الباحث القرآني

سُورَةُ الشَّمْسِ مَكِّيَّةٌ وهي خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً ﷽ ﴿والشَّمْسِ وضُحاها﴾ ﴿والقَمَرِ إذا تَلاها﴾ ﴿والنَّهارِ إذا جَلّاها﴾ ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشاها﴾ ﴿والسَّماءِ وما بَناها﴾ ﴿والأرْضِ وما طَحاها﴾ ﴿ونَفْسٍ وما سَوّاها﴾ ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ [الشمس: ٩] ﴿وقَدْ خابَ مَن دَسّاها﴾ [الشمس: ١٠] ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها﴾ [الشمس: ١١] ﴿إذِ انْبَعَثَ أشْقاها﴾ [الشمس: ١٢] ﴿فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وسُقْياها﴾ [الشمس: ١٣] ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهم بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها﴾ [الشمس: ١٤] ﴿ولا يَخافُ عُقْباها﴾ [الشمس: ١٥] طَحا ودَحا بِمَعْنًى واحِدٍ، أيْ بَسَطَ ووَطَّأ، ويَأْتِي طَحا بِمَعْنى ذَهَبَ، قالَ عَلْقَمَةُ: طَحا بِكَ قَلْبٌ في الحِسانِ طَرُوبُ ويُقالُ: ما أدْرِي أيْنَ طَحا ؟ أيْ ذَهَبَ، قالَهُ أبُو عَمْرٍو، وفي أيْمانِ العَرَبِ لا والقَمَرِ الطّاحِي: أيِ المُشْرِقِ المُرْتَفِعِ، ويُقالُ: طَحا يَطْحُو طَحْوًا، ويَطْحى طَحْوًا، التَّدْسِيَةُ: الإخْفاءُ، وأصْلُهُ دَسَسَ فَأبْدَلَ مِن ثالِثِ المُضاعَفاتِ حَرْفَ عِلَّةٍ، كَما قالُوا في نَقْصُصُ نَقُصُّ، قالَ الشّاعِرُ: ؎وأنْتَ الَّذِي دَسَسْتَ عَمْرًا فَأصْبَحَتْ حَلائِلُهُ مِنهُ أرامِلَ صُيْعا ويُنْشَدُ أيْضًا: ؎ودَسَسْتَ عَمْرًا في التُّرابِ دَمْدَمَ عَلَيْهِ القَبْرَ: أطْبَقَهُ. وقالَ مُؤَرِّجٌ: الدَّمْدَمَةُ: إهْلاكٌ بِاسْتِئْصالٍ. وقالَ في الصِّحاحِ: دَمْدَمْتُ الشَّيْءَ: ألْزَقْتَهُ بِالأرْضِ وطَحْطَحْتَهُ. ﴿والشَّمْسِ وضُحاها﴾ ﴿والقَمَرِ إذا تَلاها﴾ ﴿والنَّهارِ إذا جَلّاها﴾ ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشاها﴾ ﴿والسَّماءِ وما بَناها﴾ ﴿والأرْضِ وما طَحاها﴾ ﴿ونَفْسٍ وما سَوّاها﴾ ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ [الشمس: ٩] ﴿وقَدْ خابَ مَن دَسّاها﴾ [الشمس: ١٠] ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها﴾ [الشمس: ١١] ﴿إذِ انْبَعَثَ أشْقاها﴾ [الشمس: ١٢] ﴿فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وسُقْياها﴾ [الشمس: ١٣] ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهم بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها﴾ [الشمس: ١٤] ﴿ولا يَخافُ عُقْباها﴾ [الشمس: ١٥] (p-٤٧٨)هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، ولَمّا تَقَدَّمَ القَسَمُ بِبَعْضِ المَواضِعِ الشَّرِيفَةِ وما بَعْدَها، أقْسَمَ هُنا بِشَيْءٍ مِنَ العالَمِ العُلْوِيِّ والعالَمِ والسُّفْلِيِّ، وبِما هو آلَةُ التَّفَكُّرِ في ذَلِكَ، وهو النَّفْسُ. وكانَ آخِرُ ما قَبْلَها مُخْتَتَمًا بِشَيْءٍ مِن أحْوالِ الكُفّارِ في الآخِرَةِ، فاخْتَتَمَ هَذِهِ بِشَيْءٍ مِن أحْوالِهِمْ في الدُّنْيا، وفي ذَلِكَ بِمَآلِهِمْ في الآخِرَةِ إلى النّارِ، وفي الدُّنْيا إلى الهَلاكِ المُسْتَأْصِلِ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ضُحًى في سُورَةِ طه عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٩] . وقالَ مُجاهِدٌ: هو ارْتِفاعُ الضَّوْءِ وكَمالُهُ. وقالَ مُقاتِلٌ: حَرُّها لِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَضْحى﴾ [طه: ١١٩] . وقالَ قَتادَةُ: هو النَّهارُ كُلُّهُ، وهَذا لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأنَّهُ قَدْ أقْسَمَ بِالنَّهارِ، والمَعْرُوفُ في اللُّغَةِ أنَّ الضُّحى هو بُعَيْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَلِيلًا، فَإذا زادَ فَهو الضَّحاءُ، بِالمَدِّ وفَتْحِ الضّادِ إلى الزَّوالِ، وقَوْلُ مُقاتِلٍ تَفْسِيرٌ بِاللّازِمِ، وما نُقِلَ عَنِ المُبَرِّدِ مِن أنَّ الضُّحى مُشْتَقٌّ مِنِ الضِّحِّ، وهو نُورُ الشَّمْسِ، والألِفُ مَقْلُوبَةٌ مِنَ الحاءِ الثّانِيَةِ، وكَذَلِكَ الواوُ في ضَحْوَةٍ مَقْلُوبَةٌ عَنِ الحاءِ الثّانِيَةِ، لَعَلَّهُ مُخْتَلَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ المُبَرِّدَ أجَلُّ مَن أنْ يَذْهَبَ إلى هَذا، وهَذانِ مادَّتانِ مُخْتَلِفَتانِ لا تُشْتَقُّ إحْداهُما مِنَ الأُخْرى. ﴿والقَمَرِ إذا تَلاها﴾ قالَ الحَسَنُ والفَرّاءُ: تَلاها مَعْناهُ تَبِعَها دَأبًا في كُلِّ وقْتٍ؛ لِأنَّهُ يَسْتَضِيءُ مِنها، فَهو يَتْلُوها لِذَلِكَ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَتْلُوها في الشَّهْرِ كُلِّهِ، يَتْلُوها في النِّصْفِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ بِالطُّلُوعِ، وفي الآخَرِ بِالغُرُوبِ. وقالَ ابْنُ سَلّامٍ: في النِّصْفِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ يَأْخُذُ مَوْضِعَها ويَسِيرُ خَلْفَها، إذا غابَتْ يَتْبَعُها القَمَرُ طالِعًا. وقالَ قَتادَةُ: إنَّما ذَلِكَ البَدْرُ، تَغِيبُ هي فَيَطْلُعُ هو. وقالَ الزَّجّاجُ وغَيْرُهُ: تَلاها مَعْناهُ: امْتَلَأ واسْتَدارَ، وكانَ لَها تابِعًا لِلْمَنزِلِ مِنِ الضِّياءِ والقَدْرِ، لِأنَّهُ لَيْسَ في الكَواكِبِ شَيْءٌ يَتْلُو الشَّمْسَ في هَذا المَعْنى غَيْرَ القَمَرِ. وقِيلَ: مِن أوَّلِ الشَّهْرِ إلى نِصْفِهِ، في الغُرُوبِ تَغْرُبُ هي ثُمَّ يَغْرُبُ هو، وفي النِّصْفِ الآخِرِ يَتَحاوَرانِ، وهو أنْ تَغْرُبَ هي فَيَطْلُعَ هو، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَلاها طالِعًا عِنْدَ غُرُوبِها آخِذًا مِن نُورِها وذَلِكَ في النِّصْفِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ. ﴿والنَّهارِ إذا جَلّاها﴾ الظّاهِرُ أنَّ مَفْعُولَ جَلّاها هو الضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى الشَّمْسِ؛ لِأنَّهُ عِنْدَ انْبِساطِ النَّهارِ تَنْجَلِي الشَّمْسُ في ذَلِكَ الوَقْتِ تَمامَ الِانْجِلاءِ. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى الظُّلْمَةِ. وقِيلَ: عَلى الأرْضِ. وقِيلَ: عَلى الدُّنْيا، والَّذِي يُجَلِّي الظُّلْمَةَ هو الشَّمْسُ أوِ النَّهارُ، فَإنَّهُ وإنْ لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ لا تَبْقى الظُّلْمَةُ، والفاعِلُ بَجَّلاها ضَمِيرُ النَّهارِ. قِيلَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عائِدًا عَلى اللَّهِ تَعالى، كَأنَّهُ قالَ: والنَّهارِ إذا جَلّى اللَّهُ الشَّمْسَ، فَأقْسَمَ بِالنَّهارِ في أكْمَلِ حالاتِهِ. ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشاها﴾ أيْ يَغْشى الشَّمْسَ، فَبِدُخُولِهِ تَغِيبُ وتُظْلِمُ الآفاقُ، ونِسْبَةُ ذَلِكَ إلى اللَّيْلِ مَجازٌ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى الأرْضِ، والَّذِي تَقْتَضِيهِ الفَصاحَةُ أنَّ الضَّمائِرَ كُلَّها إلى قَوْلِهِ: (يَغْشاها) عائِدَةٌ عَلى الشَّمْسِ. وكَما أنَّ النَّهارَ جَلّاها، كانَ النَّهارُ هو الَّذِي يَغْشاها. ولَمّا كانَتِ الفَواصِلُ تَرَتَّبَتْ عَلى ألِفِ وهاءِ المُؤَنَّثِ، أتى ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشاها﴾ بِالمُضارِعِ؛ لِأنَّهُ الَّذِي تَرَتَّبَ فِيهِ، ولَوْ أتى بِالماضِي، كالَّذِي قَبْلَهُ وبَعْدَهُ، كانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ إذا غَشِيَها، فَتَفُوتُ الفاصِلَةُ، وهي مَقْصُودَةٌ. وقالَ القَفّالُ ما مُلَخَّصُهُ: هَذِهِ الأقْسامُ بِالشَّمْسِ في الحَقِيقَةِ بِحَسَبِ أوْصافٍ أرْبَعَةٍ: ضَوْؤُها عِنْدَ ارْتِفاعِ النَّهارِ وقْتَ انْتِشارِ الحَيَوانِ، وطَلَبِ المَعاشِ، وتُلُوُّ القَمَرِ لَها بِأخْذِهِ الضَّوْءَ، وتَكامُلُ طُلُوعِها وبُرُوزِها، وغَيْبُوبَتُها بِمَجِيءِ اللَّيْلِ. وما في قَوْلِهِ: ﴿وما بَناها﴾، ﴿وما طَحاها﴾، ﴿وما سَوّاها﴾ بِمَعْنى الَّذِي، قالَهُ الحَسَنُ ومُجاهِدٌ وأبُو عُبَيْدَةَ، واخْتارَهُ الطَّبَرِيُّ، قالُوا: لِأنَّ ”ما“ تَقَعُ عَلى أُولِي العِلْمِ وغَيْرِهِمْ. وقِيلَ: مَصْدَرِيَّةٌ، قالَهُ قَتادَةُ، والمُبَرِّدُ، والزَّجّاجُ، وهَذا قَوْلُ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ ما لا تَقَعُ عَلى آحادِ أُولِي العِلْمِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جُعِلَتْ مَصْدَرِيَّةً، ولَيْسَ بِالوَجْهِ لِقَوْلِهِ: ﴿فَألْهَمَها﴾ وما (p-٤٧٩)يُؤَدِّي إلَيْهِ مِن فَسادِ النَّظْمِ، والوَجْهُ أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً، وإنَّما أُوثِرَتْ عَلى مَن لِإرادَةِ مَعْنى الوَصْفِيَّةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: والسَّماءِ والقادِرِ العَظِيمِ الَّذِي بَناها، ونَفْسٍ والحَكِيمِ الباهِرِ الحِكْمَةِ الَّذِي سَوّاها، وفي كَلامِهِمْ سُبْحانَ مَن سَخَّرَكُنَّ لَنا. انْتَهى. أمّا قَوْلُهُ: ولَيْسَ بِالوَجْهِ لِقَوْلِهِ: (فَألْهَمَها) يَعْنِي مِن عَوْدِ الضَّمِيرِ في (فَألْهَمَها) عَلى اللَّهِ تَعالى، فَيَكُونُ قَدْ عادَ عَلى مَذْكُورٍ، وهو ما المُرادُ بِهِ الَّذِي، ولا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأنّا إذا جَعَلْناها مَصْدَرِيَّةً عادَ الضَّمِيرُ عَلى ما يُفْهَمُ مِن سِياقِ الكَلامِ، فَفي بَناها ضَمِيرٌ عائِدٌ عَلى اللَّهِ تَعالى، أيْ وبَناها هو، أيِ اللَّهُ تَعالى، كَما إذا رَأيْتَ زَيْدًا قَدْ ضَرَبَ عَمْرًا، فَقُلْتَ: عَجِبْتُ مِمّا ضَرَبَ عَمْرًا تَقْدِيرُهُ: مَن ضَرَبَ عَمْرًا ؟ وهو كانَ حَسَنًا فَصِيحًا جائِزًا، وعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلى ما يُفْهَمُ مِن سِياقِ الكَلامِ كَثِيرٌ، وقَوْلُهُ: وما يُؤَدِّي إلَيْهِ مِن فَسادِ النَّظْمِ لَيْسَ كَذَلِكَ، ولا يُؤَدِّي جَعْلُها مَصْدَرِيَّةً إلى ما ذَكَرَ، وقَوْلُهُ إنَّما أُوثِرَتْ. . . إلَخْ لا يُرادُ بِما ولا بِمَنِ المَوْصُولَتَيْنِ مَعْنى الوَصْفِيَّةِ؛ لِأنَّهُما لا يُوصَفُ بِهِما بِخِلافِ الَّذِي فاشْتِراكُهُما في أنَّهُما لا يُؤَدِّيانِ مَعْنى الوَصْفِيَّةِ مَوْجُودٌ فِيهِما، فَلا يَنْفَرِدُ بِهِ ”ما“ دُونَ ”مَن“، وقَوْلُهُ: وفي كَلامِهِمْ. . . إلَخْ، تَأوَّلَهُ أصْحابُنا عَلى أنَّ سُبْحانَ عَلَمٌ وما مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: الأمْرُ في نَصْبِ (p-٤٨٠)إذا مُعْضِلٌ؛ لِأنَّكَ إمّا أنْ تَجْعَلَ الواواتِ عاطِفَةً فَتَنْصِبَ بِها وتَجُرَّ، فَتَقَعُ في العَطْفِ عَلى عامِلَيْنِ، وفي نَحْوِ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ أمْسِ بِزَيْدٍ واليَوْمَ عَمْرٍو، وإمّا أنْ تَجْعَلَهُنَّ لِلْقَسَمِ، فَتَقَعَ فِيما اتَّفَقَ الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ عَلى اسْتِكْراهِهِ. قُلْتُ: الجَوابُ فِيهِ أنَّ واوَ القَسَمِ مُطَّرِحٌ مَعَهُ إبْرازُ الفِعْلِ اطِّراحًا كُلِّيًّا، فَكانَ لَها شَأْنٌ خِلافَ شَأْنِ الباءِ، حَيْثُ أبْرَزَ مَعَها الفِعْلَ وأضْمَرَ، فَكانَتِ الواوُ قائِمَةً مَقامَ الفِعْلِ، والباءُ سادَّةً مَسَدَّهُما مَعًا، والواواتُ العَواطِفُ نَوائِبُ عَنْ هَذِهِ، فَحَقُّهُنَّ أنْ يَكُنَّ عَوامِلَ عَلى الفِعْلِ والجارِّ جَمِيعًا، كَما تَقُولُ: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وبَكْرٌ خالِدًا، فَتَرْفَعُ بِالواوِ وتَنْصِبُ لِقِيامِها مَقامَ ضَرَبَ الَّذِي هو عامِلُهُما. انْتَهى. أمّا قَوْلُهُ في واواتِ العَطْفِ فَتَنْصِبُ بِها وتَجُرُّ فَلَيْسَ هَذا بِالمُخْتارِ، أعْنِي أنْ يَكُونَ حَرْفُ العَطْفِ عامِلًا لِقِيامِهِ مَقامَ العامِلِ، بَلِ المُخْتارُ أنَّ العَمَلَ إنَّما هو لِلْعامِلِ في المَعْطُوفِ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ الِإنْشاءَ حُجَّةٌ في ذَلِكَ، وقَوْلُهُ: فَتَقَعُ في العَطْفِ عَلى عامِلَيْنِ، لَيْسَ ما في الآيَةِ مِنَ العَطْفِ عَلى عامِلَيْنِ، وإنَّما هو مِن بابِ عَطْفِ اسْمَيْنِ مَجْرُورٍ ومَنصُوبٍ عَلى اسْمَيْنِ مَجْرُورٍ ومَنصُوبٍ، فَحَرْفُ العَطْفِ لَمْ يَنُبْ مَنابَ عامِلَيْنِ، وذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِكَ: امْرُرْ بِزَيْدٍ قائِمًا وعَمْرٍو جالِسًا، وقَدْ أنْشَدَ سِيبَوَيْهِ في كِتابِهِ: ؎فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ لَنا أنْ نَرُدَّها ∗∗∗ صِحاحًا ولا مُسْتَنْكَرٍ أنْ تُعَقَّرا فَهَذا مِن عَطْفِ مَجْرُورٍ ومَرْفُوعٍ عَلى مَجْرُورٍ ومَرْفُوعٍ، والعَطْفُ عَلى عامِلَيْنِ فِيهِ أرْبَعُ مَذاهِبَ، وقَدْ نُسِبَ الجَوازُ إلىسِيبَوَيْهِ. وقَوْلُهُ في نَحْوِ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ أمْسِ بِزَيْدٍ واليَوْمَ عَمْرٍو، وهَذا المِثالُ مُخالِفٌ لِما في الآيَةِ، بَلْ وِزانُ ما في الآيَةِ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ أمْسِ وعَمْرٍو اليَوْمَ، ونَحْنُ نُجِيزُ هَذا. وأمّا قَوْلُهُ عَلى اسْتِكْراهٍ فَلَيْسَ كَما ذَكَرَ، بَلْ كَلامُ الخَلِيلِ يَدُلُّ عَلى المَنعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب