الباحث القرآني

* (فصل) ومن ذلك قوله تعالى ﴿والشَّمْسِ وضُحاها والقَمَرِ إذا تَلاها والنَّهارِ إذا جَلاها واللَّيْلِ إذا يَغْشاها والسَّماءِ وما بَناها والأرْضِ وما طَحاها ونَفْسٍ وما سَوّاها فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ قال الزجاج وغيره جواب القسم ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ ولما طال الكلام حسن حذف اللام من الجواب وقد تضمن هذا القسم الإقسام بالخالق والمخلوق فأقسم بالسماء وبانيها والأرض وطاحيها والنفس ومسويها وقد قيل إن مصدرية فيكون الإقسام بنفس فعله تعالى فيكون قد أقسم بالمصنوع الدال عليه وبصنعته الدالة على كمال علمه وقدرته وحكمته وتوحيده ولما كانت حركة الشمس والقمر والليل والنهار أمرًا يشهد الناس حدوثه شيئًا فشيئًا ويعلمون أن الحادث لا بد له من محدث كان العلم بذلك منزلًا منزلة ذكر المحدث له لفظًا فلم يذكر الفاعل في الإقسام الأربعة ولهذا سلك طائفة من النظار طريق الاستدلال بالزمان على الصانع وهو استدلال صحيح قد نبه عليه القرآن في غير موضع كقوله ﴿إن في خلق السماوات والأرض لآيات لأولي الألباب﴾ ولما كانت السماء والأرض ثابتتين حتى ظن من ظن أنهما قديمتان ذكر مع الإقسام بهما بانيهما ومبدعهما وكذلك النفس فإن حدوثها غير مشهود حتى ظن بعضهم قدمها فذكر مع الإقسام بها مسويها وفاطرها مع ما في ذكر بناء السماء وطحو الأرض وتسوية النفس من الدلالة على الرحمة والحكمة والعناية بالخلق فإن بناء السماء يدل على أنها كالقبة العالية على الأرض وجعلها سقفًا لهذا العالم والطحو هو مد الأرض وبسطها وتوسيعها ليستقر عليها الأنام والحيوان ويمكن فيها البناء والغراس والزرع وهو متضمن لنضوب الماء عنها وهو مما حير عقول الطبائعيين حيث كان مقتضى الطبيعة أن يغمرها كثرة الماء فيروز جانب منها على الماء على خلاف مقتضى الطبيعة وكونه هذا الجانب المعين دون غيره مع استواء الجوانب في الشكل الكري يقتضي تخصيصا فلم يجدوا بدًا أن يقولوا عناية الصانع اقتضت ذلك قلنا فنعم إذا ولكن عناية من لا مشيئة له ولا إرادة ولا اختيار ولا علم بمعين أصلًا كما تقولونه فيه محال فعنايته تقتضي ثبوت صفات كماله ونعوت جلاله وأنه الفاعل يفعل باختياره ما يريد. (مسألة) فإن قيل: فكيف وقعت (ما) على مَن يعقل كقوله: ﴿لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، ﴿والسَّماءِ وما بَناها﴾، ﴿وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾ وأمثال ذلك؟ قيل: هي في هذا كله على أصلها من الإبهام والوقوع على الجنس العام لما يراد بما ما يراد بمن من التعيين لما يعقل والاختصاص دون الشيوع ومن فهم حقيقة الكلام وكان له ذوق عرف هذا واستبان له وأما قوله تعالى: ﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي﴾ فهذا كلام ورد في معرض التوبيخ والتبكيت للعين على امتناعه من السجود ولم يستحق هذا التبكيت والتوبيخ حيث كان السجود لمن يعقل ولكن للمعصية والتكبر على ما لم يخلقه إذ لا ينبغي التكبر لمخلوق على مثله إنما التكبر للخالق وحده فكأنه يقول سبحانه: لم عصيتني وتكبرت على ما لم تخلقه وخلقته أنا وشرفته وأمرتك بالسجود له فهذا موضع ما لأن معناها أبلغ ولفظها أعم وهو في الحجة أوقع وللعذر والشبهة أقطع فلو قال: ما منعك أن تسجد لمن خلقت لكان استفهاما مجردا من توبيخ وتبكيت ولتوهم أنه وجب السجود له من حيث كان يعقل ولعله موجود في ذاته وعينه وليس المراد كذلك وإنما المراد توبيخه وتبكيته على ترك سجوده لما خلق الله وأمره بالسجود له ولهذا عدل عن اسم آدم العلم مع كونه أخص وأتى بالاسم الموصول الدال على جهة التشريف المقتضية لسجوده له كونه خلقه بيديه وأنت لو وضعت مكان ما لفظة من لما رأيت هذا المعنى المذكور في الصلة وأن ما جيء بها وصلة إلى ذكر الصلة فتأمل ذلك فلا معنى إذا للتعيين بالذكر إذ لو أريد التعيين لكان بالاسم العلم أولى وأحرى. وكذلك قوله: ﴿والسماء وما بناها﴾ لأن القسم تعظيم للمقسم به واستحقاقه للتعظيم من حيث ما وأظهر هذا الخلق العظيم الذي هو السماء، ومن حيث سواها وزينها بحكمته فاستحق التعظيم وثبتت قدرته فلو قال: ومَن بناها لم يكن في اللفظ دليل على استحقاقه للقسم من حيث اقتدر على بنائها ولكان المعنى مقصورا على ذاته ونفسه دون الإيماء إلى أفعاله الدالة على عظمته المنبئة عن حكمته المفصحة باستحقاقه للتعظيم من خليقته وكذلك قولهم: سبحان ما يسبح الرعد بحمده" لأن الرعد صوت عظيم من جرم عظيم والمسبح به لا محالة أعظم فاستحقاقه للتسبيح من حيث يستحقه العظيمات من خلقه لا من حيث كان يعلم ولا تقل يعقل في هذا الموضع فإذا تأملت ما ذكرناه استبان لك قصور من قال أن ما مع الفعل في هذا كله سوى الأول في تأويل المصدر وأنه لم يقدر المعنى حق قدره فلا لصناعة النحو وفق ولا لفهم التفسير رزق وأنه تابع الحز وأخطأ المفصل وحام ولكن ما ورد المنهل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب