الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا﴾، يعني قال نوخ لقومه الذين أمر بحملهم: "اركبوا"، والركوب العلو على ظهر الشيء، فمنه ركوب الدابة، وركوب السفينة، وركوب البر، وركوب البحر، وكل شيء علا شيئاً فقد ركبه، وركبه الدين، قال الليث: وتسمي العرب من يركب السفينة ركاب السفينة، وأما الرُّكْبَانُ والأرْكوب والرَّكب فراكبو الدّواب والإبل، قال الأزهري [["تهذيب اللغة" 2/ 1456 (ركب).]]: وقد جعل ابن أحمر ركاب السفينة ركباناً فقال [[قائل البيت هو ابن أحمر، عمرو بن أحمر الباهلي، كان من شعراء الجاهلية، وأدرك الإسلام فأسلم ومدح عمر فمن بعده إلى عبد الملك بن مروان. وقيل: توفي في خلافة عثمان. انظر: "طبقات فحول الشعراء" 2/ 571، 580، "خزانة الأدب" 6/ 256.
والبيت يعني قومًا ركبوا سفينة فغمت السماء ولم يهتدوا، فلما طلع الفرقد كبروا لأنهم اهتدوا للسمت الذي يؤمونه، انظر: "ديوانه" ص 66، "تهذيب اللغة" 2/ 1456، مادة (ركب)، اللسان 3/ 1714، "جمهرة اللغة" ص 772، "ديوان الأدب" 3/ 164، "تاج العروس" 2/ 35 (ركب)، "أساس البلاغة" (هلل)، وبلا نسبة في "اللسان" (هلل) 8/ 4689، و"تاج العروس" (هلل).]]:
يهل بالفرقد ركبانها ... كما يُهِلُّ الراكب المعتمر
وقوله تعالى: ﴿فِيهَا﴾ لا يجوز أن تكون (في) من صلة الركوب؛ لأنه يقال: ركبت السفينة، ولا يقال: ركبت في السفينة، والوجه هاهنا أن يقال: مفعول (اركبوا) محذوف على تقدير: اركبوا الماء في السفينة، فيكون قوله: ﴿فِيهَا﴾ حالاً من الضمير في (اركبوا)، ويجوز أن يقال المعنى: اركبوها أي الفلك، وزاد (في) للتأكيد كقوله: ﴿لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: 43]، وفائدة هذه الزيادة أنه أمرهم أن يكونوا [في جوف الفلك لا على ظهرها، فلو قال: (اركبوها) لتوهموا أنه أمرهم أن يكونوا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] على ظهر السفينة.
وقوله: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ المُجرى: مصدر كالإجراء، ومثله قوله: ﴿مُنْزَلًا مُبَارَكًا﴾ [المؤمنون: 29]، و ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [[الإسراء: 80. في الأصل (وأدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) وهو خطأ.]]، وقرئ ﴿مَجْراها﴾ [[قرأ بها حمزة والكسائي وحفصر عن عاصم وخلف، "السبعة" 333، "التبصرة" 538، "النشر" 3/ 114، "إتحاف" ص 256.]] بفتح الميم وهو أيضًا مصدر مثل الجري، واحتج صاحب هذه القراءة بقوله: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ [هود: 42] ولو كان (مُجراها) لكان (وهي تُجرَى بهم)، فكأنه قال: (وهي تجريهم) [["الحجة" لأبي على 4/ 331، وأيّد هذا الوجه الطبري 12/ 43 - 44.]].
وأما المرْسَى: فهو أيضًا مصدر كالإرساء يقال: وما الشيء يرسو: إذا ثبت، وأرساه غيره، قال الله تعالى: ﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ [النازعات: 32]. قال ابن عباس [[روى الطبري 12/ 44 نحوه عن مجاهد.]] في رواية عطاء: يريد تجرى باسم الله وقدرته، وقال الضحاك [[الطبري 12/ 44 - 45، الثعلبي 7/ 43 ب، وابن أبي حاتم 6/ 2033.]]: كان إذا أراد أن تجري قال: باسم الله فجرت، وإذا أراد أن ترسو قال: (باسم الله) فرست [[في (ب): عكس الجملتين.]].
قال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 52.]]: أي بالله تجري وبه تستقر، ومعنى قولنا: باسم الله أي بالله، وهذه الأقوال معناها واحد، وأما تقدير الإعراب فقال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 14.]]: إن شئت جعلت (مجراها) و (مرساها) في موضع رفع بالباء، كما يقال: إجراؤها وإرساؤها باسم الله، وبأمر الله، وإن شئت جعلت (باسم الله) ابتداء مكتفيًا بنفسه، كقول القائل عند المأكل: بسم الله، ويكون (مجراها) و (مرساها) في موضع نصب، يريد: بسم الله في مجراهما ومرساها، وزاد ابن الأنباري لهذا بيانًا فقال: في هذه الآية [[ساقط من (ب).]] قولان:
أحدهما: أن يرتفع المجرى بالباء الزائدة، وتفتقر الباء إلى المجرى؛ لأنها خبره ورافعته، والتقدير: إجراؤها باسم الله، وموضع الباء نصب لخلافها المجرى، إذ المجرى اسم، والباء ليست باسم، إنما هي حرف معنى ملحق بالمَحَالّ، يريد أن التقدير: إجراؤها يقع باسم الله، أو يحصل باسم الله، فالباء في محل النصب بهذا التقدير وهي في الظاهر رفع لخبر المبتدأ، وليس هذا كقولهم: زيد قائم؛ لأن قائمًا هو زيد، وليس بمخالف [[في (ب): (المخالف).]] له، وهذا كقوله: زيد عندك، هذا معنى قول أبي بكر لخلافها المجرى المفصل.
القول الثاني: أن يكون المجرى في موضع نصب على مذهب الوقت ومنهاج المحل، تلخيصه باسم الله في مجراها ومرساها، فإذا سقط الخافض قضى على ما بعده بالنصب، كما تقول: أتيتك يوم الخميس، هزان القولان هما قولا الفراء [["معاني القرآن" 2/ 14.]] وشرحهما.
وقال أحمد بن يحيى: الباء منصوبة بفعل محذوف يدل عليه ويكنى [[في (ي): (يكفى).]] منه، والمجرى مرفوع بالباء التي خلفت الفعل الذي لو ظهر لكان هو الرافع للمجرى، وتمثيله: يقع باسم الله مجراها ومرساها، فكان افتقار الباء إلى المجرى كافتقار الفعل لو ظهر إلى فاعله.
قال أبو علي الفارسي [["الحجة" 4/ 330 باختصار وتصرف.]]: قوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ يجوز أن يكون حالاً من الضمير في (اركبوا)، على حد قولك: ركب في سلاحه، وخرج بثيابه، والمعنى ركب مستعدًا بسلاحه، وملتبسا بثيابه، وفي التنزيل: ﴿وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ﴾ [المائدة: 61]، فكان المعنى: اركبوا متبركين باسم الله ومتمسكين بذكر اسم الله، والمجرى والمرسى على هذا ظرف، بنحو (مَقْدَمَ الحاج)، و (خُفُوقَ النجم)، كأنه: متبركين بهذا الاسم، أو متمسكين في وقت الجري والإجراء على حسب الخلاف بين القراء فيه، ولا يكون الظرف متعلقًا باركبوا؛ لأن المعنى ليس [[في (ب): (يسمى).]] عليه، ألا ترى أنه لا يراد اركبوا فيها في وقت الجري، والثبات، إنما المعنى اركبوا الآن متبركين باسم الله في الوقتين الذي لا ينفك الراكبون فيها منهما، فموضع مجراها نصب على هذا الوجه بأنه ظرف عمل فيه المعنى [[إلى هنا انتهى النقل من أبي على الفارسي، "الحجة" 4/ 331.]]، وهذا الوجه الذي ذكره أبو علي وجه آخر في التفسير سوى ما ذكرنا عن ابن عباس والضحاك.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، قال ابن عباس [[القرطبي 9/ 37، "البحر المحيط" 5/ 225.]]: يريد غفور لأصحاب السفينة رحيم بهم، قال أهل المعاني: اتصال هذا بما قبله اتصال المعنى بما يشاكله؛ لأنه لما ذكرت النجاة بالركوب في السفينة، ذكرت النعمة بالمغفرة والرحمة لتجتلب بالطاعة [[في (ب): (باتصال).]] كما اجتلبت النجاة.
{"ayah":"۞ وَقَالَ ٱرۡكَبُوا۟ فِیهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرٜىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَاۤۚ إِنَّ رَبِّی لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق