الباحث القرآني
سُورَةُ ص ثَمانٍ وثَمانُونَ آيَةً وهي مَكِّيَّةٌ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
﴿ص والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ﴾ ﴿كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ مِن قَرْنٍ فَنادَوْا ولاتَ حِينَ مَناصٍ﴾ ﴿وعَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهم وقالَ الكافِرُونَ هَذا ساحِرٌ كَذّابٌ﴾ ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عُجابٌ﴾ ﴿وانْطَلَقَ المَلَأُ مِنهم أنِ امْشُوا واصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكم إنَّ هَذا لَشَيْءٌ يُرادُ﴾ ﴿ما سَمِعْنا بِهَذا في المِلَّةِ الآخِرَةِ إنْ هَذا إلّا اخْتِلاقٌ﴾ ﴿أؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنا بَلْ هم في شَكٍّ مِن ذِكْرِي بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ﴾ ﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العَزِيزِ الوَهّابِ﴾ ﴿أمْ لَهم مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا في الأسْبابِ﴾ ﴿جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزابِ﴾ ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ وعادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتادِ﴾ ﴿وثَمُودُ وقَوْمُ لُوطٍ وأصْحابُ الأيْكَةِ أُولَئِكَ الأحْزابُ﴾ ﴿إنْ كُلٌّ إلّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ﴾ .
لاتَ: هي (لا)، أُلْحِقَتْ بِها التّاءُ كَما أُلْحِقَتْ في ثُمَّ ورُبَّ، فَقالُوا: ثُمَّتْ ورُبَّتْ، وهي تَعْمَلُ عَمَلَ (لَيْسَ) في مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، وعَمَلَ (إنَّ) في مَذْهَبِ الأخْفَشِ. فَإنِ ارْتَفَعَ ما بَعْدَها فَعَلى الِابْتِداءِ عِنْدَهُ، ولَها أحْكامٌ ذُكِرَتْ في عِلْمِ النَّحْوِ، ويَأْتِي شَيْءٌ مِنها هُنا عِنْدَ ذِكْرِ القِراءاتِ الَّتِي فِيها. والمَناصُ: المَنجا والغَوْثُ، يُقالُ ناصَهُ يَنُوصَهُ: إذا فاتَهُ. قالَ الفَرّاءُ: النَّوْصُ: التَّأخُّرُ، يُقالُ ناصَ عَنْ قَرْنِهِ يَنُوصُ نَوْصًا ومَناصًا: أيْ فَرَّ وزاغَ، وأنْشَدَ لِامْرِئِ القَيْسِ:
؎أمِن ذِكْرِ سَلْمى أنْ نَأتْكَ تَنُوصُ واسْتَناصَ طَلَبَ المَناصَ
قالَ حارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ:
؎غَمَرَ الجِراءُ إذا قَصَرْتُ عِنانَهُ ∗∗∗ بِيَدِي اسْتَناصَ ورامَ جَرْيَ المِسْحَلِ
وقالَ الجَوْهَرِيُّ: اسْتَناصَ: تَأخَّرَ. وقالَ النَّحّاسُ: ناصَ يَنُوصُ: تَقَدَّمَ. الوَتَدُ: مَعْرُوفٌ، وكَسْرُ التّاءِ أشْهَرُ مِن فَتْحِها. ويُقالُ: وتَدٌ واتِدٌ، كَما يُقالُ: شُغْلٌ شاغِلٌ. قالَ الأصْمَعِيُّ وأنْشَدَ:
؎لاقَتْ عَلى الماءِ جَذِيلًا واتِدًا ∗∗∗ ولَمْ يَكُنْ يُخْلِفْها المُواعِدا
وقالُوا: ودٌ فَأدْغَمُوهُ، قالَ الشّاعِرُ:
؎تُخْرِجُ الوَدَّ إذا ما أشْجَذَتْ ∗∗∗ وتُوارِيهِ إذا ما تَشْتَكِرُ
وقالُوا فِيهِ: دَتٌّ، فَأدْغَمُوا بِإبْدالِ الدّالِ تاءً، وفِيهِ قَلْبُ الثّانِي لِلْأوَّلِ، وهو قَلِيلٌ.
(p-٣٨٢)﴿ص والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ﴾ ﴿كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ مِن قَرْنٍ فَنادَوْا ولاتَ حِينَ مَناصٍ﴾ ﴿وعَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهم وقالَ الكافِرُونَ هَذا ساحِرٌ كَذّابٌ﴾ ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عُجابٌ﴾ ﴿وانْطَلَقَ المَلَأُ مِنهم أنِ امْشُوا واصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكم إنَّ هَذا لَشَيْءٌ يُرادُ﴾ ﴿ما سَمِعْنا بِهَذا في المِلَّةِ الآخِرَةِ إنْ هَذا إلّا اخْتِلاقٌ﴾ ﴿أؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنا بَلْ هم في شَكٍّ مِن ذِكْرِي بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ﴾ ﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العَزِيزِ الوَهّابِ﴾ ﴿أمْ لَهم مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا في الأسْبابِ﴾ ﴿جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزابِ﴾ ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ وعادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتادِ﴾ ﴿وثَمُودُ وقَوْمُ لُوطٍ وأصْحابُ الأيْكَةِ أُولَئِكَ الأحْزابُ﴾ ﴿إنْ كُلٌّ إلّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ﴾ .
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، ومُناسَبَتُها لِآخِرِ ما قَبْلَها أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ عَنِ الكُفّارِ أنَّهم كانُوا يَقُولُونَ ﴿لَوْ أنَّ عِنْدَنا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ﴾ [الصافات: ١٦٨] لَأخْلَصُوا العِبادَةَ لِلَّهِ. وأخْبَرَ أنَّهم أتاهُمُ الذِّكْرُ فَكَفَرُوا بِهِ. بَدَأ في هَذِهِ السُّورَةِ بِالقَسَمِ بِالقُرْآنِ؛ لِأنَّهُ الذِّكْرُ الَّذِي جاءَهم، وأخْبَرَ عَنْهم أنَّهم كافِرُونَ، وأنَّهم في تَعَزُّزٍ ومَشاقَّةٍ لِلرَّسُولِ الَّذِي جاءَ بِهِ؛ ثُمَّ ذَكَرَ مَن أهْلَكَ مِنَ القُرُونِ الَّتِي شاقَّتِ الرُّسُلَ لِيَتَّعِظُوا. ورُوِيَ أنَّهُ لَمّا مَرِضَ أبُو طالِبٍ، جاءَتْ قُرَيْشٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وعِنْدَ رَأْسِ أبِي طالِبٍ مَجْلِسُ رَجُلٍ، فَقامَ أبُو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ، وشَكَوْهُ إلى أبِي طالِبٍ، فَقالَ: يا ابْنَ أخِي، ما تُرِيدُ مِن قَوْمِكَ ؟ فَقالَ: يا عَمِّ، إنَّما أُرِيدَ مِنهم كَلِمَةً تَذِلُّ لَهم بِها العَرَبُ، وتُؤَدِّي إلَيْهِمُ الجِزْيَةَ بِها العَجَمُ. قالَ: وما الكَلِمَةُ ؟ قالَ: كَلِمَةٌ واحِدَةٌ، قالَ: وما هي ؟ قالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، قالَ فَقامُوا وقالُوا: أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا (p-٣٨٣)واحِدًا ؟ قالَ: فَنَزَلَ فِيهِمُ القُرْآنُ ﴿ص والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾، حَتّى بَلَغَ، ﴿إنْ هَذا إلّا اخْتِلاقٌ﴾ .
قَرَأ الجُمْهُورُ: ص بِسُكُونِ الدّالِ. وقَرَأ أُبَيٌّ، والحَسَنُ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ، وأبُو السَّمّالِ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ: صادِ، بِكَسْرِ الدّالِ، والظّاهِرُ أنَّهُ كُسِرَ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ. وهو حَرْفٌ مِن حُرُوفِ المُعْجَمِ نَحْوُ قافٍ ونُونٍ. وقالَ الحَسَنُ: هو أمْرٌ مِن صادى، أيْ عارَضَ، ومِنهُ الصَّدى، وهو ما يُعارِضُ الصَّوْتَ في الأماكِنِ الصُّلْبَةِ الخالِيَةِ مِنَ الأجْسامِ، أيْ عارِضٌ بِعَمَلِكَ القُرْآنَ. وعَنْهُ أيْضًا: صادَيْتُ: حادَثْتُ، أيْ حادَثَ، وهو قَرِيبٌ مِنَ القَوْلِ الأوَّلِ. وقَرَأ عِيسى، ومَحْبُوبٌ عَنْ أبِي عَمْرٍو، وفِرْقَةٌ: صادَ، بِفَتْحِ الدّالِ، وكَذا قَرَأ: قافَ ونُونَ، بِفَتْحِ الفاءِ والنُّونِ، فَقِيلَ: الفَتْحُ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ؛ وقِيلَ: انْتَصَبَ عَلى أنَّهُ مُقْسَمٌ بِهِ، حُذِفَ مِنهُ حَرْفُ القَسَمِ نَحْوُ قَوْلِهِ: أللَّهَ لَأفْعَلَنَّ، وهو اسْمٌ لِلسُّورَةِ، وامْتَنَعَ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعِلْمِيَّةِ والتَّأْنِيثِ، وقَدْ صَرَفَها مَن قَرَأ صادٍ بِالجَرِّ والتَّنْوِينِ عَلى تَأْوِيلِ الكِتابِ والتَّنْزِيلِ، وهو ابْنُ أبِي إسْحاقَ في رِوايَةٍ. وقَرَأ الحَسَنُ أيْضًا: صادٌ، بِضَمِّ الدّالِ، فَإنْ كانَ اسْمًا لِلسُّورَةِ، فَخَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هَذِهِ ص، وهي قِراءَةُ ابْنِ السَّمَيْفَعِ وهارُونَ الأعْوَرِ؛ وقَرَأ (ق ونُونُ)، بِضَمِّ الفاءِ والنُّونِ. وقِيلَ: هو حَرْفٌ دالٌّ عَلى مَعْنًى مِن فِعْلٍ أوْ مِنِ اسْمٍ، فَقالَ الضَّحّاكُ: مَعْناهُ صَدَقَ اللَّهُ. وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: مِفْتاحُ أسْماءِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ صادِقُ الوَعْدِ صانِعُ المَصْنُوعاتِ. وقِيلَ: مَعْناهُ صَدَقَ مُحَمَّدٌ.
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ جُبَيْرٍ، والسُّدِّيُّ: ذِي الذِّكْرِ: ذِي الشَّرَفِ الباقِي المُخَلَّدِ. وقالَ قَتادَةُ: ذِي التَّذْكِرَةِ لِلنّاسِ والهِدايَةِ لَهم. وقِيلَ: ذِي الذِّكْرِ، لِلْأُمَمِ والقَصَصِ والغُيُوبِ والشَّرائِعِ، وجَوابُ القَسَمِ، قِيلَ: مَذْكُورٌ، فَقالَ الكُوفِيُّونَ والزَّجّاجُ: هو قَوْلُهُ ﴿إنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أهْلِ النّارِ﴾ [ص: ٦٤] . وقالَ الفَرّاءُ: لا نَجِدُهُ مُسْتَقِيمًا في العَرَبِيَّةِ لِتَأخُّرِهِ جِدًّا عَنْ قَوْلِهِ ﴿والقُرْآنِ﴾ . وقالَ الأخْفَشُ: هو ﴿إنْ كُلٌّ إلّا كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾، وقالَ قَوْمٌ ﴿كَمْ أهْلَكْنا﴾، وحَذَفَ اللّامَ أيْ لَكم، لَمّا طالَ الكَلامُ؛ كَما حُذِفَتْ في ﴿والشَّمْسِ﴾ [الشمس: ١]، ثُمَّ قالَ ﴿قَدْ أفْلَحَ﴾ [الشمس: ٩]، حَكاهُ الفَرّاءُ وثَعْلَبٌ، وهَذِهِ الأقْوالُ يَجِبُ اطِّراحُها. وقِيلَ: هو صادٌ، إذْ مَعْناهُ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ وصَدَقَ اللَّهُ. وكَوُنُ صادٍ جَوابَ القَسَمِ، قالَهُ الفَرّاءُ وثَعْلَبٌ، وهَذا مَبْنِيٌّ عَلى تَقَدُّمِ جَوابِ القَسَمِ، واعْتِقادُ أنَّ الصّادَ يَدُلُّ عَلى ما ذَكَرُوهُ. وقِيلَ: الجَوابُ مَحْذُوفٌ، فَقَدَّرَهُ الحَوْفِيُّ: لَقَدْ جاءَكُمُ الحَقُّ ونَحْوُهُ، والزَّمَخْشَرِيُّ: إنَّهُ لَمُعْجِزٌ، وابْنُ عَطِيَّةَ: ما الأمْرُ كَما تَزْعُمُونَ، ونَحْوُ هَذا مِنَ التَّقْدِيرِ. ونُقِلَ أنَّ قَتادَةَ والطَّبَرِيَّ قالا: هو مَحْذُوفٌ قَبْلَ (بَلْ)، قالَ: وهو الصَّحِيحُ، وقَدَّرَهُ ما ذَكَرْنا عَنْهُ، ويَنْبَغِي أنْ يُقَدَّرَ ما أُثْبِتَ هُنا جَوابًا لِلْقُرْآنِ حِينَ أقْسَمَ بِهِ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿يس﴾ [يس: ١] ﴿والقُرْآنِ الحَكِيمِ﴾ [يس: ٢] ﴿إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٣]، ويُقَوِّي هَذا التَّقْدِيرَ ذِكْرُ النِّذارَةِ هُنا في قَوْلِهِ ﴿وعَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهُمْ﴾، وقالَ هُناكَ ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا﴾ [يس: ٦]، فالرِّسالَةُ تَتَضَمَّنُ النِّذارَةَ والبِشارَةَ، وبَلْ لِلِانْتِقالِ مِن هَذا القَسَمِ والمُقَسَمِ عَلَيْهِ إلى حالَةِ تَعَزُّزِ الكُفّارِ ومَشاقِّهِمْ في قَبُولِ رِسالَتِكَ وامْتِثالِ ما جِئْتَ بِهِ، واعْتِرافٍ بِالحَقِّ.
وقَرَأ حَمّادُ بْنُ الزِّبْرِقانِ، وسَوْرَةُ عَنِ الكِسائِيِّ، ومَيْمُونُ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ، والجَحْدَرِيُّ مِن طَرِيقِ العُقَيْلِيِّ: في غِرَّةٍ، بِالغَيْنِ المُعْجَمَةِ والرّاءِ، أيْ في غَفْلَةٍ ومَشاقَّةٍ. (قَبْلِهِمْ) أيْ قَبْلَ هَؤُلاءِ ذَوِي المَنَعَةِ الشَّدِيدَةِ والشِّقاقِ، وهَذا وعِيدٌ لَهم. (فَنادَوْا) أيِ اسْتَغاثُوا ونادَوْا بِالتَّوْبَةِ، قالَهُ الحَسَنُ؛ أوْ رَفَعُوا أصْواتَهم، يُقالُ: فُلانٌ أنْدى صَوْتًا: أيْ أرْفَعُ، وذَلِكَ بَعْدَ مُعايَنَةِ العَذابِ، فَلَمْ يَكُ وقْتَ نَفْعٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿ولاتَ حِينَ﴾، بِفَتْحِ التّاءِ ونَصْبِ النُّونِ، فَعَلى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، عَمِلَتْ عَمَلَ (لَيْسَ)، واسْمُها مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ولاتَ الحِينُ حِينَ فَواتٍ ولا فِرارٍ. وعَلى قَوْلِ الأخْفَشِ: يَكُونُ حِينَ اسْمَ لاتَ، عَمِلَتْ عَمَلَ (إنَّ) نَصَبَتِ الِاسْمَ ورَفَعَتِ الخَبَرَ، والخَبَرُ مَخْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ولاتَ أرى حِينَ مَناصٍ. وقَرَأ أبُو السَّمّالِ: ولاتُ حِينُ، بِضَمِّ التّاءِ ورَفْعِ النُّونِ؛ فَعَلى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ: حِينَ مَناصٍ اسْمُ لاتَ، والخَبَرُ (p-٣٨٤)مَحْذُوفٌ، وعَلى قَوْلِ الأخْفَشِ: مُبْتَدَأٌ، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ. وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ: ولاتِ حِينِ، بِكَسْرِ التّاءِ وجَرِّ النُّونِ، خَبَرٌ بَعْدَ لاتَ، وتَخْرِيجُهُ مُشْكِلٌ، وقَدْ تَمَحَّلَ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَخْرِيجِ الخَبَرِ في قَوْلِهِ:
؎طَلَبُوا صُلْحَنا ولاتَ حِينِ ∗∗∗ أوانٍ فَأجَبْنا أنْ لاتَ حِينِ بَقاءِ
قالَ: شَبَّهَ أوانَ بِإذْ في قَوْلِهِ: وأنْتَ إذْ صَحِيحٌ في أنَّهُ زَمانٌ قُطِعَ مِنهُ المُضافُ إلَيْهِ وعُوِّضَ؛ لِأنَّ الأصْلَ: ولاتَ أوانَ صُلْحٍ. فَإنْ قُلْتَ: فَما تَقُولُ في حِينَ مَناصٍ، والمُضافُ إلَيْهِ قائِمٌ ؟ قُلْتُ: نَزَّلَ قَطْعَ المُضافِ والمُضافِ إلَيْهِ، وجَعَلَ تَنْوِينَهُ عِوَضًا مِنَ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ، ثُمَّ بَنى الحِينَ لِكَوْنِهِ مُضافًا إلى غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ. انْتَهى. هَذا التَّمَحُّلُ، والَّذِي ظَهَرَ لِي في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ الشّاذَّةِ، والبَيْتِ النّادِرِ في جَرِّ ما بَعْدَ لاتَ: أنَّ الجَرَّ هو عَلى إضْمارِ مِن، كَأنَّهُ قالَ: لاتَ مِن حِينِ مَناصٍ، ولاتَ مِن أوانِ صُلْحٍ، كَما جَرُّوا بِها في قَوْلِهِمْ: عَلى كَمْ جِذْعٍ بَيْتُكَ ؟ أيْ مِن جِذْعٍ في أصَحِّ القَوْلَيْنِ، وكَما قالُوا: لا رَجُلٍ جَزاهُ اللَّهُ خَيْرًا، يُرِيدُونَ: لا مِن رَجُلٍ، ويَكُونُ مَوْضِعُ مِن حِينِ مَناصٍ رَفْعًا عَلى أنَّهُ اسْمُ (لاتَ) بِمَعْنى (لَيْسَ)، كَما تَقُولُ: لَيْسَ مِن رَجُلٍ قائِمًا، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وهَذا عَلى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، أوْ عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ أوِ الخَبَرُ مَحْذُوفٌ، عَلى قَوْلِ الأخْفَشِ. وقالَ بَعْضُهم: ومِنَ العَرَبِ مَن يُخْفِضُ بِلاتَ، وأنْشَدَ الفَرّاءُ:
؎ولَتَنْدَمُنَّ ولاتَ ساعَةِ مَندَمِ
( )
وخَرَّجَ الأخْفَشُ ولاتَ أوانٍ عَلى إضْمارِ حِينَ، أيْ ولاتَ حِينَ أوانٍ، حَذَفَ حِينَ وأبْقى أوانَ عَلى جَرِّهِ. وقالَ أبُو إسْحاقَ: ولاتَ أوانِنا، فَحَذَفَ المُضافَ إلَيْهِ، فَوَجَبَ أنْ لا يُعْرَبَ، وكَسَرَهُ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ؛ وهَذا هو الوَجْهُ الَّذِي قَرَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، أخَذَهُ مِن أبِي إسْحاقَ الزَّجّاجِ، وأنْشَدَهُ المُبَرِّدُ: ولاتَ أوانٌ بِالرَّفْعِ. وعَنْ عِيسى: ولاتَ حِينٌ، بِالرَّفْعِ، مَناصَ: بِالفَتْحِ. وقالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: فَإنْ صَحَّ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ بَنى حِينَ عَلى الضَّمِّ، فَيَكُونُ في الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، وأجْراهُ مُجْرى قَبْلُ وبَعْدُ في الغايَةِ، وبَنى مَناصَ عَلى الفَتْحِ مَعَ لاتَ، عَلى تَقْدِيرِ: لاتَ مَناصَ حِينَ، لَكِنْ لا إنَّما تَعْمَلُ في النَّكِراتِ في اتِّصالِها بِهِنَّ دُونَ أنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُما ظَرْفٌ أوْ غَيْرُهُ، وقَدْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِذَلِكَ مَعْنًى لا أعْرِفُهُ. انْتَهى. وقَرَأ عِيسى أيْضًا: ولاتِ بِكَسْرِ التّاءِ، وحِينَ بِنَصْبِ النُّونِ، وتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ نَصْبِ حِينَ. ولاتَ رُوِيَ فِيها فَتْحُ التّاءِ وضَمُّها وكَسْرُها والوَقْفُ عَلَيْها بِالتّاءِ، قَوْلُ سِيبَوَيْهِ والفَرّاءِ وابْنِ كَيْسانَ والزَّجّاجِ، ووَقَفَ الكِسائِيُّ والمُبَرِّدُ بِالهاءِ، وقَوْمٌ عَلى (لا)، وزَعَمُوا أنَّ التّاءَ زِيدَتْ في حِينَ؛ واخْتارَهُ أبُو عُبَيْدَةَ وذَكَرَ أنْ رَآهُ في الأمامِ مَخْلُوطًا تاؤُهُ بِحِينَ، وكَيْفَ يَصْنَعُ بِقَوْلِهِ: ولاتَ ساعَةَ مَندَمِ، ولاتَ أوانٍ. وقالَ الكَلْبِيُّ: كانُوا إذا قاتَلُوا فاضْطُرُّوا، قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: مَناصٌ، أيْ عَلَيْكم بِالفِرارِ، فَلَمّا أتاهُمُ العَذابُ قالُوا: مَناصٌ، فَقالَ اللَّهُ ﴿ولاتَ حِينَ مَناصٍ﴾ . قالَ القُشَيْرِيُّ: فَعَلى هَذا يَكُونُ التَّقْدِيرُ: فَنادَوْا مَناصُ، فَحُذِفَ لِدَلالَةِ ما بَعْدَهُ عَلَيْهِ، أيْ لَيْسَ الوَقْتُ وقْتَ نِدائِكم بِهِ، وفِيهِ نَوْعُ تَحَكُّمٍ، إذْ كُلُّ مَن هَلَكَ مِنَ القُرُونِ يَقُولُ: مَناصٌ عِنْدَ الِاضْطِرارِ. انْتَهى. وقالَ الجُرْجانِيُّ: أيْ فَنادَوْا حِينَ لا مَناصَ، أيْ ساعَةَ لا مَنجا ولا فَوْتَ. فَلَمّا قَدَّمَ (لا) وأخَّرَ (حِينَ) اقْتَضى ذَلِكَ الواوَ، كَما تَقْتَضِي الحالُ إذا جُعِلَ مُبْتَدَأً وخَبَرًا مِثْلُ: جاءَ زَيْدٌ راكِبًا، ثُمَّ تَقُولُ: جاءَ زَيْدٌ وهو راكِبٌ، فَحِينَ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ ﴿فَنادَوْا﴾ . انْتَهى. وكَوْنُ أصْلِ هَذِهِ الجُمْلَةِ: فَنادَوْا حِينَ لا مَناصَ، وأنَّ حِينَ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ ﴿فَنادَوْا﴾ دَعْوى أعْجَمِيَّةٌ مُخالِفَةٌ لِنَظْمِ القُرْآنِ، والمَعْنى عَلى نَظْمِهِ في غايَةِ الوُضُوحِ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ، فَنادَوْا وهم لاتَ حِينَ مَناصٍ، أيْ لَهم.
ولَمّا أخْبَرَ تَعالى عَنِ الكُفّارِ أنَّهم في عِزَّةٍ وشِقاقٍ، أرْدَفَ بِما صَدَرَ عَنْهم (p-٣٨٥)مِن كَلِماتِهِمُ الفاسِدَةِ، مِن نِسْبَتِهِمْ إلَيْهِ السِّحْرَ والكَذِبَ. ووُضِعَ الظّاهِرُ مَوْضِعَ المُضْمَرِ في قَوْلِهِ ﴿وقالَ الكافِرُونَ﴾، أيْ: وقالُوا تَنْبِيهًا عَلى الصِّفَةِ الَّتِي أوْجَبَتْ لَهُمُ العَجَبَ، حَتّى نَسَبُوا مَن جاءَ بِالهُدى والتَّوْحِيدِ إلى السِّحْرِ والكَذِبِ.
﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا﴾، قالُوا: كَيْفَ يَكُونُ إلَهٌ واحِدٌ يَرْزُقُ الجَمِيعَ ويَنْظُرُ في كُلِّ أُمُورِهِمْ ؟ وجَعَلَ: بِمَعْنى صَيَّرَ في القَوْلِ والدَّعْوى والزَّعْمِ، وذَكَرَ عَجَبَهم مِمّا لا يُعْجَبُ مِنهُ. والضَّمِيرُ في ﴿وعَجِبُوا﴾ لَهم، أيِ اسْتَغْرَبُوا مَجِيءَ رَسُولٍ مِن أنْفُسِهِمْ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿عُجابٌ﴾، وهو بِناءُ مُبالِغَةٍ، كَرَجُلٍ طُوالٍ وسُراعٍ في طَوِيلٍ وسَرِيعٍ. وقَرَأ عَلِيٌّ، والسُّلَمِيُّ، وعِيسى، وابْنُ مِقْسَمٍ: بِشَدِّ الجِيمِ، وقالُوا: رَجُلٌ كُرّامٌ وطَعّامٌ طَيّابٌ، وهو أبْلَغُ مِن فُعالٍ المُخَفَّفِ. وقالَ مُقاتِلٌ: عُجابٌ لُغَةُ أزْدِ شَنُوءَةَ. والَّذِينَ قالُوا ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: صَنادِيدُ قُرَيْشٍ، وهم سِتَّةٌ وعِشْرُونَ.
﴿وانْطَلَقَ المَلَأُ مِنهُمْ﴾ الظّاهِرُ انْطِلاقُهم عَنْ مَجْلِسِ أبِي طالِبٍ، حِينَ اجْتَمَعُوا هم والرَّسُولُ عِنْدَهُ وشَكَوْهُ عَلى ما تَقَدَّمَ في سَبَبِ النُّزُولِ؛ ويَكُونُ ثَمَّ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: يَتَحاوَرُونَ.
﴿أنِ امْشُوا﴾، وتَكُونُ (أنْ) مُفَسِّرَةً لِذَلِكَ المَحْذُوفِ، وامْشُوا أمْرٌ بِالمَشْيِ، وهو نَقْلُ الأقْدامِ عَنْ ذَلِكَ المَجْلِسِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وأنْ بِمَعْنى أيْ؛ لِأنَّ المُنْطَلِقِينَ عَنْ مَجْلِسِ التَّقاوُلِ لا بُدَّ لَهم مِن أنْ يَتَكَلَّمُوا ويَتَفاوَضُوا فِيما جَرى لَهم، فَكانَ انْطِلاقُهم مُضَمَّنًا مَعْنى القَوْلِ والأمْرِ بِالمَشْيِ، أيْ بَعْضُهم أمَرَ بَعْضًا. وقِيلَ: أمَرَ الأشْرافُ أتْباعَهم وأعْوانَهم. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ (أنْ) مَصْدَرِيَّةً، أيْ وانْطَلَقُوا بِقَوْلِهِمُ امْشُوا، وقِيلَ: الِانْطِلاقُ هُنا الِانْدِفاعُ في القَوْلِ والكَلامِ، (وأنْ) مُفَسِّرَةٌ عَلى هَذا، والأمْرُ بِالمَشْيِ لا يُرادُ بِهِ نَقْلُ الخُطا، إنَّما مَعْناهُ: سِيرُوا عَلى طَرِيقَتِكم وداوِمُوا عَلى سِيرَتِكم. وقِيلَ (امْشُوا) دُعاءٌ بِكَسْبِ الماشِيَةِ، قِيلَ: وهو ضَعِيفٌ؛ لِأنَّهُ كانَ يَلْزَمُ أنْ تَكُونَ الألِفُ مَقْطُوعَةً؛ لِأنَّهُ إنَّما يُقالُ: أمْشى الرَّجُلُ إذا صارَ صاحِبَ ماشِيَةٍ؛ وأيْضًا فَهَذا المَعْنى غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ في الآيَةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنَّهم قالُوا: امْشُوا، أيْ أكْثِرُوا واجْتَمِعُوا، مِن مَشَتِ المَرْأةُ إذا كَثُرَتْ وِلادَتُها؛ ومِنهُ الماشِيَةُ لِلتَّفاؤُلِ. انْتَهى. وأمَرُوا بِالصَّبْرِ عَلى الآلِهَةِ، أيْ عَلى عِبادَتِها والتَّمَسُّكِ بِها.
والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: (إنَّ هَذا) أيْ ظُهُورَ مُحَمَّدٍ ﷺ وعُلُوَّهُ بِالنُّبُوَّةِ، ﴿لَشَيْءٌ يُرادُ﴾ أيْ يُرادُ مِنّا الِانْقِيادُ إلَيْهِ، أوْ يُرِيدُهُ اللَّهُ ويَحْكُمُ بِإمْضائِهِ، فَلَيْسَ فِيهِ إلّا الصَّبْرُ، أوْ أنَّ هَذا الأمْرَ شَيْءٌ مِن نَوائِبِ الدَّهْرِ مُرادٌ مِنّا، فَلا انْفِكاكَ عَنْهُ، وأنَّ دِينَكم لَشَيْءٌ يُرادُ، أيْ يُطْلَبُ لِيُؤْخَذَ مِنكم وتُغْلَبُوا عْلِيهِ، احْتِمالاتٌ أرْبَعَةٌ. وقالَ القَفّالُ: هَذِهِ كَلِمَةٌ تُذْكَرُ لِلتَّهْدِيدِ والتَّخْوِيفِ، المَعْنى: أنَّهُ لَيْسَ غَرَضُهُ مِن هَذا القَوْلِ تَقْرِيرًا لِلدِّينِ، وإنَّما غَرَضُهُ أنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْنا، فَيَحْكُمَ في أمْوالِنا وأوْلادِنا بِما يُرِيدُ.
﴿ما سَمِعْنا بِهَذا في المِلَّةِ الآخِرَةِ﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، ومُقاتِلٌ: مِلَّةُ النَّصارى؛ لِأنَّ فِيها التَّثْلِيثَ، ولا تُوَحِّدُ. وقالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ: مِلَّةُ العَرَبِ: قُرَيْشٌ ونَجْدَتُها. وقالَ الفَرّاءُ، والزَّجّاجُ: مِلَّةُ اليَهُودِ والنَّصْرانِيَّةِ، أشْرَكَتِ اليَهُودُ بِعُزَيْرٍ، وثَلَّثَ النَّصارى. وقِيلَ: في المِلَّةِ الآخِرَةِ الَّتِي كُنّا نَسْمَعُ أنَّها تَكُونُ في آخِرِ الزَّمانِ، وذَلِكَ أنَّهُ قَبْلَ المَبْعَثِ، كانَ النّاسُ يَسْتَشْعِرُونَ خُرُوجَ نَبِيٍّ وحُدُوثِ مِلَّةٍ ودِينٍ. ويَدُلُّ عَلى صِحَّةِ هَذا ما رُوِيَ مِن أقْوالِ الأحْبارِ أُولِي الصَّوامِعِ، وما رُوِيَ عَنِ الكُهّانِ شِقٍّ وسُطَيْحٍ وغَيْرِهِما، وما كانَتْ بَنُو إسْرائِيلَ تَعْتَقِدُ مِن أنَّهُ يَكُونُ مِنهم. وقِيلَ: في المِلَّةِ الآخِرَةِ، أيْ لَمْ نَسْمَعْ مِن أهْلِ الكِتابِ ولا الكُهّانِ أنَّهُ يَحْدُثُ في المِلَّةِ الآخِرَةِ تَوْحِيدُ اللَّهِ.
﴿إنْ هَذا إلّا اخْتِلاقٌ﴾ أيِ افْتِعالٌ وكَذِبٌ.
﴿أؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنا﴾ أنْكَرُوا أنْ يَخْتَصَّ بِالشَّرَفِ مِن بَيْنِ أشْرافِهِمْ ويَنْزِلَ عَلَيْهِ الكِتابُ مِن بَيْنِهِمْ، وهَذا الإنْكارُ هو ناشِئٌ عَنْ حَسَدٍ عَظِيمٍ انْطَوَتْ عَلَيْهِ صُدُورُهم فَنَطَقَتْ بِهِ ألْسِنَتُهم.
﴿بَلْ هم في شَكٍّ مِن ذِكْرِي﴾ أيْ مِنَ القُرْآنِ الَّذِي أنْزَلْتُ عَلى رَسُولِي يَرْتابُونَ فِيهِ، والإخْبارُ بِأنَّهم في شَكٍّ يَقْتَضِي كَذِبَهم في قَوْلِهِمْ: (p-٣٨٦)﴿إنْ هَذا إلّا اخْتِلاقٌ﴾ .
﴿بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ﴾ أيْ بَعْدُ، فَإذا ذاقُوهُ عَرَفُوا أنَّ ما جاءَ بِهِ حَقٌّ وزالَ عَنْهُمُ الشَّكُّ.
﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ﴾ أيْ لَيْسُوا مُتَصَرِّفِينَ في خَزائِنِ الرَّحْمَةِ، فَيُعْطُونَ ما شاءُوا، ويَمْنَعُونَ مَن شاءُوا ما شاءُوا، ويَصْطَفُونَ لِلرِّسالَةِ مَن أرادُوا، وإنَّما يَمْلِكُها ويَتَصَرَّفُ فِيها العَزِيزُ الَّذِي لا يُغالَبُ، الوَهّابُ ما شاءَ لِمَن شاءَ. لَمّا اسْتَفْهَمَ اسْتِفْهامَ إنْكارٍ في قَوْلِهِ: ﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ﴾، وكانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلى انْتِفاءِ تَصَرُّفِهِمْ في خَزائِنِ رَحْمَةِ رَبِّكَ، أتى بِالإنْكارِ والتَّوْبِيخِ بِانْتِفاءِ ما هو أعَمُّ فَقالَ: ﴿أمْ لَهم مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ لَيْسَ لَهم شَيْءٌ مِن ذَلِكَ.
﴿فَلْيَرْتَقُوا﴾ أيْ ألَهم شَيْءٌ مِن ذَلِكَ، فَلْيَصْعَدُوا، ﴿فِي الأسْبابِ﴾، المَوْصُولَةِ إلى السَّماءِ، والمَعارِجِ الَّتِي يَتَوَصَّلُ بِها إلى تَدْبِيرِ العالَمِ، فَيَضَعُونَ الرِّسالَةَ فِيمَنِ اخْتارُوا. ثُمَّ صَغَّرَهم وحَقَّرَهم، فَأخْبَرَ بِما يَئُولُ إلَيْهِ أمْرُهم مِنَ الهَزِيمَةِ والخَيْبَةِ. قِيلَ: وما زائِدَةٌ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ صِفَةً أُرِيدَ بِهِ التَّعْظِيمُ عَلى سَبِيلِ الهَزْءِ بِهِمْ، أوِ التَّحْقِيرِ؛ لِأنَّ (ما) الصِّفَةَ تُسْتَعْمَلُ عَلى هَذَيْنِ المَعْنَيَيْنِ. و(هُنالِكَ) ظَرْفُ مَكانٍ يُشارُ بِهِ لِلْبَعِيدِ. والظّاهِرُ أنَّهُ يُشارُ بِهِ لِلْمَكانِ الَّذِي تَفاوَضُوا فِيهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِتِلْكَ الكَلِماتِ السّابِقَةِ، وهو مَكَّةُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إخْبارًا بِالغَيْبِ عَنْ هَزِيمَتِهِمْ بِمَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ، فالمَعْنى أنَّهم يَصِيرُونَ مَهْزُومِينَ بِمَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ. وقِيلَ: (هُنالِكَ)، إشارَةٌ إلى الِارْتِقاءِ في الأسْبابِ، أيْ هَؤُلاءِ القَوْمُ إنْ رامُوا ذَلِكَ جُنْدٌ مَهْزُومٌ. وقِيلَ: أُشِيرُ بِهُنالِكَ إلى جُمْلَةِ الأصْنامِ وعَضُدِها، أيْ هم جُنْدٌ مَهْزُومٌ في هَذِهِ السَّبِيلِ. وقالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ: الإشارَةُ إلى يَوْمِ بَدْرٍ، وكانَ غَيْبًا، أعْلَمَ اللَّهُ بِهِ عَلى لِسانِ رَسُولِهِ. وقِيلَ: الإشارَةُ إلى حَصْرِ عامِ الخَنْدَقِ بِالمَدِينَةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وهُنالِكَ، إشارَةٌ إلى حَيْثُ وضَعُوا فِيهِ أنْفُسَهم مِنَ الِانْتِدابِ لِمِثْلِ ذَلِكَ القَوْلِ العَظِيمِ مِن قَوْلِهِمْ: لِمَن يَنْدُبُهُ لِأمْرٍ لَيْسَ مِن أهْلِهِ، لَسْتَ هُنالِكَ. انْتَهى. و(هُنالِكَ)، يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِـ (جُنْدٌ)، أيْ كائِنٌ هُنالِكَ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ (مَهْزُومٌ)، وجُنْدٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هم جُنْدٌ، ومَهْزُومٌ خَبَرُهُ. وقالَ أبُو البَقاءِ: جُنْدٌ مُبْتَدَأٌ، وما زائِدَةٌ، وهُنالِكَ نَعْتٌ، ومَهْزُومٌ الخَبَرُ. انْتَهى. وفِيهِ بُعْدٌ لِفَصْلِهِ عَنِ الكَلامِ الَّذِي قَبْلَهُ. ومَعْنى (مِنَ الأحْزابِ) مِن جُمْلَةِ الأحْزابِ الَّذِينَ تَعَصَّبُوا في الباطِلِ وكَذَّبُوا الرُّسُلَ. ولَمّا ذَكَرَ تَعالى أنَّهُ أهْلَكَ قَبْلَ قُرَيْشٍ قُرُونًا كَثِيرَةً لَمّا كَذَّبُوا رُسُلَهم، سَرَدَ مِنهم هُنا مَن لَهُ تَعَلُّقٌ بِعِرْفانِهِ. و﴿ذُو الأوْتادِ﴾ أيْ صاحِبُ الأوْتادِ، وأصْلُهُ مِن ثَباتِ البَيْتِ المُطْنَبِ بِأوْتادِهِ. قالَ الأفْوَهُ العَوْذِيُّ:
؎والبَيْتُ لا يُبْتَنى إلّا عَلى عُمُدٍ ∗∗∗ ولا عِمادَ إذا لَمْ تُرْسَ أوْتادٌ
فاسْتُعِيرَ لِثَباتِ العِزِّ والمُلْكِ واسْتِقامَةِ الأمْرِ، كَما قالَ الأسْوَدُ:
؎فِي ظِلِّ مُلْكٍ ثابِتِ الأوْتادِ
() قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وأخَذَهُ مِن كَلامِ غَيْرِهِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، وعَطاءٌ: كانَتْ لَهُ أوْتادٌ وخَشَبٌ يَلْعَبُ بِها وعَلَيْها. وقالَ السُّدِّيُّ: كانَ يَقْتُلُ النّاسَ بِالأوْتادِ، ويُسَمِّرُهم في الأرْضِ بِها. وقالَ الضَّحّاكُ: أرادَ المَبانِيَ العَظِيمَةَ الثّابِتَةَ. وقِيلَ: عِبارَةٌ عَنْ كَثْرَةِ أخْبِيَتِهِ وعِظَمِ عَساكِرِهِ. وقِيلَ: كانَ يَشُجُّ المُعَذَّبَ بَيْنَ أرْبَعِ سَوارِي، كُلُّ طَرَفٍ مِن أطْرافِهِ إلى سارِيَةٍ مَضْرُوبَةٍ فِيها وتَدٌ مِن حَدِيدٍ، ويَتْرُكُهُ حَتّى يَمُوتَ. رُوِيَ مَعْناهُ عَنِ الحَسَنِ ومُجاهِدٍ، وقِيلَ: كانَ يَمُدُّهُ بَيْنَ أرْبَعَةِ أوْتادٍ في الأرْضِ، ويُرْسِلُ عَلَيْهِ العَقارِبَ والحَيّاتِ. وقِيلَ: يَشُدُّهم بِأرْبَعَةِ أوْتادٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ صَخْرَةً فَتُلْقى عَلَيْهِ فَتَشْدَخُهُ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، في رِوايَةِ عَطِيَّةَ: الأوْتادُ: الجُنُودُ، يَشُدُّونَ مُلْكَهُ، كَما يُقَوِّي الوَتَدُ الشَّيْءَ. وقِيلَ: بَنى مَنارًا يَذْبَحُ عَلَيْها النّاسَ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ.
﴿أُولَئِكَ الأحْزابُ﴾ أيِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلى أنْبِيائِهِمْ، كَما تَحَزَّبَ قُرَيْشٌ عَلى رَسُولِ - اللَّهِ ﷺ - والظّاهِرُ أنَّ الإشارَةَ بِأُولَئِكَ إلى أقْرَبِ مَذْكُورٍ، وهم قَوْمُ نُوحٍ ومَن عُطِفَ عَلَيْهِمْ؛ وفِيهِ تَفْخِيمٌ لِشَأْنِهِمْ وإعْلاءٌ لَهم عَلى مَن تَحَزَّبَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ، أيْ هَؤُلاءِ العُظَماءُ لَمّا كَذَّبُوا عُوقِبُوا، (p-٣٨٧)وكَذَلِكَ أنْتُمْ.
﴿إنْ كُلٌّ إلّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ﴾ فَوَجَبَ عِقابُهم. كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ، آذَوْا نُوحًا فَأُغْرِقُوا، وقَوْمُ هُودٍ فَأُهْلِكُوا بِالرِّيحِ؛ وفِرْعَوْنُ فَأُغْرِقَ؛ وثَمُودُ بِالصَّيْحَةِ؛ وقَوْمُ لُوطٍ بِالخَسْفِ؛ والأيْكَةُ بِعَذابِ الظُّلَّةِ. ومَعْنى ( إنْ كَلٌّ) ما كانَ مِن قَوْمِ نُوحٍ فَمَن بَعْدَهم، ﴿فَحَقَّ عِقابِ﴾ أيْ وجَبَ عِقابُهم، فَكَذَلِكَ يَحِقُّ عَلَيْكم أيُّها المُكَذِّبُونَ بِالرَّسُولِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿أُولَئِكَ الأحْزابُ﴾، قَصَدَ بِهَذِهِ الإشارَةِ الإعْلامَ بِأنَّ الأحْزابَ الَّذِينَ جَعَلَ الجُنْدَ المَهْزُومَ هم هم، وأنَّهُمُ الَّذِينَ وُجِدَ مِنهُمُ التَّكْذِيبُ، ولَقَدْ ذَكَرَ تَكْذِيبَهم أوَّلًا في الجُمْلَةِ الخَبَرِيَّةِ عَلى وجْهِ الإبْهامِ، ثُمَّ جاءَ بِالجُمْلَةِ الِاسْتِثْنائِيَّةِ، فَأوْضَحَهُ فِيها بِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ الأحْزابِ كَذَّبَ الرُّسُلَ؛ لِأنَّهم إذا كَذَّبُوا واحِدًا مِنهم، فَقَدْ كَذَّبُوا جَمِيعًا، وفي تَكْرِيرِ التَّكْذِيبِ وإيضاحِهِ بَعْدَ إبْهامِهِ، والتَّنْوِيعِ في تَكْرِيرِهِ بِالجُمْلَةِ الخَبَرِيَّةِ أوَّلًا، وبِالِاسْتِثْناءِ ثانِيًا، وما في الِاسْتِثْنائِيَّةِ مِنَ الوَضْعِ عَلى وجْهِ التَّوْكِيدِ والتَّخْصِيصِ أنْواعٌ مِنَ المُبالَغَةِ المُسَجَّلَةِ عَلَيْهِمْ بِاسْتِحْقاقِ أشَدِّ العَذابِ وأبْلَغِهِ. ثُمَّ قالَ: (فَحَقَّ عِقابِ) أيْ فَوَجَبَ لِذَلِكَ أنْ أُعاقِبَهم حَقَّ عِقابِهِمْ. انْتَهى.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["صۤۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِی ٱلذِّكۡرِ","بَلِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی عِزَّةࣲ وَشِقَاقࣲ","كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنࣲ فَنَادَوا۟ وَّلَاتَ حِینَ مَنَاصࣲ","وَعَجِبُوۤا۟ أَن جَاۤءَهُم مُّنذِرࣱ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا سَـٰحِرࣱ كَذَّابٌ","أَجَعَلَ ٱلۡـَٔالِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عُجَابࣱ","وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُوا۟ وَٱصۡبِرُوا۟ عَلَىٰۤ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءࣱ یُرَادُ","مَا سَمِعۡنَا بِهَـٰذَا فِی ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا ٱخۡتِلَـٰقٌ","أَءُنزِلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَیۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن ذِكۡرِیۚ بَل لَّمَّا یَذُوقُوا۟ عَذَابِ","أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَاۤىِٕنُ رَحۡمَةِ رَبِّكَ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡوَهَّابِ","أَمۡ لَهُم مُّلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَاۖ فَلۡیَرۡتَقُوا۟ فِی ٱلۡأَسۡبَـٰبِ","جُندࣱ مَّا هُنَالِكَ مَهۡزُومࣱ مِّنَ ٱلۡأَحۡزَابِ","كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحࣲ وَعَادࣱ وَفِرۡعَوۡنُ ذُو ٱلۡأَوۡتَادِ","وَثَمُودُ وَقَوۡمُ لُوطࣲ وَأَصۡحَـٰبُ لۡـَٔیۡكَةِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلۡأَحۡزَابُ","إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ"],"ayah":"أَءُنزِلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَیۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن ذِكۡرِیۚ بَل لَّمَّا یَذُوقُوا۟ عَذَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق