الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ قال أكثر المفسرين [[الطبري 12/ 162، والثعلبي 7/ 66 ب، و"زاد المسير" 4/ 191، والبغوي 4/ 222.]]: نتنصل في الرمي، وهذا اختيار الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 95.]] وابن قتيبة [["مشكل القرآن وغريبه" لابن قتيبة ص 217.]]، قال نتنصل: يسابق بعضنا بعضًا في الرمي، وعلى هذا هو من السباق في النصال، وفيه قول النبي ﷺ: "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر" [[أخرجه أحمد 2/ 474، برقم (10138)، ط. الرسالة، من حديث أبي هريرة، والترمذي (1700) في الجهاد، باب: ما جاء في الرهبان والسبق، وأبو داود "عون المعبود" (2557) في الجهاد، باب: في السبق، وابن ماجه (2878) في الجهاد، باب: السبق والرهان وصححه الألباني. انظر: "صحيح سنن ابن ماجه" للألباني (1326)، كتاب: الجهاد، باب: السبق والرهان وخرجه الألباني في "إرواء الغليل" (1506).]] يعني بالنصل: الرمي، وأصل السبق في الرمي للسهم، وهو أن يرمي اثنان أيهما يكون أسبق بينهما وأبعد غلوة، ثم يوصف المتراميان بذلك، فيقول: استبقا وتسابقا، إذا فعلا ذلك لتبيين أيهما أسبق سهمًا، ويدل على صحة هذا التفسير ما روي أن في قراءة عبد الله ﴿إنا ذهبنا ننتصل﴾ [[الثعلبي 7/ 66 ب، القرطبي 9/ 145.]]. وقال السدي [["زاد المسير" 4/ 192، الرازي 18/ 101.]] ومقاتل [[ذكره الثعلبي بقوله ابن حيان 7/ 67 أ.]]: نستبق: نشتد ونعَدو لنتبين أينا أسرع عَدْوًا، فإن قيل كيف جاز لهم أن يستبقوا وهم رجال بالغون، وهذا من فعل الصبيان؟ فالجواب ما ذكره صاحب النظم، وهو أن الاستباق فيهم كان مثل السباق في الخيل والنصال عندنا، وكانوا يُحْزنُون بذلك أنفسهم ويدربونها على العَدْو؛ لأنه كالآلة لهم في محاربة العدو، ومدافعة الذئب إذا رام ماشيتهم [[الرازي 18/ 101، القرطبي 9/ 145.]]. وقوله تعالى: ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا﴾ قال ابن عباس [[البغوي 4/ 222، و"زاد المسير" 4/ 192.]]: يريد ثيابهم ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾، قال عامة المفسرين [[الطبري 12/ 162، الثعلبي 7/ 67 أ، البغوي 4/ 222، "زاد المسير" 4/ 192، القرطبي 9/ 148.]] وأصحاب المعاني [["معاني القرآن وإعربه" 3/ 96، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 303، و"مشكل القرآن وغريبه" لابن قتيبة 1/ 217.]]: مصدق لنا، وذكرنا تحقيق هذا في أول سورة البقرة [[ذكر عند قوله تعالى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 3] أقوال العلماء في أن الإيمان بمعنى التصديق: ونقل عن الأزهري حكايته اتفاق العلماء على هذا المعنى، وشرح دلالة اللفظ عليه مع الاستشهاد بأقوال أهل اللغة، ثم قال: والقول في معنى الإيمان ما قاله الأزهري. قلت: إن كان المقصود أن ذلك في اللغة، فالأمر فيه واسع وهو محل خلاف، وإن كان المقصود المعنى الشرعي فهو مردود، والإيمان عند علماء السلف: تصديق القلب ونطق اللسان وعمل الجوارح. انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ص381، 382.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾، قال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 96.]]: ليسوا يريدون أن يعقوب لا يصدق من يعلم أنه صادق، هذا محال لا يوصف الأنبياء بذلك، لكن المعنى: لو كنا عندك من أهل الثقة والصدق لاتهمتنا في يوسف؛ لمحبتك إياه وظننت أنا قد كذبناك. ونحو هذا قال أبو العباس [[لعله أبو العباس الأصم محمد بن يعقوب السناني النيسابوري الوراق، أحد أئمة الشافعية، إمام ثقة حافظ، توفي سنة 346 هـ. انظر: "طبقات فقهاء الشافعية" 1/ 76، و"طبقات الشافعية" للآسنوي 1/ 42.]] في معنى هذه الآية: قال: معناه: ولو كنا صادقين في كل الأشياء، لاتهمتنا في هذه القصة ولم يقرب قولنا من قلبك، لغلبة استغشاشك لنا وتهمتك إيانا في أمر يوسف. وقال أبو بكر: أرادوا نحن صادقون عند أنفسنا، وأنت غير مصدق لنا، إن لم تقم أمارات صدقنا عندك، فلو كنا صادقين عند الله أولاً ثم عند أنفسنا ما صدقتنا، إذ لم يقم عندك براهين صدقنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب