الباحث القرآني

وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿أنْ رَآهُ اسْتَغْنى﴾ مَفْعُولًا مِن أجْلِهِ؛ أيْ: يَطْغى لِأنْ رَأى نَفْسَهُ مُسْتَغْنِيًا عَلى أنَّ جُمْلَةَ ﴿اسْتَغْنى﴾ مَفْعُولٌ ثانٍ لِرَأى لِأنَّهُ بِمَعْنى عَلِمَ، ولِذَلِكَ ساغَ كَوْنُ فاعِلِهِ ومَفْعُولِهِ ضَمِيرَيْ واحِدٍ نَحْوَ: عَلَّمْتَنِي. فَقَدْ قالُوا: إنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ في غَيْرِ أفْعالِ القُلُوبِ وفُقِدَ وعُدِمَ، وذَهَبَ جَماعَةٌ إلى أنْ رَأى البَصَرِيَّةَ قَدْ تُعْطى حُكْمَ القَلْبِيَّةِ في ذَلِكَ وجَعَلُوا مِنهُ قَوْلَ عائِشَةَ: «لَقَدْ رَأيْتُنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وما لَنا طَعامٌ إلّا الأسْوَدانِ». وأنْشَدُوا: ؎ولَقَدْ أرانِي لِلرِّماحِ دَرِيئَةً مِن عَنْ يَمِينِي تارَةً وأمامِي فَإذا جُعِلَتْ رَأى هُنا بَصَرِيَّةً فالجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ، وتَعْلِيلُ طُغْيانِهِ بِرُؤْيَتِهِ لا بِنَفْسِ الِاسْتِغْناءِ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا في الأرْضِ﴾ لِلْإيذانِ بِأنَّ مَدارَ طُغْيانِهِ زَعْمُهُ الفاسِدُ عَلى الأوَّلِ، ومُجَرَّدُ رُؤْيَتِهِ ظاهِرُ الحالِ مِن غَيْرِ رَوِيَّةٍ وتَأمُّلٍ في حَقِيقَتِهِ عَلى الثّانِي، وعَلى الوَجْهَيْنِ المُرادُ بِالِاسْتِغْناءِ الغِنى بِالمالِ أعْنِي مُقابِلَ الفَقْرِ المَعْرُوفِ. وقِيلَ: المُرادُ أنْ رَأى نَفْسَهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ رَبِّهِ سُبْحانَهُ بِعَشِيرَتِهِ وأمْوالِهِ وقُوَّتِهِ وهو خِلافُ الظّاهِرِ، ويُبْعِدُهُ ظاهِرُ ما رُوِيَ«أنَّ أبا جَهْلٍ قالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: أتَزْعُمُ أنَّ مَنِ اسْتَغْنى طَغى فاجْعَلْ لَنا جِبالَ مَكَّةَ ذَهَبًا وفِضَّةً لَعَلَّنا نَأْخُذُ مِنها فَنَطْغى فَنَدَعُ دِينَنا ونَتَّبِعُ دِينَكَ. فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَ: إنْ شِئْتَ فَعَلْنا ذَلِكَ ثُمَّ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا فَعَلْنا بِهِمْ ما فَعَلْنا بِأصْحابِ المائِدَةِ، فَكَفَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنِ الدُّعاءِ إبْقاءً عَلَيْهِمْ». وقَرَأ قُنْبُلٌ بِخِلافٍ عَنْهُ: «أنْ رَأهُ» بِحَذْفِ الألِفِ الَّتِي بَعْدَ الهَمْزَةِ وهي لامُ الفِعْلِ، ورَوى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ مُجاهِدٍ وغَلَّطَهُ فِيهِ وقالَ: إنَّ ذَلِكَ حَذْفٌ لا يَجُوزُ، وفي البَحْرِ: يَنْبَغِي أنْ لا يُغَلِّطَهُ بَلْ يَتَطَلَّبُ لَهُ وجْهًا، وقَدْ حُذِفَتِ الألْفُ في نَحْوٍ مِن هَذا؛ قالَ: وصّانِي العَجّاجُ فِيمَن وصَّنِي. يُرِيدُ: وصّانِي فَحَذَفَ الألِفَ وهي لامُ الفِعْلِ وقَدْ حُذِفَتْ في مُضارِعِ رَأى في قَوْلِهِمْ: أصابَ النّاسَ جَهْدٌ لَوْ تَرَ أهْلَ مَكَّةَ، وهو حَذْفٌ لا يَنْقاسُ، لَكِنْ إذا صَحَّتِ الرِّوايَةُ وجَبَ القَبُولُ فالقِراءاتُ جاءَتْ عَلى لُغَةِ العَرَبِ قِياسُها وشاذُّها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب