الباحث القرآني
﴿قالُوا يا أبانا إنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ﴾ أيْ مُتَسابِقِينَ في العَدْوِ عَلى الأقْدامِ عَلى ما رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ، أوْ في الرَّمْيِ بِالسِّهامِ كَما قالَ الزَّجّاجُ، أوْ في أعْمالٍ نَتَوَزَّعُها مِن سَقْيٍ ورَعْيٍ واحْتِطابٍ، أوْ في الصَّيْدِ وأخَذَهُ كَما قِيلَ، ورَجُحَ ما قالَهُ الزَّجّاجُ بِقِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ -إنّا ذَهَبْنا نَنْتَضِلُ- وأوْرَدَ عَلى الأوَّلِ أنَّهُ كَيْفَ ساغَ لَهم الِاسْتِباقُ في العَدْوِ وهو مِن أفْعالِ الصِّبْيانِ الَّتِي لا ثَمَرَةَ فِيها، وأُجِيبَ بِالمَنعِ وثَمَرَتُهُ التَّدْرِيبُ في العَدْوِ لِمُحارَبَةِ العَدُوِّ ومُدافِعَةِ الذِّئْبِ مَثَلًا؛ وبِالجُمْلَةِ (نَسْتَبِقُ) بِمَعْنى نَتَسابَقُ وقَدْ يَشْتَرِكُ الِافْتِعالُ والتَّفاعُلُ فَيَكُونانِ بِمَعْنًى كالِانْتِضالِ والتَّناضُلِ ونَظائِرِهِما ﴿وتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا﴾ أيْ ما يُتَمَتَّعُ بِهِ مِنَ الثِّيابِ والأزْوادِ وغَيْرِهِما ﴿فَأكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ عَقِيبَ ذَلِكَ مِن غَيْرِ مُضِيِّ زَمانٍ يُعْتادُ فِيهِ التَّفَقُّدُ والتَّعَهُّدُ وحَيْثُ لا يَكادُ يَطْرَحُ المَتاعَ عادَةً إلّا في مَقامٍ يُؤْمَنُ فِيهِ مِنَ الغَوائِلِ لَمْ يُعَدَّ تَرْكُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَهُ مِن بابِ الغَفْلَةِ وتَرْكِ الحِفْظِ المُلْتَزَمِ لا سِيَّما إذْ لَمْ يَغِيبُوا عَنْهُ، فَكَأنَّهم قالُوا: إنّا لَمْ نُقَصِّرْ في مُحافَظَتِهِ ولَمْ نَغْفُلْ عَنْ مُراقَبَتِهِ بَلْ تَرَكْناهُ في مَأْمَنِنا ومَجْمَعِنا بِمَرْأًى مِنّا وما فارَقْناهُ إلّا ساعَةً يَسِيرَةً بَيْنَنا وبَيْنَهُ مَسافَةٌ قَصِيرَةٌ فَكانَ ما كانَ قالَهُ شَيْخُ الإسْلامِ، والظّاهِرُ أنَّهم لَمْ يُرِيدُوا (p-200)إلّا أنَّ الذِّئْبَ أكَلَ يُوسُفَ ولَمْ يَقْصِدُوا بِذَلِكَ تَعْرِيضًا فَما قِيلَ: إنَّهم عَرَضُوا وأرادُوا أكَلَ الذِّئْبُ المَتاعَ لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِما فِيهِ مِنَ الخُرُوجِ عَنِ الجادَّةِ مِن غَيْرِ مُوجِبٍ ﴿وما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا﴾ أيْ ما أنْتَ مُصَدِّقٌ لَنا في هَذِهِ المَقالَةِ ﴿ولَوْ كُنّا﴾ عِنْدَكَ وفي اعْتِقادِكَ ﴿صادِقِينَ﴾ أيْ مَوْصُوفِينَ بِالصِّدْقِ والثِّقَةِ لِفَرْطِ مَحَبَّتِكَ فَكَيْفَ وأنْتَ سَيِّئُ الظَّنِّ بِنا غَيْرُ واثِقٍ بِقَوْلِنا، قِيلَ: ولا بُدَّ مِن هَذا التَّأْوِيلِ إذْ لَوْ كانَ المَعْنى ﴿ولَوْ كُنّا صادِقِينَ﴾ في نَفْسِ الأمْرِ لَكانَ تَقْدِيرُهُ فَكَيْفَ إذا كُنّا كاذِبِينَ فِيهِ فَيَلْزَمُ اعْتِرافُهم بِكَذِبِهِمْ فِيهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ المُرادَ في مِثْلِ ذَلِكَ تَحْقِيقُ الحُكْمِ السّابِقِ عَلى كُلِّ حالٍ فَكَأنَّهُ قِيلَ هُنا: ﴿وما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا﴾ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ فَتَذَكَّرْ وتَأمَّلْ.
﴿وجاءُوا عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ أيْ ذِي كَذِبٍ أوْ وصْفٍ بِالمَصْدَرِ مُبالَغَةً كَأنَّهُ نَفْسُ الكَذِبِ وعَيْنُهُ كَما يُقالُ لِلْكَذّابِ: هو الكَذِبُ بِعَيْنِهِ والزُّورُ بِذاتِهِ، ومِن ذَلِكَ ما في قَوْلِهِ:
؎أفِيضُوا عَلى عُزّابِكم مِن بَناتِكم فَما في كِتابِ اللَّهِ أنْ يُحْرَمَ الفَضْلَ
؎وفِيهِنَّ فَضْلٌ قَدْ عَرَفْنا مَكانَهُ ∗∗∗ فَهُنَّ بِهِ جُودٌ وأنْتُمْ بِهِ بُخْلُ
وبَعْضُهم يُؤَوِّلُ كَذِبٌ بِمَكْذُوبٍ فِيهِ، فَإنَّ المَصْدَرَ قَدْ يُؤَوَّلُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما كَذِبًا بِالنَّصْبِ، وخَرَجَ عَلى أنَّهُ في مَوْضِعِ الحالِ مِن فاعِلٍ (جاءُوا) بِتَأْوِيلِ كاذِبِينَ، وقِيلَ: مِن دَمٍ عَلى تَأْوِيلِ مَكْذُوبًا فِيهِ، وفِيهِ أنَّ الحالَ مِنَ النَّكِرَةِ عَلى خِلافِ القِياسِ، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِن أجْلِهِ أيْ جاءُوا بِذَلِكَ لِأجْلِ الكَذِبِ، وقَرَأتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها والحَسَنُ –كَدِبٍ- بِالدّالِ المُهْمَلَةِ ولَيْسَ مِن قَلْبِ الذّالِ دالًا بَلْ هو لُغَةٌ أُخْرى بِمَعْنى كَدَرٍ أوْ طَرِيٍّ أوْ يابِسٍ فَهو مِنَ الأضْدادِ، وقالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: المَعْنى ذِي كَدِبٍ أيْ أثَرٍ لِأنَّ الكَدِبَ بَياضٌ يَخْرُجُ في أظافِيرِ الشُّبّانِ ويُؤَثِّرُ فِيها فَهو كالنَّقْشِ، ويُسَمّى ذَلِكَ الفُوفَ ولَمْ يَعْتَبِرْ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ تَقْدِيرَ المُضافِ وجَعَلَ ذَلِكَ مِنَ التَّشْبِيهِ البَلِيغِ أوْ الِاسْتِعارَةِ فَإنَّ الدَّمَ في القَمِيصِ يُشْبِهُ الكَدِبَ مِن جِهَةِ مُخالَفَةِ لَوْنِهِ لَوْنَ ما هو فِيهِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿عَلى قَمِيصِهِ﴾ -عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ أبُو البَقاءِ- حالٌ مِن دَمٍ، وفي جَوازِ تَقْدِيمِ الحالِ عَلى صاحِبِها المَجْرُورِ بِالحَرْفِ غَيْرِ الزّائِدِ خِلافٌ، والحَقُّ كَما قالَ السَّفاقِسِّيُّ: الجَوازُ لِكَثْرَةِ ذَلِكَ في كَلامِهِمْ، وفي اللُّبابِ ولا تَتَقَدَّمُ عَلى صاحِبِها المَجْرُورِ عَلى الأصَحِّ نَحْوَ مَرَرْتُ جالِسَةً بِهِنْدٍ إلّا أنْ يَكُونَ الحالُ ظَرْفًا عَلى أنَّ الحَقَّ ما اخْتارَهُ ابْنُ مالِكٍ مِن جَوازِ التَّقْدِيمِ مُطْلَقًا، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ ومَن تَبِعَهُ: إنَّهُ في مَوْضِعِ النَّصْبِ عَلى الظَّرْفِيَّةِ أيْ جاءُوا فَوْقَ قَمِيصِهِ كَما تَقُولُ: جاءَ عَلى جِمالِهِ بِأحْمالٍ، وأرادَ عَلى ما في الكَشْفِ أنَّ (عَلى) عَلى حَقِيقَةِ الِاسْتِعْلاءِ وهو ظَرْفٌ لَغْوٌ، ومَنَعَ في البَحْرِ كَوْنَ العامِلِ فِيهِ المَجِيءُ لِأنَّهُ يَقْتَضِي أنَّ الفَوْقِيَّةَ ظَرْفٌ لِلْجائِينَ، وأُجِيبَ بِأنَّ الظَّرْفِيَّةَ لَيْسَتْ بِاعْتِبارِ الفاعِلِ بَلْ بِاعْتِبارِ المَفْعُولِ.
وفِي بَعْضِ الحَواشِي أنَّ الأوْلى أنْ يُقالَ: جاءُوا مُسْتَوْلِينَ عَلى قَمِيصِهِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿بِدَمٍ﴾ حالٌ مِنَ القَمِيصِ، وجَعَلَ المَعْنى اسْتَوْلَوْا عَلى القَمِيصِ مُلْتَبِسًا بِدَمٍ جائِينَ، وهو عَلى ما قِيلَ: أوْلى مِن جاءُوا مُسْتَوْلِينَ لِما تَقَرَّرَ في التَّضْمِينِ، والأمْرُ في ذَلِكَ سَهْلٌ فَإنَّ جُعِلَ المُضَمَّنُ أصْلًا والمَذْكُورُ حالًا وبِالعَكْسِ كُلٌّ مِنهُما جائِزٌ، وإذا اقْتَضى المَقامُ أحَدَهُما رَجُحَ، واسْتَظْهَرَ كَوْنُهُ ظَرْفًا لِلْمَجِيءِ المُتَعَدِّي، والمَعْنى أتَوْا بِدَمٍ كَذِبٍ فَوْقَ قَمِيصِهِ ولا يَخْفى اسْتِقامَتُهُ، هَذا ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الدَّمَ كانَ دَمَ سَخْلَةٍ ذَبَحُوها ولَطَّخُوا بِدَمِها القَمِيصَ -كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ أنَّهم أخَذُوا ظَبْيًا فَذَبَحُوهُ فَلَطَّخُوا بِدَمِهِ القَمِيصَ، ولَمّا جاءُوا (p-201)بِهِ جَعَلَ يُقَلِّبُهُ فَيَقُولُ: ما أرى بِهِ أثَرَ نابٍ ولا ظُفْرٍ إنَّ هَذا السَّبُعَ رَحِيمٌ، وفي رِوايَةٍ أنَّهُ أخَذَ القَمِيصَ وألْقاهُ عَلى وجْهِهِ وبَكى حَتّى خَضَّبَ وجْهَهُ بِدَمِ القَمِيصِ، وقالَ: تاللَّهِ ما رَأيْتُ كاليَوْمِ ذِئْبًا أحْلَمُ مِن هَذا أكَلَ ابْنِي ولَمْ يُمَزِّقْ عَلَيْهِ قَمِيصَهَ، وجاءَ أنَّهُ بَكى وصاحَ وخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَأفاضُوا عَلَيْهِ الماءَ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ ونادَوْهُ فَلَمْ يُجِبْ ووَضَعَ يَهُوذا يَدَهُ عَلى مَخارِجِ نَفَسِهِ فَلَمْ يَحِسَّ بِنَفَسٍ ولا تَحَرَّكَ لَهُ عِرْقٌ، فَقالَ: ويْلٌ لَنا مِن دَيّانِ يَوْمِ الدِّينِ ضَيَّعْنا أخانا وقَتَلْنا أبانا فَلَمْ يَفُقْ إلّا بِبَرْدِ السَّحَرِ
{"ayah":"قَالُوا۟ یَـٰۤأَبَانَاۤ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا یُوسُفَ عِندَ مَتَـٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُۖ وَمَاۤ أَنتَ بِمُؤۡمِنࣲ لَّنَا وَلَوۡ كُنَّا صَـٰدِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











