الباحث القرآني

مكية، وآياتها 15 [نزلت بعد القدر] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ضحاها: ضوؤها إذا أشرقت وقام سلطانها، ولذلك قيل: وقت الضحى، وكأن وجهه شمس الضحى. وقيل: الضحوة ارتفاع النهار. والضحى فوق ذلك. والضحاء بالفتح والمد: إذا امتد النهار وقرب أن ينتصف إِذا تَلاها طالعا عند غروبها آخذا من نورها، وذلك في النصف الأوّل من الشهر. وقيل: إذا استدار فتلاها في الضياء والنور إِذا جَلَّاها عند انتفاخ النهار [[قوله «عند انتفاخ النهار» في الصحاح: انتفخ النهار، أى: علا. (ع)]] وانبساطه، لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء. وقيل: الضمير للظلمة، أو للدنيا، أو للأرض، وإن لم يجر لها ذكر، كقولهم: أصبحت باردة: يريدون الغداة، وأرسلت: يريدون السماء إذا يغشاها، فتغيب وتظلم الآفاق، فإن قلت: الأمر في نصب «إذا» معضل، لأنك لا تخلو إما أن تجعل الواوات عاطفة فتنصب بها وتجر، فتقع في العطف على عاملين في نحو قولك: مررت أمس بزيد، واليوم عمرو. وإما أن تجعلهن للقسم، فتقع فيما اتفق الخليل وسيبويه على استكراهه. قلت: الجواب فيه أن واو القسم مطرح معها إبراز الفعل إطراحا كليا، فكان لها شأن خلاف شأن الباء، حيث أبرز معها الفعل وأضمر، فكانت الواو قائمة مقام الفعل والباء سادّة مسدهما معا، والواوات العواطف نوائب عن هذه الواو، فحققن أن يكون عوامل على الفعل [[قوله «عوامل على الفعل» لعله: عمل الفعل. (ع)]] والجار جميعا، كما تقول: ضرب زيد عمرا، وبكر خالدا، فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملهما. جعلت «ما» مصدرية في قوله وَما بَناها وَما طَحاها وَما سَوَّاها وليس بالوجه لقوله فَأَلْهَمَها وما يؤدى إليه من فساد النظم. والوجه أن تكون موصولة، وإنما أوثرت على من لإرادة معنى الوصفية، كأنه قيل: والسماء، والقادر العظيم الذي بناها، ونفس، والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها، وفي كلامهم: سبحان ما سخركن لنا. فإن قلت: لم نكرت النفس؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يريد نفسا خاصة من بين النفوس وهي نفس آدم، كأنه قال: وواحدة من النفوس. والثاني: أن يريد كل نفس وينكر للتكثير على الطريقة المذكورة في قوله عَلِمَتْ نَفْسٌ. ومعنى إلهام الفجور والتقوى: إفهامهما وإعقالهما، وأنّ أحدهما حسن والآخر قبيح، وتمكينه من اختيار ما شاء منهما [[قال محمود: «معنى إلهام الفجور والتقوى إفهامهما وإعقالهما، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح، وتمكينه ... الخ» قال أحمد: بين في هذا الكلام نوعين من الباطل، أحدهما في قوله: معنى إلهام الفجور والتقوى إفهامهما وإعقالهما، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح، والذي يكنه في هذه الكلمات اعتقاد أن الحسن والقبح مدركان بالعقل. ألا ترى إلى قوله: إعقالهما، أى خلق العقل الموصل إلى معرفة حسن الحسن وقبح القبيح، وإنما اغتنم في هذا فرصة إشعار الإلهام بذلك، فانه ربما يظن أن إطلاقه على العلم المستفاد من السمع بعيد، والذي يقطع دابر هذه النزغة أنا وإن قلنا إن الحسن والقبح لا يدركان إلا بالسمع لأنهما راجعان إلى الأحكام الشرعية التي ليست عندنا بصفات الأفعال، فانا لا نلغى حظ العقل من إدراك الأحكام الشرعية، بل لا بد في علم كل حكم شرعي من المقدمتين: عقلية، وهي الموصلة إلى العقيدة. وسمعية مفرعة عليها، وهي الدالة على خصوص الحكم. على أن تعلقه بظاهر لو سلم ظهوره في قاعدة قطعية بمعزل عن الصواب. النزغة الثانية: وهي التي كشف القناع في إبرازها أن التزكية وقسيمها ليس مخلوقين لله تعالى، بل لشركائه المعتزلة، وإنما نعارضه في الظاهر من فحوى الآية، على أنه لم يذكر وجها في الرد على من قال: إن الضمير لله تعالى، وإنما اقتصر على الدعوى مقرونة بسفاهته على أهل السنة، فنقول: لا مراء في احتمال عود الضمير إلى الله تعالى وإلى ذى النفس، لكن عوده إلى الله تعالى أولى لوجهين، أحدهما: أن الجمل سيقت سياقة واحدة من قوله وَالسَّماءِ وَما بَناها وهلم جرا، والضمائر فيما تقدم هذين الفعلين عائدة إلى الله تعالى بالاتفاق، ولم يجر لغير الله تعالى ذكر. وإن قيل بعود الضمير إلى غيره: فإنما يتمحل لجوازه بدلالة الكلام ضمنا واستلزاما، لا ذكرا ونطقا، وما جرى ذكره أولى أن يعود الضمير عليه. الثاني: أن الفعل المستعمل في الآية التي استدل بها في قوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى «تفعل» ، ولا شك أن «تفعل» مطاوع «فعل» فهذا بأن يدل لنا، أولى من أن يدل له، لأن الكلام عندنا نحن: قد أفلح من زكاه الله فتزكى، وعنده الفاعل في الاثنين واحد، أضاف إليه الفعلين المختلفين، ويحتاج في تصحيح الكلام إلى تعديد اعتبار وجهه، ونحن عنه في غنية، على أنا لا نأبى أن تضاف التزكية والتدسية إلى العبد، على طريقة أنه الفاعل، كما يضاف إليه الصلاة والصيام وغير ذلك من أفعال الطاعات، لأن له عندنا اختيارا وقدرة مقارنة، وإن منعنا البرهان العقلي الدال على وحدانية الله تعالى ونفى الشريك أن نجعل قدرة العبد مؤثرة خالقة، فهذا جوابنا على الآية تنزلا، وإلا فلم يذكر وجها من الرد، فيلزمنا الجواب عنه، وأما جوابنا عن سفاهته على أهل السنة، فالسكوت، والله الموفق.]] بدليل قوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها فجعله فاعل التزكية [[قوله «فجعله فاعل التزكية» مبنى على مذهب المعتزلة: من أن العبد هو الفاعل لأفعاله الاختيارية. وذهب أهل السنة إلى أن الفاعل لها في الحقيقة هو الله تعالى، كما تقرر في علم التوحيد. (ع)]] والتدسية ومتوليهما والتزكية: الإنماء والإعلاء بالتقوى. والتدسية: النقص والإخفاء بالفجور. وأصل دسى: دسس، كما قيل في تقضض: تقضى. وسئل ابن عباس عنه فقال: أتقرأ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً. وأما قول من زعم أنّ الضمير في زكى ودسى لله تعالى، وأنّ تأنيث الراجع إلى من، لأنه في معنى النفس: فمن تعكيس القدرية الذين يورّكون [[قوله «الذين يوركون على الله قدرا» في الصحاح: ورك فلان ذنبه على غيره، إذا قرفه به اه، أى: اتهمه. ومراده بالقدرية: أهل السنة، حيث قالوا: كل ما وقع في الكون هو بقضائه تعالى وقدره خيرا كان أو شرا، ويخلقه تعالى وإرادته، قبيحا كان أو حسنا، من أفعال العباد أو من غيرها، كما تقرر في التوحيد. (ع)]] على الله قدرا هو بريء منه ومتعال عنه، ويحيون لياليهم في تمحل فاحشة ينسبونها إليه. فإن قلت: فأين جواب القسم؟ قلت: هو محذوف تقديره: ليدمدمنّ الله عليهم، أى: على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله ﷺ، كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحا. وأما قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها فكلام تابع لقوله فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها على سبيل الاستطراد، وليس من جواب القسم في شيء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب