الباحث القرآني

«﴿كَلّا إنَّ الإنْسانَ لَيَطْغى﴾ نَزَلَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ في أبِي جَهْلٍ، ناصَبَ رَسُولَ اللَّهِ العَداوَةَ، ونَهاهُ عَنِ الصَّلاةِ في المَسْجِدِ، فَرُوِيَ أنَّهُ قالَ: لَئِنْ رَأيْتُ مُحَمَّدًا يَسْجُدُ عِنْدَ الكَعْبَةِ لَأطَأنَّ عَلى عُنُقِهِ، فَيُرْوى أنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَدَّ عَلَيْهِ وانْتَهَرَهُ وتَوَعَّدَهُ، فَقالَ أبُو جَهْلٍ: أيَتَوَعَّدُنِي مُحَمَّدٌ، واللَّهِ ما بِالوادِي أعْظَمُ نادِيًا مِنِّي»، ويُرْوى أنَّهُ هَمَّ أنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الصَّلاةِ فَكُفَّ عَنْهُ. (كَلّا) رَدْعٌ لِمَن كَفَرَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِطُغْيانِهِ، وإنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ ﴿إنَّ الإنْسانَ لَيَطْغى﴾ أيْ يُجاوِزُ الحَدَّ ﴿أنْ رَآهُ اسْتَغْنى﴾ الفاعِلُ ضَمِيرُ الإنْسانِ، وضَمِيرُ المَفْعُولِ عائِدٌ عَلَيْهِ أيْضًا، ورَأى هُنا مِن رُؤْيَةِ القَلْبِ، يَجُوزُ أنْ يَتَّحِدَ فِيها الضَّمِيرانِ مُتَّصِلَيْنِ فَتَقُولُ: رَأيْتُنِي صَدِيقَكَ، وفُقِدَ وعُدِمَ بِخِلافٍ غَيْرُها، فَلا يَجُوزُ: زَيْدٌ ضَرَبَهُ، وهُما ضَمِيرا زَيْدٍ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: (أنْ رَآهُ) بِألِفٍ بَعْدِ الهَمْزَةِ، وهي لامُ الفِعْلِ، وقِيلَ: بِخِلافٍ عَنْهُ بِحَذْفِ الألِفِ، وهي رِوايَةُ ابْنِ مُجاهِدٍ عَنْهُ، قالَ: وهو غَلَطٌ لا يَجُوزُ، ويَنْبَغِي أنْ لا يُغَلِّطَهُ، بَلْ يَتَطَلَّبُ لَهُ وجْهًا، وقَدْ حُذِفَتِ الألِفُ في نَحْوٍ مِن هَذا، قالَ: وصّانِي العَجّاجُ فِيما وصَّنِي يُرِيدُ: وصّانِي، فَحَذَفَ الألِفَ، وهي لامُ الفِعْلِ، وقَدْ حُذِفَتْ في مُضارِعِ رَأى في قَوْلِهِمْ: أصابَ النّاسَ جُهْدٌ ولَوْ تَرَ أهْلَمَكَّةَ، وهو حَذْفٌ لا يَنْقاسُ، لَكِنْ إذا صَحَّتِ الرِّوايَةُ بِهِ وجَبَ قَبُولُهُ، والقِراءاتُ جاءَتْ عَلى لُغَةِ العَرَبِ قِياسُها وشاذُّها ﴿إنَّ إلى رَبِّكَ الرُّجْعى﴾ أيِ الرُّجُوعَ، مَصْدَرٌ عَلى وزْنِ فُعْلى، الألِفُ فِيهِ لِلتَّأْنِيثِ، وفِيهِ وعِيدٌ لِلطّاغِي المُسْتَغْنِي، وتَحْقِيرٌ لِما هو فِيهِ مِن حَيْثُ مَآلُهُ إلى البَعْثِ والحِسابِ والجَزاءِ عَلى طُغْيانِهِ. ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يَنْهى﴾ ﴿عَبْدًا إذا صَلّى﴾ تَقَدَّمَ أنَّهُ أبُو جَهْلٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ولَمْ يَخْتَلِفْ أحَدٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ أنَّ النّاهِيَ أبُو جَهْلٍ، وأنَّ العَبْدَ المُصَلِّيَ وهو مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ . انْتَهى. وفي الكَشّافِ، وقالَ الحَسَنُ: هو أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، كانَ يَنْهى سَلْمانَ عَنِ الصَّلاةِ. وقالَ التَّبْرِيزِيُّ: المُرادُ بِالصَّلاةِ هُنا صَلاةُ الظُّهْرِ، قِيلَ: هي أوَّلُ جَماعَةٍ أُقِيمَتْ في الإسْلامِ، كانَ مَعَهُ أبُو بَكْرٍ وعَلِيٌّ وجَماعَةٌ مِنَ السّابِقِينَ، فَمَرَّ بِهِ أبُو طالِبٍ ومَعَهُ ابْنُهُ جَعْفَرٌ، فَقالَ لَهُ: صِلْ جَناحَ ابْنِ عَمِّكَ وانْصَرَفَ مَسْرُورًا، وأنْشَأ أبُو طالِبٍ يَقُولُ: ؎إنَّ عَلِيًّا وجَعْفَرًا ثِقَتِي عِنْدَ مُلِمِّ الزَّمانِ والكَرْبِ ؎واللَّهِ لا أخْذُلُ النَّبِيَّ ولا ∗∗∗ يَخْذُلُهُ مَن يَكُونُ مِن حَسَبِي ؎لا تَخْذُلا وانْصُرا ابْنَ عَمِّكُما ∗∗∗ أخِي لِأُمِّي مِن بَيْنِهِمْ وأبِي فَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، بِذَلِكَ، والخِطابُ في (أرَأيْتَ) الظّاهِرُ أنَّهُ لِلرَّسُولِ، وكَذا (أرَأيْتَ) الثّانِي، والتَّناسُقُ في الضَّمائِرِ هو الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظْمُ. وقِيلَ: (أرَأيْتَ) خِطابٌ لِلْكافِرِ. التَفَتَ إلى الكافِرِ، فَقالَ: أرَأيْتَ يا كافِرُ، إنْ كانَتْ صَلاتُهُ هُدًى ودُعاءً إلى اللَّهِ وأمْرًا (p-٤٩٤)بِالتَّقْوى أتَنْهاهُ مَعَ ذَلِكَ ؟ والضَّمِيرُ في (إنْ كانَ) وفي (إنْ كَذَّبَ) عائِدٌ عَلى النّاهِي، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومَعْناهُ أخْبِرْنِي عَنْ مَن يَنْهى بَعْضَ عِبادِ اللَّهِ عَنْ صَلاتِهِ إنْ كانَ ذَلِكَ النّاهِي عَلى طَرِيقَةٍ سَدِيدَةٍ فِيما يَنْهى عَنْهُ مِن عِبادَةِ اللَّهِ، وكانَ آمِرًا بِالمَعْرُوفِ والتَّقْوى فِيما يَأْمُرُ بِهِ مِن عِبادَةِ الأوْثانِ كَما يَعْتَقِدُ، وكَذَلِكَ إنْ كانَ عَلى التَّكْذِيبِ لِلْحَقِّ والتَّوَلِّي عَنِ الدِّينِ الصَّحِيحِ، كَما نَقُولُ نَحْنُ. ﴿ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى﴾ ويَطَّلِعُ عَلى أحْوالِهِ مِن هُداهُ وضَلالِهِ، فَيُجازِيهِ عَلى حَسَبِ ذَلِكَ، وهَذا وعِيدٌ. انْتَهى. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الضَّمِيرُ في ﴿إنْ كانَ عَلى الهُدى﴾ عائِدٌ عَلى المُصَلِّي، وقالَهُ الفَرّاءُ وغَيْرُهُ. قالَ الفَرّاءُ: المَعْنى ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْدًا إذا صَلّى﴾ وهو عَلى الهُدى وأمَرَ بِالتَّقْوى، والنّاهِي مُكَذِّبٌ مُتَوَلٍّ عَنِ الذِّكْرِ، أيْ فَما أعْجَبَ هَذا ألَمْ يَعْلَمْ أبُو جَهْلٍ بِأنَّ اللَّهَ تَعالى يَراهُ ويَعْلَمُ فِعْلَهُ ؟ فَهَذا تَقْرِيرٌ وتَوْبِيخٌ. انْتَهى. وقالَ: مَن جَعَلَ الضَّمِيرَ في (إنْ كانَ) عائِدًا عَلى المُصَلِّي، إنَّما ضَمَّ إلى فِعْلِ الصَّلاةِ الأمْرَ بِالتَّقْوى؛ لِأنَّ أبا جَهْلٍ كانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أمْرُ أنَّ الصَّلاةَ والدُّعاءَ إلى اللَّهِ تَعالى، ولِأنَّهُ كانَ لا يُوجَدُ إلّا في أمْرَيْنِ: إصْلاحِ نَفْسِهِ بِفِعْلِ الصَّلاةِ، وإصْلاحِ غَيْرِهِ بِالأمْرِ بِالتَّقْوى. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ﴿ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى﴾ إكْمالُ التَّوْبِيخِ والوَعِيدِ بِحَسَبِ التَّوْفِيقاتِ الثَّلاثَةِ يَصْلُحُ مَعَ كُلِّ واحِدٍ مِنها، يُجاءُ بِها في نَسَقٍ، ثُمَّ جاءَ بِالوَعِيدِ الكافِي بِجَمِيعِها اخْتِصارًا واقْتِضابًا، ومَعَ كُلِّ تَقْرِيرٍ تَكْمِلَةٌ مُقَدَّرَةٌ تَتَّسِعُ العِباراتُ فِيها، ”وألَمْ يَعْلَمْ“ دالٌّ عَلَيْها مُغْنٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: ما مُتَعَلِّقُ (أرَأيْتَ) ؟ قُلْتُ: (الَّذِي يَنْهى) مَعَ الجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وهُما في مَوْضِعِ المَفْعُولَيْنِ. فَإنْ قُلْتَ: فَأيْنَ جَوابُ الشَّرْطِ ؟ قُلْتُ: هو مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ﴿إنْ كانَ عَلى الهُدى أوْ أمَرَ بِالتَّقْوى﴾، ﴿ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى﴾ وإنَّما حُذِفَ لِدَلالَةِ ذِكْرِهِ في جَوابِ الشَّرْطِ الثّانِي. فَإنْ قُلْتَ: فَكَيْفَ صَحَّ أنْ يَكُونَ (ألَمْ يَعْلَمْ) جَوابًا لِلشَّرْطِ ؟ قُلْتُ: كَما صَحَّ في قَوْلِكَ: إنْ أكْرَمْتُكَ أتُكْرِمُنِي ؟ وإنْ أحْسَنَ إلَيْكَ زَيْدٌ هَلْ تُحْسِنُ إلَيْهِ ؟ فَإنْ قُلْتَ: فَما (أرَأيْتَ) الثّانِيَةُ وتَوَسُّطُها بَيْنَ مَفْعُولَيْ (أرَأيْتَ) ؟ قُلْتُ: هي زائِدَةٌ مُكَرَّرَةٌ لِلتَّوْكِيدِ. انْتَهى. وقَدْ تَكَلَّمْنا عَلى أحْكامِ (أرَأيْتَ) بِمَعْنى أخْبِرْنِي في غَيْرِ مَوْضِعٍ، مِنها الَّتِي في سُورَةِ الأنْعامِ، وأشْبَعْنا الكَلامَ عَلَيْها في شَرْحِ التَّسْهِيلِ، وما قَرَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنا لَيْسَ بِجارٍ عَلى ما قَرَّرْناهُ، فَمِن ذَلِكَ أنَّهُ ادَّعى أنَّ جُمْلَةَ الشَّرْطِ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ الواحِدِ، والمَوْصُولَ هو الآخَرُ، وعِنْدَنا أنَّ المَفْعُولَ الثّانِيَ لا يَكُونُ إلّا جُمْلَةً اسْتِفْهامِيَّةً، كَقَوْلِهِ: ﴿أفَرَأيْتَ الَّذِي تَوَلّى﴾ [النجم: ٣٣] ﴿وأعْطى قَلِيلًا وأكْدى﴾ [النجم: ٣٤] ﴿أعِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ﴾ [النجم: ٣٥]، ﴿أفَرَأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا ووَلَدًا﴾ [مريم: ٧٧] ﴿أطَّلَعَ الغَيْبَ﴾ [مريم: ٧٨]، ﴿أفَرَأيْتُمْ ما تُمْنُونَ﴾ [الواقعة: ٥٨] ﴿أأنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ﴾ [الواقعة: ٥٩] وهو كَثِيرٌ في القُرْآنِ، فَتُخَرَّجُ هَذِهِ الآيَةُ عَلى ذَلِكَ القانُونِ، ويُجْعَلُ مَفْعُولُ (أرَأيْتَ) الأُولى هو المَوْصُولُ، وجاءَ بَعْدَهُ (أرَأيْتَ) وهي تَطْلُبُ مَفْعُولَيْنِ، (p-٤٩٥)و(أرَأيْتَ) الثّانِيَةُ كَذَلِكَ، فَمَفْعُولُ (أرَأيْتَ) الثّانِيَةِ والثّالِثَةِ مَحْذُوفٌ يَعُودُ عَلى (الَّذِي يَنْهى) فِيهِما، أوْ عَلى (عَبْدًا) في الثّانِيَةِ، وعَلى (الَّذِي يَنْهى) في الثّالِثَةِ عَلى الِاخْتِلافِ السّابِقِ في عَوْدِ الضَّمِيرِ، والجُمْلَةُ الِاسْتِفْهامِيَّةُ تَوالى عَلَيْها ثَلاثَةُ طَوِالِبَ، فَنَقُولُ: حُذِفَ المَفْعُولُ الثّانِي لِأرَأيْتَ، وهو جُمْلَةُ الِاسْتِفْهامِ الدّالِّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهامُ المُتَأخِّرُ لِدَلالَتِهِ عَلَيْهِ، حُذِفَ مَفْعُولُ (أرَأيْتَ) الأخِيرُ لِدَلالَةِ مَفْعُولِ (أرَأيْتَ) الأُولى عَلَيْهِ، وحُذِفا مَعًا لِـ(أرَأيْتَ) الثّانِيَةِ لِدَلالَةِ الأوَّلِ عَلى مَفْعُولِها الأوَّلِ، ولِدَلالَةِ الآخَرِ لِأرَأيْتَ الثّالِثَةَ عَلى مَفْعُولِها الآخَرِ. وهَؤُلاءِ الطَّوالِبُ لَيْسَ طَلَبُها عَلى طَرِيقِ التَّنازُعِ؛ لِأنَّ الجُمَلَ لا يَصِحُّ إضْمارُها، وإنَّما ذَلِكَ مِن بابِ الحَذْفِ في غَيْرِ التَّنازُعِ، وأمّا تَجْوِيزُ الزَّمَخْشَرِيِّ وُقُوعَ جُمْلَةِ الِاسْتِفْهامِ جَوابًا لِلشَّرْطِ بِغَيْرِ فاءٍ، فَلا أعْلَمُ أحَدًا أجازَهُ، بَلْ نَصُّوا عَلى وُجُوبِ الفاءِ في كُلِّ ما اقْتَضى طَلَبًا بِوَجْهٍ ما، ولا يَجُوزُ حَذْفُها إلّا إنْ كانَ في ضَرُورَةِ شِعْرٍ. (كَلّا) رَدْعٌ لِأبِي جَهْلٍ ومَن في طَبَقَتِهِ عَنْ نَهْيِ عِبادِ اللَّهِ عَنْ عِبادَةِ اللَّهِ ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ عَنْ ما هو فِيهِ، وعِيدٌ شَدِيدٌ (لَنَسْفَعًا) أيْ لَنَأْخُذَنْ (بِالنّاصِيَةِ) وعَبَّرَ بِها عَنْ جَمِيعِ الشَّخْصِ، أيْ سَحْبًا إلى النّارِ لِقَوْلِهِ: ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والأقْدامِ﴾ [الرحمن: ٤١] واكْتَفى بِتَعْرِيفِ العَهْدِ عَنِ الإضافَةِ، إذْ عُلِمَ أنَّها ناصِيَةُ النّاهِي، وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِالنُّونِ الخَفِيفَةِ، وكُتِبَتْ بِالألِفِ بِاعْتِبارِ الوَقْفِ، إذِ الوَقْفُ عَلَيْها بِإبْدالِها ألِفًا، وكَثُرَ ذَلِكَ حَتّى صارَتْ رَوِيًّا، فَكُتِبَتْ ألِفًا كَقَوْلِهِ: ؎ومَهْما تَشَأْ مِنهُ فَزارَةُ تَمَنَّعا وقالَ آخَرُ: ؎بِحَسْبِهِ الجاهِلُ ما لَمْ يَعْلَما ومَحْبُوبٌ وهارُونُ، كِلاهُما عَنْ أبِي عَمْرٍو: بِالنُّونِ الشَّدِيدَةِ، وقِيلَ: هو مَأْخُوذٌ مِن سَفَعَتْهُ النّارُ والشَّمْسُ، إذا غَيَّرَتْ وجْهَهُ إلى حالٍ شَدِيدٍ. وقالَ التَّبْرِيزِيُّ: قِيلَ: أرادَ لَنُسَوِّدَنَّ وجْهَهُ مِنَ السَّفْعَةِ وهي السَّوادُ، وكَفَتْ مِنَ الوَجْهِ لِأنَّها في مُقَدَّمِهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ﴾ بِجَرِّ الثَّلاثَةِ عَلى أنَّ ناصِيَةً بَدَلُ نَكِرَةٍ مِن مَعْرِفَةٍ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأنَّها وُصِفَتْ فاسْتُقْبِلَتْ بِفائِدَةٍ. انْتَهى. ولَيْسَ شَرْطًا في إبْدالِ النَّكِرَةِ مِنَ المَعْرِفَةِ أنْ تُوصَفَ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ خِلافًا لِمَن شَرَطَ ذَلِكَ مِن غَيْرِهِمْ، ولا أنْ يَكُونَ مِن لَفْظِ الأوَّلِ أيْضًا خِلافًا لِزاعِمِهِ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: بِنَصْبِ الثَّلاثَةِ عَلى الشَّتْمِ، والكِسائِيُّ في رِوايَةٍ: بِرَفْعِها، أيْ هي ناصِبَةٌ كاذِبَةٌ خاطِئَةٌ، وصَفَها بِالكَذِبِ والخَطَأِ مَجازًا، والحَقِيقَةُ صاحِبُها، وذَلِكَ أحْرى مِن أنْ يُضافَ فَيُقالُ: ناصِيَةِ كاذِبٍ خاطِئٍ؛ لِأنَّها هي المُحَدَّثُ عَنْها في قَوْلِهِ: ﴿لَنَسْفَعًا بِالنّاصِيَةِ﴾ . ﴿فَلْيَدْعُ نادِيَهُ﴾ إشارَةٌ إلى قَوْلِ أبِي جَهْلٍ: وما بِالوادِي أكْبَرُ نادِيًا مِنِّي، والمُرادُ أهْلُ النّادِي، وقالَ جَرِيرٌ: ؎لَهم مَجْلِسٌ صُهْبُ السِّبالِ أذِلَّةٌ أيْ أهْلُ مَجْلِسٍ، ولِذَلِكَ وصَفَ بِقَوْلِهِ: صُهْبُ السِّبالِ أذِلَّةٌ، وهو أمْرٌ تَعَجُّبِيٌّ، أيْ يُقَدِّرُهُ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ، لَوْ دَعا نادِيَهُ لَأخَذَتْهُ المَلائِكَةُ عِيانًا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (سَنَدْعُ) بِالنُّونِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وكُتِبَتْ بِغَيْرِ واوٍ؛ لِأنَّها تَسْقُطُ في الوَصْلِ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: (سَيُدْعى) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ (الزِّبانَيْةُ) رُفِعَ. (كَلّا) رَدْعٌ لِأبِي جَهْلٍ، ورَدَّ عَلَيْهِ في: ﴿لا تُطِعْهُ﴾ أيْ لا تَلْتَفِتْ إلى نَهْيِهِ وكَلامِهِ. (واسْجُدْ) أمْرٌ لَهُ بِالسُّجُودِ، والمَعْنى: دُمْ عَلى صَلاتِكَ، وعَبِّرْ عَنِ الصَّلاةِ بِأفْضَلِ الأوْصافِ الَّتِي يَكُونُ العَبْدُ فِيها أقْرَبَ إلى اللَّهِ تَعالى. (واقْتَرِبْ) وتَقَرَّبَ إلى رَبِّكَ، وثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ سُجُودُ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، في ﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ [الإنشقاق: ١]، وفي هَذِهِ السُّورَةِ، وهي مِنَ العَزائِمِ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وكانَ مالِكٌ يَسْجُدُ فِيها في خاصِّيَّةِ نَفْسِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب