الباحث القرآني

واخْتُلِفَ عَنْ قُنْبُلٍ في ﴿أنْ رَآهُ اسْتَغْنى﴾، فَرَوى ابْنُ مُجاهِدٍ وابْنُ شَنَبُوذَ، وأكْثَرُ الرُواةِ عَنْهُ رَأهُ بِقَصْرِ الهَمْزَةِ مِن غَيْرِ ألِفٍ، ورَواهُ الزَيْنَبِيُّ عَنْ قُنْبُلٍ بِالمَدِّ، فَخالَفَ فِيهِ سائِرَ الرُواةِ عَنْ قُنْبُلٍ إلّا أنَّ ابْنَ مُجاهِدٍ غَلَّطَ قُنْبُلًا في ذَلِكَ، فَرُبَّما لَمْ يَأْخُذْ بِهِ، وزَعَمَ أنَّ الخُزاعِيَّ رَواهُ عَنْ أصْحابِهِ بِالمَدِّ، ورَدَّ الناسُ عَلى ابْنِ مُجاهِدٍ في ذَلِكَ بِأنَّ الرِوايَةَ إذا ثْبَتَتْ وجَبَ الأخْذُ بِها وإنْ كانَتْ حُجَّتُها في العَرَبِيَّةِ ضَعِيفَةً كَما تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ وبِأنَّ الخُزاعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ هَذا الحَرْفَ في كِتابِهِ أصْلًا. (قُلْتُ): ولَيْسَ ما رُدَّ بِهِ عَلى ابْنِ مُجاهِدٍ في هَذا لازِمًا فَإنَّ الراوِيَ إذا ظَنَّ غَلَطَ المَرْوِيِّ عَنْهُ لا يَلْزَمُهُ رِوايَةُ ذَلِكَ عَنْهُ إلّا عَلى سَبِيلِ البَيانِ، سَواءٌ كانَ المَرْوِيُّ صَحِيحًا أمْ ضَعِيفًا، إذْ لا يَلْزَمُ مِن غَلَطِ المَرْوِيِّ عَنْهُ ضَعْفُ المَرْوِيِّ في نَفْسِهِ، فَإنَّ قِراءَةَ مُرْدِفِينَ بِفَتْحِ الدالِ صَحِيحَةٌ مَقْطُوعٌ بِها (p-٤٠٢)، وقَرَأ بِها ابْنُ مُجاهِدٍ عَلى قُنْبُلٍ مَعَ نَصِّهِ أنَّهُ غَلِطَ في ذَلِكَ، ولا شَكَّ أنَّ الصَوابَ مَعَ ابْنِ مُجاهِدٍ في ذَلِكَ. وأمّا كَوْنُ الخُزاعِيِّ لِمَ يَذْكُرْ هَذا الحَرْفَ في كِتابِهِ فَلا يَلْزَمُ أيْضًا، فَإنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ سَألَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَإنَّهُ أحَدُ شُيُوخِهِ الَّذِينَ رَوى عَنْهم قِراءَةَ ابْنِ كَثِيرٍ، والَّذِي عِنْدِي في ذَلِكَ أنَّهُ أحَدُ شُيُوخِهِ الَّذِينَ رَوى عَنْهم قِراءَةَ ابْنِ كَثِيرٍ، والَّذِي عِنْدِي في ذَلِكَ أنَّهُ إنْ أخَذَ بِغَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ مُجاهِدٍ والزَيْنَبِيِّ عَنْ قُنْبُلٍ كَطَرِيقِ ابْنِ شَنَبُوذَ وأبِي رَبِيعَةَ الَّذِي هو أجَلُّ أصْحابِهِ وكابْنِ الصَبّاحِ والعَبّاسِ بْنِ الفَضْلِ وأحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هارُونَ ودُلْبَةَ البَلْخِيِّ وابْنِ ثَوْبانَ وأحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اليَقْطِينِيِّ ومُحَمَّدِ بْنِ عِيسى الجَصّاصِ، وغَيْرِهِمْ. فَلا رَيْبَ في الأخْذِ لَهُ مِن طُرُقِهِمْ بِالقَصْرِ وجْهًا واحِدًا لِرِوايَتِهِمْ كَذَلِكَ مِن غَيْرِ إنْكارٍ، وإنْ أخَذَ بِطَرِيقِ الزَيْنَبِيِّ عَنْهُ فالمَدُّ كالجَماعَةِ وجْهًا واحِدًا، وإنْ أخَذَ بِطَرِيقِ ابْنِ مُجاهِدٍ فَيُنْظَرُ فِيمَن رَوى القَصْرَ عَنْهُ كَصالِحٍ المُؤَدِّبِ وبَكّارِ بْنِ أحْمَدَ والمُطَّوِّعِيِّ والشَنَبُوذِيِّ وعَبْدِ اللَهِ بْنِ اليَسَعِ الأنْطاكِيِّ وزَيْدِ بْنِ أبِي بِلالٍ، وغَيْرِهِمْ، فَيُؤْخَذُ بِهِ كَذَلِكَ، وإنْ كانَ مِمَّنْ رَوى المَدَّ عَنْهُ كَأبِي الحَسَنِ المُعَدَّلِ وأبِي طاهِرِ بْنِ أبِي هاشِمٍ وأبِي حَفْصٍ الكَتّانِيِّ، وغَيْرِهِمْ فالمَدُّ فَقَطْ، وإنْ كانَ مِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ الوَجْهانِ مِن أصْحابِهِ ؛ أُخِذَ بِهِما كَأبِي السامَرِّيِّ، رَوى عَنْهُ فارِسُ بْنُ أحْمَدَ القَصْرَ، ورَوى عَنْهُ ابْنُ نَفِيسٍ المَدَّ، وكَزَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي بِلالٍ، رَوى عَنْهُ أبُو الفَرَجِ النَهْرَوانِيُّ وأبُو مُحَمَّدِ بْنُ الفَحّامِ القَصْرَ، ورَوى عَنْهُ عَبْدُ الباقِي بْنُ الحَسَنِ المَدَّ. والوَجْهانِ جَمِيعًا مِن طَرِيقِ ابْنِ مُجاهِدٍ في الكافِي، وتَلْخِيصِ ابْنِ بَلِّيمَةَ، وغَيْرِهِما، ومِن غَيْرِ طَرِيقِهِ في التَجْرِيدِ والتَذْكِرَةِ، وغَيْرِهِما، وبِالقَصْرِ قَطَعَ في التَيْسِيرِ، وغَيْرِهِ مِن طَرِيقِهِ، ولا شَكَّ أنَّ القَصْرَ أثْبَتُ وأصَحُّ عَنْهُ مِن طَرِيقِ الأداءِ، والمَدُّ أقْوى مِن طَرِيقِ النَصِّ، وبِهِما آخُذُ مِن طَرِيقِهِ جَمْعًا بَيْنَ النَصِّ والأداءِ، ومَن زَعَمَ أنَّ ابْنَ مُجاهِدٍ لَمْ يَأْخُذْ بِالقَصْرِ، فَقَدْ أبْعَدَ في الغايَةِ، وخالَفَ الرِوايَةَ، واللَهُ تَعالى أعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ الخِلافُ في إمالَةِ الراءِ مِنهُ والهَمْزَةِ في بابِها، وكَذَلِكَ في أدْراكَ، وأرَأيْتَ، ذُكِرَ في الهَمْزِ المُفْرَدِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب