الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ حالَ الرِّسالَةِ، ذَكَرَ عِلَّتَها فَقالَ: ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ أيِ: الَّذِينَ حَكَمْنا بِإيمانِهِمْ مِمَّنْ أرْسَلْناكَ إلَيْهِمْ - هَذا عَلى قِراءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وأبِي عَمْرٍو بِالغَيْبِ، وعَلى قِراءَةِ الباقِينَ بِالخِطابِ المَعْنى. أيُّها الرَّسُولُ ومَن قَضَيْنا بِهُداهُ مِن أُمَّتِهِ، مُجَدِّدِينَ لِذَلِكَ في كُلِّ لَحْظَةٍ مُسْتَمِرِّينَ عَلَيْهِ، وكَذا الأفْعالُ بَعْدَهُ، وذَلِكَ أعْظَمُ لُطْفًا لِما في الأُنْسِ بِالخِطابِ مِن رَجاءِ الِاقْتِرابِ ﴿بِاللَّهِ﴾ أيِ: الَّذِي لا يَسُوغُ لِأحَدٍ [مِن خَلْقِهِ] - والكُلُّ خَلْقُهُ - التَّوَجُّهُ إلى غَيْرِهِ لِاسْتِجْماعِهِ لِصِفاتِ الجَلالِ والإكْرامِ ﴿ورَسُولِهِ﴾ (p-٢٩٣)الَّذِي أرْسَلَهُ مَن لَهُ كُلُّ شَيْءٍ مُلْكًا ومِلْكًا إلى جَمِيعِ خَلْقِهِ. ولَمّا كانَ الإيمانُ أمْرًا باطِنًا، فَلا يُقْبَلُ عِنْدَ اللَّهِ إلّا بِدَلِيلٍ، وكانَ الإيمانُ بِالرَّسُولِ إيمانًا بِمَن أرْسَلَهُ، والإيمانُ بِالمُرْسِلِ إيمانًا بِالرَّسُولِ، وحَّدَ الضَّمِيرَ فَقالَ: ”ويُعَزِّرُوهُ“ أيْ: يُعِينُوهُ ويُقَوُّوهُ ويَنْصُرُوهُ عَلى كُلِّ مَن ناواهُ ويَمْنَعُوهُ عَنْ كُلِّ مَن يَكِيدُهُ، مُبالِغِينَ في ذَلِكَ بِاليَدِ واللِّسانِ والسَّيْفِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشَّأْنِ فَيُؤْثِرُوهُ عَلى أنْفُسِهِمْ وغَيْرِها، تَعْظِيمًا لَهُ وتَفْخِيمًا، هَذا حَقِيقَةُ المادَّةِ، وما خالَفَهُ [فَهُوَ] إمّا مِن بابِ الإزالَةِ كالعَزُورِ بِمَعْنى الدَّيُّوثِ، وإمّا مِن بابِ الأوَّلِ كاللَّوْمِ والضَّرْبِ دُونَ الحَدِّ؛ فَإنَّهُ يُوجِبُ لِلْمَلُومِ والمَضْرُوبِ تَجَنُّبُ ما نُقِمَ عَلَيْهِ فَيَعْظُمُ، فَهو مِن إطْلاقِ المَلْزُومِ عَلى اللّازِمِ، وهو مِن وادِي ما قِيلَ: ؎عِدايَ لَهم فَضْلٌ عَلَيَّ ومِنَّةٌ فَلا أذْهَبَ الرَّحْمَنُ عَنِّي الأعادِيا ؎هُمُ بَحَثُوا عَنْ زَلَّتِي فاجْتَنَبْتُها ∗∗∗ وهم نافَسُونِي فاقْتَنَيْتُ المَعالِيا ولَمّا كانَ المَعْنى [يَحْتَمِلُ] الإزالَةَ كَما ذُكِرَ، خَلَّصَ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ”ويُوَقِّرُوهُ“ أيْ: يَجْتَهِدُوا في حُسْنِ اتِّباعِهِ في تَبْجِيلِهِ وإجْلالِهِ بِأنْ يَحْمِلُوا عَنْهُ جَمِيعَ الأثْقالِ، لِيَلْزِمَ السَّكِينَةُ بِاجْتِماعِ هَمِّهِ وكِبَرِ عَزْمِهِ لِزَوالِ ما كانَ يُشَعِّبُ فِكْرَهُ مِن كُلِّ ما يَهُمُّهُ ”ويُسَبِّحُوهُ“ أيْ: يُنَزِّهُوهُ عَنْ (p-٢٩٤)كُلِّ وصْمَةٍ مِن إخْلافِ الوَعْدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ والطَّوافِ بِالبَيْتِ الحَرامِ ونَحْوِ ذَلِكَ، ويَعْتَقِدُوا فِيهِ الكَمالَ المُطْلَقَ، والأفْعالُ الثَّلاثَةُ يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِها اللَّهُ تَعالى؛ لِأنَّ مَن سَعى في قَمْعِ الكُفّارِ فَقَدْ فَعَلَ فِعْلَ المُعَزِّرِ المُوَقِّرِ، فَيَكُونُ إمّا عائِدًا عَلى المَذْكُورِ وإمّا أنْ يَكُونَ جَعَلَ الِاسْمَيْنِ [واحِدًا] إشارَةً إلى اتِّحادِ المُسَمَّيَيْنِ، في الأمْرِ فَلَمّا اتَّحَدَ أمْرُها وحَّدَ الضَّمِيرَ إشارَةً إلى ذَلِكَ. ولَمّا كانَتْ مَحَبَّةُ اللَّهِ ورَسُولِهِ تُرْضى مِنها بِدُونِ النِّهايَةِ قالَ كائِنًا عَنْ ذَلِكَ: ﴿بُكْرَةً وأصِيلا﴾ أيْ: وعَشِيًّا إيصانًا لِما بَيْنَ النَّهارِ واللَّيْلِ [بِذَلِكَ].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب