الباحث القرآني

(p-٢٨١)سُورَةُ الشَّمْسِ مَكِّيَّةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ قَوْلُهُ تَعالى ﴿والشَّمْسِ وضُحاها﴾ هَذانِ قَسَمانِ: قَسَمٌ بِالشَّمْسِ، وقَسَمٌ بِضُحاها، وفي ضُحاها أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: هو إشْراقُها، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: هو انْبِساطُها، قالَهُ اليَزِيدِيُّ. الثّالِثُ: حَرُّها، قالَهُ السُّدِّيُّ. الرّابِعُ: هَذا النَّهارُ، قالَهُ قَتادَةُ. وَيَحْتَمِلُ خامِسًا: أنَّهُ ما ظَهَرَ بِها مِن كُلِّ مَخْلُوقٍ، فَيَكُونُ القَسَمُ بِها وبِالمَخْلُوَقاتِ كُلِّها. ﴿والقَمَرِ إذا تَلاها﴾ فَفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: إذا ساواها، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: إذا تَبِعَها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وَفي اتِّباعِهِ لَها ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:(p-٢٨٢) أحَدُها: أوَّلُ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ إذا سَقَطَتِ الشَّمْسُ يُرى القَمَرُ عِنْدَ سُقُوطِها، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: الخامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ يَطْلُعُ القَمَرُ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قالَهُ الطَّبَرِيُّ. الثّالِثُ: في الشَّهْرِ كُلِّهِ فَهو في النِّصْفِ الأوَّلِ يَتْلُوها، وتَكُونُ أمامَهُ وهو وراءَها، وإذا كانَ في النِّصْفِ الأخِيرِ كانَ هو أمامَها وهي وراءَهُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: أنَّهُ خَلَفَها في اللَّيْلِ، فَكانَ لَهُ مِثْلُ ما لَها في النَّهارِ لِأنَّ تَأْثِيرَ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما في زَمانِهِ، فَلِلشَّمْسِ النَّهارُ. وَلِلْقَمَرِ اللَّيْلُ. ﴿والنَّهارِ إذا جَلاها﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أضاءَها، يَعْنِي الشَّمْسَ لِأنَّ ضَوْءُها بِالنَّهارِ يُجَلِّي ظُلْمَةَ اللَّيْلِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: أظْهَرَها، لِأنَّ ظُهُورَ الشَّمْسِ بِالنَّهارِ، ومِنهُ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ الخَطِيمِ ؎ تُجْلَبُ لَنا كالشَّمْسِ بَيْنَ غَمامَةٍ بَدا حاجِبٌ مِنها وضَنَّتْ بِحاجِبِ وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّ النَّهارَ جَلّى ما في الأرْضِ مِن حَيَوانِها حَتّى ظَهَرَ لِاسْتِتارِهِ لَيْلًا وانْتِشارِهِ نَهارًا. ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشاها﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أظْلَمَها، يَعْنِي الشَّمْسَ، وهو مُقْتَضى قَوْلِ مُجاهِدٍ. الثّانِي: يَسْتُرُها، ومِنهُ قَوْلُ الخَنْساءِ ؎ أرْعى النُّجُومَ وما كُلِّفْتُ رِعْيَتَها ∗∗∗ وتارَةً أتَغَشّى فَضْلَ أطْمارِي ﴿والسَّماءِ وما بَناها﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: والسَّماءِ وبِنائِها، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: مَعْناهُ ومَن بَناها وهو اللَّهُ تَعالى، قالَهُ مُجاهِدٌ والحَسَنُ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: والسَّماءِ وما في بِنائِها، يَعْنِي مِنَ المَلائِكَةِ والنُّجُومِ، فَيَكُونُ هَذا (p-٢٨٣) قَسَمًا بِما في السَّماءِ، ويَكُونُ ما تَقَدَّمَهُ قَسَمًا بِما في الأرْضِ. ﴿والأرْضِ وما طَحاها﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: مَعْناهُ بَسَطَها، قالَهُ سُفْيانُ وأبُو صالِحٍ. الثّانِي: مَعْناهُ قَسَّمَها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّالِثُ: يَعْنِي ما خَلَقَ فِيها، قالَهُ عَطِيَّةُ العُوفِيُّ، ويَكُونُ طَحاها بِمَعْنى خَلَقَها، قالَ الشّاعِرُ ؎ وما تَدْرِي جَذِيمَةُ مَن طَحاها ∗∗∗ ولا مَن ساكِنُ العَرْشِ الرَّفِيعِ وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: أنَّهُ ما خَرَجَ مِنها مِن نَباتٍ وعُيُونٍ وكُنُوزٍ، لِأنَّهُ حَياةٌ لِما خُلِقَ عَلَيْها. ﴿وَنَفْسٍ وما سَوّاها﴾ في النَّفْسِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: آدَمُ، ومَن سَوّاها: اللَّهُ تَعالى، قالَهُ الحَسَنُ. الثّانِي: أنَّها كُلُّ نَفْسٍ. وَفي مَعْنى سَوّاها عَلى هَذا القَوْلِ وجْهانِ: أحَدُهُما: سَوّى بَيْنَهم في الصِّحَّةِ، وسَوّى بَيْنَهم في العَذابِ جَمِيعًا، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. الثّانِي: سَوّى خُلُقَها وعَدَّلَ خَلْقَها، قالَهُ مُجاهِدٌ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: سَوّاها بِالعَقْلِ الَّذِي فَضَّلَها بِهِ عَلى جَمِيعِ الحَيَواناتِ. ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ في " ألْهَمَها " تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: أعْلَمَها، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: ألْزَمَها، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. وَفي ﴿فُجُورَها وتَقْواها﴾ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: الشَّقاءُ والسَّعادَةُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: الشَّرُّ والخَيْرُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّالِثُ: الطّاعَةُ والمَعْصِيَةُ، قالَهُ الضَّحّاكُ.(p-٢٨٤) وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: الرَّهْبَةُ والرَّغْبَةُ لِأنَّهُما داعِيا الفُجُورِ والتَّقْوى. وَرَوى جُوَيْبِرُ عَنِ الضَّحّاكِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ إذا قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ رَفَعَ صَوْتَهُ: اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْواها، أنْتَ ولِيُّها ومَوْلاها، وأنْتَ خَيْرُ مَن زَكّاها)» . ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ عَلى هَذا وقَعَ القَسَمُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فِيها أحَدَ عَشَرَ قَسَمًا. وَفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّى اللَّهُ نَفْسَهُ بِطاعَةِ اللَّهِ وصالِحِ الأعْمالِ. الثّانِي: قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّى نَفْسَهُ بِطاعَةِ اللَّهِ وصالِحِ الأعْمالِ. وَفي زَكّاها وجْهانِ: أحَدُهُما: طَهَّرَها، وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ. الثّانِي: أصْلَحَها، وهو قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. ﴿وَقَدْ خابَ مَن دَسّاها﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: عَلى ما قَضى وقَدْ خابَ مَن دَسّى اللَّهُ نَفْسَهُ. الثّانِي: مَن دَسّى نَفْسَهُ. وَفي ﴿دَسّاها﴾ سَبْعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أغْواها وأضَلَّها، قالَهُ مُجاهِدٌ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، لِأنَّهُ دَسّى نَفْسَهُ في المَعاصِي، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ ؎ وأنْتَ الَّذِي دَسَّيْتَ عَمْرًا فَأصْبَحَتْ ∗∗∗ حَلائِلُهم فِيهِمْ أرامِلَ ضُيَّعا الثّانِي: إثْمُها وفُجُورُها، قالَهُ قَتادَةُ. الثّالِثُ: خُسْرُها، قالَهُ عِكْرِمَةُ.(p-٢٨٥) الرّابِعُ: كَذِبُها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الخامِسُ: أشْقاها، قالَهُ ابْنُ سَلامٍ. السّادِسُ: جَنَّبَها في الخَيْرِ، وهَذا قَوْلُ الضَّحّاكِ. السّابِعُ: أخْفاها وأخْمَلَها بِالبُخْلِ، حَكاهُ ابْنُ عِيسى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب