الباحث القرآني
(p-٨٧)سُورَةُ الفَتْحِ تِسْعٌ وعِشْرُونَ آيَةً مَدَنِيَّةٌ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ويَهْدِيَكَ صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ ﴿ويَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ السَّكِينَةَ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إيمانًا مَعَ إيمانِهِمْ ولِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ والأرْضِ وكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ويُكَفِّرَ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ وكانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ﴿ويُعَذِّبَ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ والمُشْرِكِينَ والمُشْرِكاتِ الظّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ولَعَنَهم وأعَدَّ لَهم جَهَنَّمَ وساءَتْ مَصِيرًا﴾ ﴿ولِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ والأرْضِ وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ ﴿إنّا أرْسَلْناكَ شاهِدًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا﴾ ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلًا﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ فَمَن نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ومَن أوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿سَيَقُولُ لَكَ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرابِ شَغَلَتْنا أمْوالُنا وأهْلُونا فاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِألْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إنْ أرادَ بِكم ضَرًّا أوْ أرادَ بِكم نَفْعًا بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [الفتح: ١١] ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ والمُؤْمِنُونَ إلى أهْلِيهِمْ أبَدًا وزُيِّنَ ذَلِكَ في قُلُوبِكم وظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفتح: ١٢] ﴿ومَن لَمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ ورَسُولِهِ فَإنّا أعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيرًا﴾ [الفتح: ١٣] ﴿ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفتح: ١٤] ﴿سَيَقُولُ المُخَلَّفُونَ إذا انْطَلَقْتُمْ إلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكم يُرِيدُونَ أنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذَلِكم قالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إلّا قَلِيلًا﴾ [الفتح: ١٥] ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهم أوْ يُسْلِمُونَ فَإنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أجْرًا حَسَنًا وإنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِن قَبْلُ يُعَذِّبْكم عَذابًا ألِيمًا﴾ [الفتح: ١٦] ﴿لَيْسَ عَلى الأعْمى حَرَجٌ ولا عَلى الأعْرَجِ حَرَجٌ ولا عَلى المَرِيضِ حَرَجٌ ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ ومَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذابًا ألِيمًا﴾ [الفتح: ١٧] ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما في قُلُوبِهِمْ فَأنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وأثابَهم فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ١٨] ﴿ومَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: ١٩] ﴿وعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ وكَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكم ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ويَهْدِيَكم صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: ٢٠] ﴿وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الفتح: ٢١] ﴿ولَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ ولِيًّا ولا نَصِيرًا﴾ [الفتح: ٢٢] ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الفتح: ٢٣] ﴿وهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهم عَنْكم وأيْدِيَكم عَنْهم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أنْ أظْفَرَكم عَلَيْهِمْ وكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ [الفتح: ٢٤] ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ والهَدْيَ مَعْكُوفًا أنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ولَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ونِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهم أنْ تَطَئُوهم فَتُصِيبَكم مِنهم مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ في رَحْمَتِهِ مَن يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهم عَذابًا ألِيمًا﴾ [الفتح: ٢٥] ﴿إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا في قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجاهِلِيَّةِ فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وعَلى المُؤْمِنِينَ وألْزَمَهم كَلِمَةَ التَّقْوى وكانُوا أحَقَّ بِها وأهْلَها وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الفتح: ٢٦] ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكم ومُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ٢٧] ﴿هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ وكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح: ٢٨] ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ والَّذِينَ مَعَهُ أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهم تَراهم رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ورِضْوانًا سِيماهم في وُجُوهِهِمْ مِن أثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهم في التَّوْراةِ ومَثَلُهم في الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ فَآزَرَهُ فاسْتَغْلَظَ فاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنهم مَغْفِرَةً وأجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ٢٩]
(p-٨٨)ظَفِرَ بِالشَّيْءِ: غَلَبَ عَلَيْهِ، وأظْفَرَهُ: غَلَبَهُ. المَعَرَّةُ: المَكْرُوهُ والمَشَقَّةُ اللّاصِقَةُ، مَأْخُوذٌ مِنَ العُرِّ والعُرَّةِ، وهو الجَرَبُ الصَّعْبُ اللّازِمُ. قالَ الشّاعِرُ:
؎كَذِي العُرِّ يُكْوى غَيْرُهُ وهو راتِعُ
الشَّطَءُ: الفَراخُ، أشْطَأ الزَّرْعُ: أفْرَخَ، والشَّجَرَةُ أخْرَجَتْ غُصُونَها. آزَرَ: ساوى طُولًا. قالَ الشّاعِرُ:
؎بِمَحْنِيَّةٍ قَدْ آزَرَ الضّالُّ نَبْتَها ∗∗∗ بِجَرِّ جُيُوشٍ غانِمِينَ وخُيَّبِ
أيْ ساوى نَبْتَها الضّالُّ طُولًا، وهو شَجَرٌ، ووَزْنُهُ أفْعَلَ لِقَوْلِهِمْ في المُضارِعِ: يُوزِرُ.
* * *
( ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ويَهْدِيَكَ صِراطًا مُسْتَقِيمًا ويَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ السَّكِينَةَ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إيمانًا مَعَ إيمانِهِمْ ولِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ والأرْضِ وكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ويُكَفِّرَ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ وكانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ﴿ويُعَذِّبَ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ والمُشْرِكِينَ والمُشْرِكاتِ الظّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ولَعَنَهم وأعَدَّ لَهم جَهَنَّمَ وساءَتْ مَصِيرًا﴾ ﴿ولِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ والأرْضِ وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ ﴿إنّا أرْسَلْناكَ شاهِدًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا﴾ ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلًا﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ فَمَن نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ومَن أوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا﴾ .
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ، ولَعَلَّ بَعْضًا مِنها نَزَلَ، والصَّحِيحُ أنَّها نَزَلَتْ بِطَرِيقِ مُنْصَرَفِهِ ﷺ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ، سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الهِجْرَةِ، فَهي تُعَدُّ في المَدَنِيِّ. ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها أنَّهُ تَقَدَّمَ: ﴿وإنْ تَتَوَلَّوْا﴾ [الفتح: ١٦] الآيَةَ، وهو خِطابٌ لِكُفّارِ قُرَيْشٍ، أخْبَرَ رَسُولَهُ بِالفَتْحِ العَظِيمِ، وأنَّهُ بِهَذا الفَتْحِ حَصَلَ الِاسْتِبْدالُ، وآمَنَ كُلُّ مَن كانَ بِها، وصارَتْ مَكَّةُ دارَ إيمانٍ. ولَمّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ، (p-٨٩)تَكَلَّمَ المُنافِقُونَ وقالُوا: لَوْ كانَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا ودِينُهُ حَقًّا ما صُدَّ عَنِ البَيْتِ، ولَكانَ فَتْحُ مَكَّةَ. فَأكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعالى، وأضافَ عَزَّ وجَلَّ الفَتْحَ إلى نَفْسِهِ، إشْعارًا بِأنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ، لا بِكَثْرَةِ عَدَدٍ ولا عُدَدٍ، وأكَّدَهُ بِالمَصْدَرِ، ووَصَفَهُ بِأنَّهُ مُبِينٌ، مُظْهِرٌ لِما تَضَمَّنَهُ مِنَ النَّصْرِ والتَّأْيِيدِ. والظّاهِرُ أنَّ هَذا الفَتْحَ هو فَتْحُ مَكَّةَ. وقالَ الكَلْبِيُّ، وجَماعَةٌ: وهو المُناسِبُ لِآخِرِ السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ لَمّا قالَ: ﴿هاأنتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ﴾ [محمد: ٣٨] الآيَةَ، بَيَّنَ أنَّهُ فَتَحَ لَهم مَكَّةَ، وغَنِمُوا وحَصَلَ لَهم أضْعافُ ما أنْفَقُوا، ولَوْ بَخِلُوا، لَضاعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَلا يَكُونُ بُخْلُهم إلّا عَلى أنْفُسِهِمْ. وأيْضًا لَمّا قالَ: ﴿وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ واللَّهُ مَعَكُمْ﴾ [محمد: ٣٥]، بَيَّنَ بُرْهانَهُ بِفَتْحِ مَكَّةَ، فَإنَّهم كانُوا هُمُ الأعْلَيْنِ. وأيْضًا لَمّا قالَ: ﴿فَلا تَهِنُوا وتَدْعُوا إلى السَّلْمِ﴾ [محمد: ٣٥]، كانَ فَتْحُ مَكَّةَ حَيْثُ لَمْ يَلْحَقْهم وهَنٌ، ولا دَعُوا إلى صُلْحٍ، بَلْ أتى صَنادِيدُ قُرَيْشٍ مُسْتَأْمِنِينَ مُسْتَسْلِمِينَ مُسَلِّمِينَ. وكانَتْ هَذِهِ البُشْرى بِلَفْظِ الماضِي، وإنْ كانَ لَمْ يَقَعْ، لِأنَّ إخْبارَهُ تَعالى بِذَلِكَ لا بُدَّ مِن وُقُوعِهِ، وكَوْنُ هَذا الفَتْحِ هو فَتْحَ مَكَّةَ بَدَأ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ. وقالَ الجُمْهُورُ: هو فَتْحُ الحُدَيْبِيَةِ، وقالَهُ: السُّدِّيُّ، والشَّعْبِيُّ، والزُّهْرِيُّ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهو الصَّحِيحُ. انْتَهى. ولَمْ يَكُنْ فِيهِ قِتالٌ شَدِيدٌ، ولَكِنْ تَرامٍ مِنَ القَوْمِ بِحِجارَةٍ وسِهامٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: رَمَوُا المُشْرِكِينَ حَتّى أدْخَلُوهم دِيارَهم. وعَنِ الكَلْبِيِّ: ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ حَتّى سَألُوهُ الصُّلْحَ. قالَ الشَّعْبِيُّ: بَلَغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ، وظَهَرَتِ الرُّومُ عَلى فارِسَ، فَفَرِحَ المُسْلِمُونَ بِظُهُورِ أهْلِ الكِتابِ عَلى المَجُوسِ، وأطْعَمُوا كُلَّ خَيْبَرَ.
وقالَ الزُّهْرِيُّ: لَمْ يَكُنْ فَتْحٌ أعْظَمَ مِن فَتْحِ الحُدَيْبِيَةِ، اخْتَلَطَ المُشْرِكُونَ بِالمُسْلِمِينَ وسَمِعُوا كَلامَهم، وتَمَكَّنَ الإسْلامُ مِن قُلُوبِهِمْ، وأسْلَمَ في ثَلاثِ سِنِينَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وكَثُرَ بِهِمْ سَوادُ الإسْلامِ. قالَ القُرْطُبِيُّ: فَما مَضَتْ تِلْكَ السُّنُونَ إلّا والمُسْلِمُونَ قَدْ جاءُوا إلى مَكَّةَ في عَشَرَةِ آلافٍ. «وقالَ مُوسى بْنُ عُقْبَةَ: قالَ رَجُلٌ مُنْصَرَفَهم مِنَ الحُدَيْبِيَةِ: ما هَذا الفَتْحُ ؟ لَقَدْ صَدُّونا عَنِ البَيْتِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”بَلْ هو أعْظَمُ الفُتُوحِ، قَدْ رَضِيَ المُشْرِكُونَ أنْ يَدْفَعُوكم عَنْ بِلادِكم بِالرّاحِ، ويَسْألُونَكُمُ القَضِيَّةَ، ويَرْغَبُوا إلَيْكم في الأمانِ، ورَأوْا مِنكم ما كَرِهُوا“» . وكانَ في فَتْحِها آيَةٌ عَظِيمَةٌ وذَلِكَ أنَّهُ نُزِحَ ماؤُها حَتّى لَمْ يَبْقَ فِيها قَطْرَةٌ، فَتَمَضْمَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ مَجَّهُ فِيها، فَدَرَّتْ بِالماءِ حَتّى شَرِبَ جَمِيعُ مَن كانَ مَعَهُ. وقِيلَ: فَجاشَ الماءُ حَتّى امْتَلَأتْ، ولَمْ يَنْفَدْ ماؤُها بَعْدُ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَكُونُ فَتْحًا، وقَدْ أُحْصِرُوا فَنَحَرُوا وحَلَقُوا بِالحُدَيْبِيَةِ ؟ قُلْتُ: كانَ ذَلِكَ قَبْلَ الهُدْنَةِ، فَلَمّا طَلَبُوها وتَمَّتْ كانَ فَتْحًا مُبِينًا. انْتَهى. وفي هَذا الوَقْتِ اتَّفَقَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوانِ، وهو الفَتْحُ الأعْظَمُ، قالَهُ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ والبَراءُ بْنُ عازِبٍ، وفِيهِ اسْتُقْبِلَ فَتْحُ خَيْبَرَ وامْتَلَأتْ أيْدِي المُؤْمِنِينَ خَيْرًا، ولَمْ يَفْتَحْها إلّا أهْلُ الحُدَيْبِيَةِ، ولَمْ يُشْرِكْهم أحَدٌ مِنَ المُتَخَلِّفِينَ عَنِ الحُدَيْبِيَةِ. وقالَ مُجاهِدٌ: هو فَتْحُ خَيْبَرَ. «وفِي حَدِيثِ مُجَمِّعِ بْنِ جارِيَةَ: شَهِدْنا الحُدَيْبِيَةَ، فَلَمّا انْصَرَفْنا، إذِ النّاسُ يَهُزُّونَ الأباعِرَ، فَقِيلَ: ما بالُ النّاسِ ؟ قالُوا: أوْحى اللَّهُ لِلنَّبِيِّ، قالَ: فَخَرَجْنا نَرْجُفُ، فَوَجَدْنا النَّبِيَّ ﷺ عِنْدَ كُراعِ الغَمِيمِ، فَلَمّا اجْتَمَعَ النّاسُ، قَرَأ النَّبِيُّ ﷺ: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ . قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أوَفَتْحٌ هو يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: ”نَعَمْ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُ لَفَتْحٌ“ . فَقُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلى أهْلِ الحُدَيْبِيَةِ، ولَمْ يَدْخُلْ فِيها أحَدٌ إلّا مَن شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ» . وقالَ الضَّحّاكُ: الفَتْحُ: حُصُولُ المَقْصُودِ بِغَيْرِ قِتالٍ، وكانَ الصُّلْحُ مِنَ الفَتْحِ، وفَتْحُ مَكَّةَ بِغَيْرِ قِتالٍ، فَتَناوَلَ الفَتْحَيْنِ الحُدَيْبِيَةَ ومَكَّةَ. وقِيلَ: فَتَحَ اللَّهُ تَعالى لَهُ بِالإسْلامِ والنُّبُوَّةِ والدَّعْوَةِ بِالحُجَّةِ والسَّيْفِ، ولا فَتْحَ أبْيَنُ مِنهُ وأعْظَمُ، وهو رَأْسُ الفُتُوحِ كُلِّها، إذْ لا فَتْحَ مِن فُتُوحِ الإسْلامِ إلّا وهو تَحْتَهُ ومُتَشَعِّبٌ مِنهُ. وقِيلَ: قَضَيْنا لَكَ قَضاءً بَيِّنًا عَلى أهْلِ مَكَّةَ أنْ تَدْخُلَها أنْتَ وأصْحابُكَ مِن قابِلَ، لِيَطُوفُوا بِالبَيْتِ مِنَ الفُتاحَةِ، وهي الحُكُومَةُ، وكَذا عَنْ قَتادَةَ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ جُعِلَ (p-٩٠)فَتْحُ مَكَّةَ عِلَّةً لِلْمَغْفِرَةِ ؟ قُلْتُ: لَمْ يُجْعَلْ عِلَّةً لِلْمَغْفِرَةِ، ولَكِنْ لِاجْتِماعِ ما عَدَّدَ مِنَ الأُمُورِ الأرْبَعَةِ وهي: المَغْفِرَةُ، وإتْمامُ النِّعْمَةِ، وهِدايَةُ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، والنَّصْرُ العَزِيزُ، كَأنَّهُ قِيلَ: يَسَّرْنا لَكَ فَتْحَ مَكَّةَ، ونَصَرْناكَ عَلى عَدُوِّكَ، لِنَجْمَعَ لَكَ بَيْنَ عِزِّ الدّارَيْنِ وأغْراضِ العاجِلِ والآجِلِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ فَتْحُ مَكَّةَ مِن حَيْثُ أنَّهُ جِهادٌ لِلْعَدُوِّ، وسَبَبٌ لِلْغُفْرانِ والثَّوابِ والفَتْحِ والظَّفَرِ بِالبَلَدِ عَنْوَةً أوْ صُلْحًا، بِحَرْبٍ أوْ بِغَيْرِ حَرْبٍ، لِأنَّهُ مُنْغَلِقٌ ما لَمْ يَظْفَرْ، فَإذا ظَفِرَ بِهِ وحَصَلَ في اليَدِ فَقَدْ فَتَحَ. انْتَهى. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: المُرادُ هُنا: أنَّ اللَّهَ فَتَحَ لَكَ لِكَيْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَلامَةً لِغُفْرانِهِ لَكَ، فَكَأنَّها صَيْرُورَةً، ولِهَذا قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةً هي أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنْيا» . انْتَهى. ورُدَّ بِأنَّ لامَ القَسَمِ لا تُكْسَرُ ولا يُنْصَبُ بِها، ولَوْ جازَ بِحالٍ لَجازَ: لِيَقُومَ زَيْدٌ، في مَعْنى: لَيَقُومَنَّ زَيْدٌ. انْتَهى. أمّا الكَسْرُ، فَقَدْ عُلِّلَ بِأنَّهُ شُبِّهَتْ تَشْبِيهًا بِلامِ كَيْ، وأمّا النَّصْبُ فَلَهُ أنْ يَقُولَ: لَيْسَ هَذا نَصْبًا، لَكِنَّها الحَرَكَةُ الَّتِي تَكُونُ مَعَ وُجُودِ النُّونِ، بَقِيَتْ بَعْدَ حَذْفِها دَلالَةً عَلى الحَذْفِ، وبَعْدَ هَذا، فَهَذا القَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إذْ لا يُحْفَظُ مِن لِسانِهِمْ: واللَّهِ لِيَقُومَ، ولا بِاللَّهِ لِيَخْرُجَ زَيْدٌ، بِكَسْرِ اللّامِ وحَذْفِ النُّونِ، وبَقاءِ الفِعْلِ مَفْتُوحًا.
﴿ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾، بِإظْهارِكَ عَلى عَدُوِّكَ ورِضاهُ عَنْكَ، وبِفَتْحِ مَكَّةَ والطّائِفِ وخَيْبَرَ ﴿نَصْرًا عَزِيزًا﴾، أيْ بِالظَّفَرِ والتَّمَكُّنِ مِنَ الأعْداءِ بِالغَنِيمَةِ والأسْرِ والقَتْلِ نَصْرًا فِيهِ عِزٌّ ومَنَعَةٌ. وأُسْنِدَتِ العِزَّةُ إلَيْهِ مَجازًا، والعَزِيزُ حَقِيقَةً هو المَنصُورُ ﷺ . وأُعِيدَ لَفْظُ اللَّهِ في: ﴿ويَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا﴾، لَمّا بَعُدَ عَنْ ما عُطِفَ عَلَيْهِ، إذْ في الجُمْلَتَيْنِ قَبْلَهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلى اللَّهِ، ولِيَكُونَ المَبْدَأُ مُسْنَدًا إلى الِاسْمِ الظّاهِرِ والمُنْتَهى كَذَلِكَ. ولَمّا كانَ الغُفْرانُ وإتْمامُ النِّعْمَةِ والهِدايَةِ والنَّصْرِ يَشْتَرِكُ في إطْلاقِها الرَّسُولُ ﷺ وغَيْرُهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨]، وقَوْلِهِ: ﴿إنَّهم لَهُمُ المَنصُورُونَ﴾ [الصافات: ١٧٢]، وكانَ الفَتْحُ لَمْ يَبْقَ لِأحَدٍ إلّا لِلرَّسُولِ ﷺ، أسْنَدَهُ تَعالى إلى نُونِ العَظَمَةِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ، وأسْنَدَ تِلْكَ الأشْياءَ الأرْبَعَةَ إلى الِاسْمِ الظّاهِرِ، واشْتَرَكَتِ الخَمْسَةُ في الخِطابِ لَهُ ﷺ، تَأْنِيسًا لَهُ وتَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ. ولَمْ يَأْتِ بِالِاسْمِ الظّاهِرِ، لِأنَّ في الإقْبالِ عَلى المُخاطَبِ ما لا يَكُونُ في الِاسْمِ الظّاهِرِ.
﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ السَّكِينَةَ﴾: وهي الطُّمَأْنِينَةُ والسُّكُونُ، قِيلَ: بِسَبَبِ الصُّلْحِ والأمْنِ، فَيَعْرِفُونَ فَضْلَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِتَيْسِيرِ الأمْنِ بَعْدَ الخَوْفِ والهُدْنَةِ بَعْدَ القِتالِ، فَيَزْدادُوا يَقِينًا إلى يَقِينِهِمْ. وقِيلَ: السَّكِينَةُ إشارَةٌ إلى ما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مِنَ الشَّرائِعِ، لِيَزْدادُوا إيمانًا بِها إلى إيمانِهِمْ، وهو التَّوْحِيدُ، رُوِيَ مَعْناهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقِيلَ: الوَقارُ والعَظَمَةُ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ. وقِيلَ: الرَّحْمَةُ لِيَتَراحَمُوا، وقالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
﴿ولِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾: إشارَةٌ إلى تَسْلِيمِ الأشْياءِ إلَيْهِ تَعالى، يَنْصُرُ مَن شاءَ، وعَلى أيِّ وجْهٍ شاءَ، ومِن جُنْدِهِ السَّكِينَةُ ثَبَّتَتْ قُلُوبَ المُؤْمِنِينَ.
﴿لِيُدْخِلَ﴾: هَذِهِ اللّامُ تَتَعَلَّقُ، قِيلَ: بِـ ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ﴾ . وقِيلَ: بِقَوْلِهِ: ﴿لِيَزْدادُوا﴾ . فَإنْ قِيلَ: ﴿ويُعَذِّبَ﴾ عَطْفٌ عَلَيْهِ، والِازْدِيادُ لا يَكُونُ سَبَبًا لِتَعْذِيبِ الكُفّارِ، أُجِيبَ عَنْ هَذا بِأنَّهُ ذُكِرَ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا لِلْمُؤْمِنِ، كَأنَّهُ قِيلَ: بِسَبَبِ ازْدِيادِكم في الإيمانِ يُدْخِلُكُمُ الجَنَّةَ ويُعَذِّبُ الكُفّارَ بِأيْدِيكم في الدُّنْيا. وقِيلَ: بِقَوْلِهِ: ﴿ويَنْصُرَكَ اللَّهُ﴾: أيْ بِالمُؤْمِنِينَ. وهَذِهِ الأقْوالُ فِيها بُعْدٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿ولِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾، يُسَلِّطُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ، كَما يَقْتَضِيهِ عِلْمُهُ وحِكْمَتُهُ. ومِن قَضَيَّتِهِ أنْ صَلَحَ قُلُوبَ المُؤْمِنِينَ بِصُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ، وإنْ وعَدَهم أنْ يَفْتَحَ لَهم، وإنَّما قَضى ذَلِكَ لِيَعْرِفَ المُؤْمِنُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ فِيهِ ويَشْكُرُونَ، فَيَسْتَحِقُّوا الثَّوابَ فَيُثِيبَهم ويُعَذِّبَ الكافِرِينَ والمُنافِقِينَ، لِما غاظَهم مِن ذَلِكَ وكَرِهُوهُ. انْتَهى. ولا يَظْهَرُ مِن كَلامِهِ هَذا ما تَتَعَلَّقُ بِهِ اللّامُ، والَّذِي يَظْهَرُ أنَّها تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الكَلامُ، (p-٩١)وذَلِكَ أنَّهُ قالَ: ﴿ولِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ . كانَ في ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ تَعالى يَبْتَلِي بِتِلْكَ الجُنُودِ مَن شاءَ، فَيَقْبَلُ الخَيْرَ مَن قَضى لَهُ بِالخَيْرِ، والشَّرَّ مَن قَضى لَهُ بِالشَّرِّ.
﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ﴾ جَنّاتٍ، ويُعَذِّبَ الكُفّارَ. فاللّامُ تَتَعَلَّقُ بِيَبْتَلِي هَذِهِ، وما تَعَلَّقَ بِالِابْتِلاءِ مِن قَبُولِ الإيمانِ والكُفْرِ.
﴿ويُكَفِّرَ﴾: مَعْطُوفٌ عَلى لِيُدْخِلَ، وهو تَرْتِيبٌ في الذِّكْرِ لا تَرْتِيبٌ في الوُقُوعِ. وكانَ التَّبْشِيرُ بِدُخُولِ الجَنَّةِ أهَمَّ، فَبُدِئَ بِهِ. ولَمّا كانَ المُنافِقُونَ أكْثَرَ ضَرَرًا عَلى المُسْلِمِينَ مِنَ المُشْرِكِينَ، بُدِئَ بِذِكْرِهِمْ في التَّعْذِيبِ.
﴿الظّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾: الظّاهِرُ أنَّهُ مَصْدَرٌ أُضِيفَ إلى ما يَسُوءُ المُؤْمِنِينَ، وهو أنَّ المُشْرِكِينَ يَسْتَأْصِلُونَهم ولا يُنْصَرُونَ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ: ﴿عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ﴾، و﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ والمُؤْمِنُونَ إلى أهْلِيهِمْ أبَدًا﴾ [الفتح: ١٢] . وقِيلَ: ﴿ظَنَّ السَّوْءِ﴾: ما يَسُوءُ المُشْرِكِينَ مِن إيصالِ الهُمُومِ إلَيْهِمْ، بِسَبَبِ عُلُوِّ كَلِمَةِ اللَّهِ، وتَسْلِيطِ رَسُولِهِ قَتْلًا وأسْرًا ونَهْبًا. ثُمَّ أخْبَرَ أنَّهم يَسْتَعْلِي عَلَيْهِمُ السَّوْءُ ويُحِيطُ بِهِمْ، فاحْتُمِلَ أنْ يَكُونَ خَبَرًا حَقِيقَةً، واحْتُمِلَ أنْ يَكُونَ هو وما بَعْدَهُ دُعاءً عَلَيْهِمْ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذِهِ الجُمْلَةِ في سُورَةِ بَراءَةٌ. وقِيلَ: ﴿ظَنَّ السَّوْءِ﴾ يَشْمَلُ ظُنُونَهُمُ الفاسِدَةَ مِنَ الشِّرْكِ، كَما قالَ: ﴿إنْ يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ﴾ [الأنعام: ١١٦]، ومِنِ انْتِفاءِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعالى الأشْياءَ وعِلْمِهِ بِها كَما قالَ: ﴿ولَكِنْ ظَنَنْتُمْ أنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا﴾ [فصلت: ٢٢] بُطْلانُ خَلْقِ العالَمِ، كَما قالَ: ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [ص: ٢٧] . وقِيلَ: ”السَّوْءِ“ هُنا كَما تَقُولُ: هَذا فِعْلُ سَوْءٍ. وقَرَأ الحَسَنُ: السُّوءُ فِيهِما بِضَمِّ السِّينِ.
﴿وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾: لَمّا تَقَدَّمَ تَعْذِيبُ الكُفّارِ والِانْتِقامُ مِنهم، ناسَبَ ذِكْرَ العِزَّةِ. ولَمّا وعَدَ تَعالى بِمُغَيَّباتٍ، ناسَبَ ذِكْرَ العِلْمِ، وقَرَنَ بِاللَّفْظَتَيْنِ ذِكْرَ جُنُودِ السَّماواتِ والأرْضِ، فَمِنها السَّكِينَةُ الَّتِي لِلْمُؤْمِنِينَ والنِّقْمَةُ لِلْمُنافِقِينَ والمُشْرِكِينَ، ومِن جُنُودِ اللَّهِ المَلائِكَةُ في السَّماءِ، والغُزاةُ في سَبِيلِ اللَّهِ في الأرْضِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾، وما عُطِفَ عَلَيْهِ بِتاءِ الخِطابِ، وأبُو جَعْفَرٍ، وأبُو حَيْوَةَ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو: بِياءِ الغَيْبَةِ، والجَحْدَرِيُّ: بِفَتْحِ التّاءِ وضَمِّ الزّايِ خَفِيفٌ، وهو أيْضًا، وجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ، إلّا أنَّهم كَسَرُوا الزّايَ، وابْنُ عَبّاسٍ، واليَمانِيُّ: بِزاءَيْنِ مِنَ العِزَّةِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في وعَزَّرُوهُ في الأعْرافِ. والظّاهِرُ أنَّ الضَّمائِرَ عائِدَةٌ عَلى اللَّهِ تَعالى، وتَفْرِيقُ الضَّمائِرِ يَجْعَلُها لِلرَّسُولِ ﷺ، وبَعْضُها لِلَّهِ تَعالى، حَيْثُ يَلِيقُ قَوْلُ الضَّحّاكِ.
﴿بُكْرَةً وأصِيلًا﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: صَلاةُ الفَجْرِ وصَلاةُ الظُّهْرِ والعَصْرِ.
﴿إنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ﴾: هي بَيْعَةُ الرِّضْوانِ وبَيْعَةُ الشَّجَرَةِ، حِينَ أخَذَ الرَّسُولُ ﷺ الأُهْبَةَ لِقِتالِ قُرَيْشٍ، حِينَ أُرْجِفَ بِقَتْلِ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، فَقَدْ بَعَثَهُ إلى قُرَيْشٍ يُعْلِمُهم أنَّهُ جاءَ مُعْتَمِرًا لا مُحارِبًا، وذَلِكَ قَبْلَ أنْ يَنْصَرِفَ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ، بايَعَهم عَلى الصَّبْرِ المُتَناهِي في قِتالِ العَدُوِّ إلى أقْصى الجَهْدِ، ولِذَلِكَ قالَ سَلَمَةُ بْنُ الأكْوَعِ وغَيْرُهُ: بايَعْنا عَلى المَوْتِ. وقالَ ابْنُ عُمَرَ، وجابِرٌ: عَلى أنْ لا نَفِرَّ. والمُبايَعَةُ: مُفاعَلَةٌ مِنَ البَيْعِ، ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهم وأمْوالَهم بِأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ﴾ [التوبة: ١١١]، وبَقِيَ اسْمُ البَيْعَةِ بَعْدُ عَلى مُعاهَدَةِ الخُلَفاءِ والمُلُوكِ.
﴿إنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ﴾ أيْ صَفْقَتُهم، إنَّما يُمْضِيها ويَمْنَحُ الثَّمَنَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ. وقَرَأ تَمّامُ بْنُ العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ: إنَّما يُبايِعُونَ لِلَّهِ، أيْ لِأجْلِ اللَّهِ ولِوَجْهِهِ، والمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أيْ إنَّما يُبايِعُونَكَ لِلَّهِ.
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ﴾ . قالَ الجُمْهُورُ: اليَدُ هُما النِّعْمَةُ، أيْ نِعْمَةُ اللَّهِ في هَذِهِ المُبايَعَةِ، لِما يُسْتَقْبَلُ مِن مَحاسِنِها، فَوْقَ أيْدِيهِمُ الَّتِي مَدُّوها لِبَيْعَتِكَ. وقِيلَ: قُوَّةُ اللَّهِ فَوْقَ قُواهم في نَصْرِكَ ونَصْرِهِمْ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَمّا قالَ: ﴿إنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ﴾، أكَّدَ تَأْكِيدًا عَلى طَرِيقَةِ التَّخْيِيلِ فَقالَ: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ﴾، يُرِيدُ أنَّ يَدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي تَعْلُو يَدَيِ المُبايِعِينَ، هي يَدُ اللَّهِ، واللَّهُ تَعالى مُنَزَّهٌ عَنِ الجَوارِحِ وعَنْ صِفاتِ الأجْسامِ. وإنَّما المَعْنى: تَقْرِيرُ أنَّ عَقْدَ المِيثاقِ مَعَ الرَّسُولِ ﷺ كَعَقْدِهِ مَعَ اللَّهِ تَعالى مِن غَيْرِ تَفاوُتٍ بَيْنَهُما، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]، (p-٩٢)﴿فَمَن نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ﴾، فَلا يَعُودُ ضَرَرُ نَكْثِهِ إلّا عَلى نَفْسِهِ. انْتَهى. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: يَنْكُثُ، بِكَسْرِ الكافِ. وقالَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ما نَكَثَ أحَدٌ مِنّا البَيْعَةَ إلّا جَدُّ بْنُ قَيْسٍ، وكانَ مُنافِقًا، اخْتَبَأ تَحْتَ إبِطِ بَعِيرِهِ، ولَمْ يَسِرْ مَعَ القَوْمِ فَحُرِمَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿عَلَيْهُ اللَّهَ﴾: بِنَصْبِ الهاءِ. وقُرِئَ: بِما عَهِدَ ثُلاثِيًّا. وقَرَأ الحُمَيْدِيُّ: ﴿فَسَيُؤْتِيهِ﴾، بِالياءِ، والحَرَمِيّانِ، وابْنُ عامِرٍ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: بِالنُّونِ.
﴿أجْرًا عَظِيمًا﴾: وهي الجَنَّةُ، وأوْ في لُغَةِ تِهامَةَ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحࣰا مُّبِینࣰا","لِّیَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَیُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكَ وَیَهۡدِیَكَ صِرَ ٰطࣰا مُّسۡتَقِیمࣰا","وَیَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِیزًا","هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ لِیَزۡدَادُوۤا۟ إِیمَـٰنࣰا مَّعَ إِیمَـٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا","لِّیُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا وَیُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَ ٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِیمࣰا","وَیُعَذِّبَ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِینَ وَٱلۡمُشۡرِكَـٰتِ ٱلظَّاۤنِّینَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَیۡهِمۡ دَاۤىِٕرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرࣰا","وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمًا","إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ شَـٰهِدࣰا وَمُبَشِّرࣰا وَنَذِیرࣰا","لِّتُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا","إِنَّ ٱلَّذِینَ یُبَایِعُونَكَ إِنَّمَا یُبَایِعُونَ ٱللَّهَ یَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَیۡدِیهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا یَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَیۡهُ ٱللَّهَ فَسَیُؤۡتِیهِ أَجۡرًا عَظِیمࣰا"],"ayah":"لِّتُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق