الباحث القرآني

﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ﴾ الخِطابُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وأُمَّتِهِ كَقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾ وهو مِن بابِ التَّغْلِيبِ غُلِّبَ فِيهِ المُخاطَبُ عَلى الغَيْبِ فَيُفِيدُ أنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُخاطَبٌ بِالإيمانِ بِرِسالَتِهِ كالأُمَّةِ وهو كَذَلِكَ، وقالَ الواحِدِيُّ: الخِطابُ في ( أرْسَلْناكَ ) لِلنَّبِيِّ ﷺ وفي ( لِتُؤْمِنُوا ) لِأُمَّتِهِ فَعَلى هَذا إنْ كانَ اللّامُ لِلتَّعْلِيلِ يَكُونُ المُعَلَّلُ مَحْذُوفًا أيْ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وكَيْتَ وكَيْتَ فَعَلَ ذَلِكَ الإرْسالُ أوْ لِلْأمْرِ عَلى طَرِيقَةِ (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) عَلى قِراءَةِ التّاءِ الفَوْقانِيَّةِ فَقِيلَ هو عَلى مَعْنى قُلْ لَهُمْ: لِتُؤْمِنُوا إلَخْ، وقِيلَ: هو لِلْأُمَّةِ عَلى أنَّ خِطابَهُ ﷺ مُنَزَّلٌ مَنزِلَةَ خِطابِهِمْ فَهو عَيْنُهُ ادِّعاءٌ، واللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِأرْسَلْنا، ولا يُعْتَرَضُ (p-96)عَلَيْهِ بِما قَرَّرَهُ الرَّضِيُّ وغَيْرُهُ مِن أنَّهُ يُمْتَنَعُ أنْ يُخاطَبَ في كَلامٍ واحِدٍ اثْنانِ مِن غَيْرِ عَطْفٍ أوْ تَثْنِيَةٍ أوْ جَمْعٍ لِأنَّهُ بَعْدَ التَّنْزِيلِ لا تَعَدُّدَ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأنَّهم حِينَئِذٍ غَيْرُ مُخاطَبِينَ في الحَقِيقَةِ فَخِطابُهم في حُكْمِ الغَيْبَةِ، وقِيلَ: الِامْتِناعُ المَذْكُورُ مَشْرُوطٌ بِأنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ المُخاطَبِينَ مُسْتَقِلًّا، أمّا إذا كانَ أحَدُهُما داخِلًا في خِطابِ الآخَرِ بِرِسالَتِهِ فَلا امْتِناعَ كَما يُعْلَمُ مِن تَتَبُّعِ كَلامِهِمْ، وحِينَئِذٍ يَجُوزُ أنْ يُرادَ خِطابُ الأُمَّةِ أيْضًا مِن غَيْرِ تَغْلِيبٍ، والكَلامُ في ذَلِكَ طَوِيلٌ وما ذُكِرَ سابِقًا سالِمٌ عَنِ القالِ والقِيلِ. ﴿وتُعَزِّرُوهُ﴾ أيْ تَنْصُرُوهُ كَما رُوِيَ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا، وأخْرَجَهُ جَماعَةٌ عَنْ قَتادَةَ، والضَّمِيرُ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ، ونُصْرَتُهُ سُبْحانَهُ بِنُصْرَةِ دِينِهِ ورَسُولِهِ ﷺ ﴿وتُوَقِّرُوهُ﴾ أيْ تُعَظِّمُوهُ كَما قالَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ، والضَّمِيرُ لَهُ تَعالى أيْضًا، وقِيلَ: كِلا الضَّمِيرَيْنِ لِلرَّسُولِ ﷺ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الضَّمِيرِ في ( تُعَزِّرُوهُ ) لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِتَوَهُّمِ أنَّ التَّعْزِيرَ لا يَكُونُ لَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى كَما يَتَعَيَّنُ عِنْدَ الكُلِّ كَوْنُ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وتُسَبِّحُوهُ﴾ لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، ولا يَخْفى أنَّ الأوْلى كَوْنُ الضَّمِيرَيْنِ فِيما تَقَدَّمَ لِلَّهِ تَعالى أيْضًا لِئَلّا يَلْزَمَ فَكُّ الضَّمائِرِ مِن غَيْرِ ضَرُورَةٍ أيْ وتُنَزِّهُوا اللَّهَ تَعالى أوْ تُصَلُّوا لَهُ سُبْحانَهُ مِنَ السُّبْحَةِ ﴿بُكْرَةً وأصِيلا﴾ غُدْوَةً وعَشِيًّا، والمُرادُ ظاهِرُهُما أوْ جَمِيعُ النَّهارِ ويُكَنّى عَنْ جَمِيعِ الشَّيْءِ بِطَرَفَيْهِ كَما يُقالُ شَرْقًا وغَرْبًا لِجَمِيعِ الدُّنْيا، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما صَلاةُ الفَجْرِ وصَلاةُ الظُّهْرِ وصَلاةُ العَصْرِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ وأبُو حَيْوَةَ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو الأفْعالَ الأرْبَعَةَ. أعْنِي لِتُؤْمِنُوا وما بَعْدَهُ بِياءِ الغَيْبَةِ، وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ جُبَيْرٍ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُما قَرَءا (ويُسَبِّحُوا اللَّهَ) بِالِاسْمِ الجَلِيلِ مَكانَ الضَّمِيرِ، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ (تَعْزُرُوهُ) بِفَتْحِ التّاءِ الفَوْقِيَّةِ وضَمِّ الزّايِ مُخَفَّفًا، وفي رِوايَةٍ عَنْهُ فَتْحُ التّاءِ وكَسْرُ الزّايِ مُخَفَّفًا ورُوِيَ هَذا عَنْ جَعْفَرٍ الصّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ. وقُرِئَ بِضَمِّ التّاءِ وكَسْرِ الزّايِ مُخَفَّفًا، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ ومُحَمَّدُ بْنُ اليَمانِيِّ ( تُعَزِّزُوهُ) بِزاءَيْنِ مِنَ العِزَّةِ أيْ تَجْعَلُوهُ عَزِيزًا وذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ بِجَعْلِ دِينِهِ ورَسُولِهِ ﷺ كَذَلِكَ. وقُرِئَ (وتُوَقِّرُوهُ) مِن أوْقَرَهُ بِمَعْنى وقَّرَهُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب