الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قالُوا يا أبانا إنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ﴾ وهو نَفْتَعِلُ مِنَ السِّباقِ وفِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: مَعْناهُ نَنْتَصِلُ مِنَ السِّباقِ في الرَّمْيِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. الثّانِي: أنَّهم أرادُوا السَّبْقَ بِالسَّعْيِ عَلى أقْدامِهِمْ. الثّالِثُ: أنَّهم عَنَوُا اسْتِباقَهم في العَمَلِ الَّذِي تَشاغَلُوا بِهِ مِنَ الرَّعْيِ والِاحْتِطابِ. الرّابِعُ: أيْ نَتَصَيَّدُ وأنَّهم يَسْتَبِقُونَ عَلى اقْتِناصِ الصَّيْدِ. ﴿وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَعْنُوا بِتَرْكِهِ عِنْدَ مَتاعِهِمْ إظْهارَ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَعْنُوا حِفْظَ رِحالِهِمْ. (p-١٥)﴿فَأكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ لَمّا سَمِعُوا أباهم يَقُولُ: وأخافُ أنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ أخَذُوا ذَلِكَ مِن فِيهِ وتَحَرَّمُوا بِهِ لِأنَّهُ كانَ أظْهَرَ المَخاوِفِ عَلَيْهِ. ﴿وَما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا﴾ أيْ بِمُصَدِّقٍ لَنا. ﴿وَلَوْ كُنّا صادِقِينَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنهم تَشْكِيكًا لِأبِيهِمْ في صِدْقِهِمْ وإنَّما عَنَوْا: ولَوْ كُنّا أهْلَ صِدْقٍ ما صَدَّقْتَنا، قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. الثّانِي: مَعْناهُ وإنْ كُنّا قَدْ صَدَقْنا، قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَجاءُوا عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ قالَ مُجاهِدٌ: كانَ دَمَ سَخْلَةٍ. وَقالَ قَتادَةُ: كانَ دَمَ ظَبْيَةٍ. قالَ الحَسَنُ: لَمّا جاءُوا بِقَمِيصِ يُوسُفَ فَلَمْ يَرَ يَعْقُوبُ فِيهِ شَقًّا قالَ: يا بَنِيَّ واللَّهِ ما عَهِدْتُ الذِّئْبَ حَلِيمًا، أيَأْكُلُ ابْنِي ويُبْقِي عَلى قَمِيصِهِ. وَمَعْنى قَوْلِهِ ﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ أيْ مَكْذُوبٌ فِيهِ، ولَكِنْ وصَفَهُ بِالمَصْدَرِ فَصارَ تَقْدِيرُهُ بِدَمٍ ذِي كَذِبٍ. وَقَرَأ الحَسَنُ بِدَمٍ كَذَّبَ بِالدّالِ غَيْرَ مُعْجَمَةٍ، ومَعْناهُ بِدَمٍ مُتَغَيِّرٍ. قالَهُ الشَّعْبِيُّ. وَفي القَمِيصِ ثَلاثُ آياتٍ: حِينَ جاءُوا عَلَيْهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، وحِينَ قُدَّ قَمِيصُهُ مِن دُبُرٍ، وحِينَ أُلْقِيَ عَلى وجْهِ أبِيهِ فارْتَدَّ بَصِيرًا. ﴿قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكم أنْفُسُكم أمْرًا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: بَلْ أمَرَتْكم أنْفُسُكم، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: بَلْ زَيَّنَتْ لَكم أنْفُسُكم أمْرًا، قالَهُ قَتادَةُ. وَفي رَدِّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِمْ وتَكْذِيبِهِ لَهم ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ كانَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى إلَيْهِ بَعْدَ فِعْلِهِمْ. (p-١٦)الثّانِي: أنَّهُ كانَ عِنْدَهُ عَلِمٌ بِذَلِكَ قَدِيمٌ أطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. الثّالِثُ: أنَّهُ قالَ ذَلِكَ حَدْسًا بِصائِبِ رَأْيِهِ وصِدْقِ ظَنِّهِ. قالَ تَرْضِيَةً لِنَفْسِهِ ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ فاحْتَمَلَ ما أمَرَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الصَّبْرِ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: الصَّبْرُ عَلى مُقابَلَتِهِمْ عَلى فِعْلِهِمْ فَيَكُونُ هَذا الصَّبْرُ عَفْوًا عَنْ مُؤاخَذَتِهِمْ. الثّانِي: أنَّهُ أمَرَ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ عَلى ما ابْتُلِيَ بِهِ مِن فَقْدِ يُوسُفَ. وَفي قَوْلِهِ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ بِمَعْنى أنَّ مِنَ الجَمِيلِ أنْ أصْبِرَ. الثّانِي: أنَّهُ أمَرَ نَفْسَهُ بِصَبْرٍ جَمِيلٍ. وَفي الصَّبْرِ الجَمِيلِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ الصَّبْرُ الَّذِي لا جَزَعَ فِيهِ. قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: أنَّهُ الصَّبْرُ الَّذِي لا شَكْوى فِيهِ. رَوى حَبّابُ بْنُ أبِي حُبْلَةَ قالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ فَقالَ: (صَبْرٌ لا شَكْوى فِيهِ، ومَن بَثَّ لَمْ يَصْبِرْ)» . ﴿واللَّهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: واللَّهُ المُسْتَعانُ عَلى الصَّبْرِ الجَمِيلِ. الثّانِي: واللَّهُ المُسْتَعانُ عَلى احْتِمالِ ما تَصِفُونَ. الثّالِثُ: يَعْنِي عَلى ما تَكْذِبُونَ، قالَهُ قَتادَةُ. قالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ: ابْتَلى اللَّهُ يَعْقُوبَ في كِبَرِهِ، ويُوسُفَ في صِغَرِهِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ عَزْمُهُما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب