقَصَ رُوبِيلُ وبِنْيامِينُ، ثُمَّ بَكى وقالَ: عَسى اللَّهُ أنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا. وإنَّما حَكَمَ بِهَذا الحُكْمِ لِوُجُوهٍ: الأوَّلُ: أنَّهُ لَمّا طالَ حُزْنُهُ وبَلاؤُهُ ومِحْنَتُهُ عَلِمَ أنَّهُ تَعالى سَيَجْعَلُ لَهُ فَرَجًا ومَخْرَجًا عَنْ قَرِيبٍ، فَقالَ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ حُسْنِ الظَّنِّ بِرَحْمَةِ اللَّهِ. والثّانِي: لَعَلَّهُ تَعالى قَدْ أخْبَرَهُ مِن بَعْدِ مِحْنَةِ يُوسُفَ أنَّهُ حَيٌّ أوْ ظَهَرَتْ لَهُ عَلاماتُ ذَلِكَ وإنَّما قالَ: ﴿عَسى اللَّهُ أنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ لِأنَّهم حِينَ ذَهَبُوا بِيُوسُفَ كانُوا اثْنَيْ عَشَرَ فَضاعَ يُوسُفُ وبَقِيَ أحَدَ عَشَرَ، ولَمّا أرْسَلَهم إلى مِصْرَ عادُوا تِسْعَةً لِأنَّ بِنْيامِينَ حَبَسَهُ يُوسُفُ، واحْتَبَسَ ذَلِكَ الكَبِيرُ الَّذِي قالَ: ﴿فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ حَتّى يَأْذَنَ لِي أبِي أوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾ فَلَمّا كانَ الغائِبُونَ ثَلاثَةً لا جَرَمَ قالَ: ﴿عَسى اللَّهُ أنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ . * * * ثُمَّ قالَ: ﴿إنَّهُ هو العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ يَعْنِي هو العالِمُ بِحَقائِقِ الأُمُورِ، الحَكِيمُ فِيها عَلى الوَجْهِ المُطابِقِ لِلْفَضْلِ والإحْسانِ والرَّحْمَةِ والمَصْلَحَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب