الباحث القرآني
﴿أأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنا﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿أأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنا﴾ مِن كَلامِ عُمُومِ الكافِرِينَ المَحْكِيِّ بِقَوْلِهِ ﴿وقالَ الكافِرُونَ هَذا ساحِرٌ كَذّابٌ﴾ [ص: ٤] فَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا﴾ [ص: ٥]، ويَكُونُ قَوْلُهُ ﴿أأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ بَيانًا لِجُمْلَةِ ”كَذّابٌ“، لِأنَّ تَقْدِيرَهُ: هَذا كَذّابٌ إذْ هو خَبَرٌ ثانٍ لِ ”كانَ“، ولِكَوْنِهِ بَيانًا لِلَّذِي قَبْلَهُ لَمْ يُعْطَفْ عَلَيْهِ، ويَكُونُ ما بَيْنَهُما مِن قَوْلِهِ ﴿وانْطَلَقَ المَلَأُ مِنهُمْ﴾ [ص: ٦] إلى قَوْلِهِ ﴿إنْ هَذا إلّا اخْتِلاقٌ﴾ [ص: ٧] اعْتِراضًا بَيْنَ جُمْلَتَيِ البَيانِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن تَمامِ كَلامِ المَلَأِ واسْتُغْنِيَ بِهِ عَنْ بَيانِ جُمْلَةِ ”كَذّابٌ“ لِأنَّ نُطْقَ المَلَأِ بِهِ كافٍ في قَوْلِ الآخَرِينَ بِمُوجَبِهِ فاسْتَغْنَوْا عَنْ بَيانِ جُمْلَةِ ”كَذّابٌ“ .
والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ، ومَناطُ الإنْكارِ هو الظَّرْفُ ”مِن بَيْنِنا“ وهو في مَوْضِعِ حالٍ مِن ضَمِيرِ ”عَلَيْهِ“، فَأنْكَرُوا أنْ يُخَصَّ مُحَمَّدٌ ﷺ بِالإرْسالِ وإنْزالِ القُرْآنِ دُونَ غَيْرِهِ مِنهم، وهَذا هو المَحْكِيُّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] أيْ مِن مَكَّةَ أوِ الطّائِفِ، ولَمْ يُرِيدُوا بِهَذا الإنْكارِ (p-٢١٤)تَجْوِيزَ أصْلِ الرِّسالَةِ عَنِ اللَّهِ، وإنَّما مُرادُهُمُ اسْتِقْصاءُ الِاسْتِبْعادِ، فَإنَّهم أنْكَرُوا أصْلَ الرِّسالَةِ كَما اقْتَضاهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وعَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهُمْ﴾ [ص: ٤] وغَيْرُهِ مِنَ الآياتِ، وهَذا الأصْلُ الثّانِي مِن أُصُولِ كُفْرِهِمُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُها عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا﴾ [ص: ٥] وهو أصْلُ إنْكارِ بَعْثَةِ رَسُولٍ مِنهم.
* * *
﴿بَلْ هم في شَكٍّ مِن ذِكْرِي﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا جَوابًا عَنْ قَوْلِهِمْ ﴿أأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنا﴾ أيْ لَيْسَ قَصْدُهُمُ الطَّعْنَ في اخْتِصاصِكَ بِالرِّسالَةِ ولَكِنَّهم شاكُّونَ في أصْلِ إنْزالِهِ، فَتَكُونُ (بَلْ) إضْرابًا إبْطالِيّا تَكْذِيبًا لِما يَظْهَرُ مِن إنْكارِهِمْ إنْزالَ الذِّكْرِ عَلَيْهِ مِن بَيْنِهِمْ عَلى ما تَقَدَّمَ، أيْ إنَّما قَصْدُهُمُ الشَّكُ في أنَّ اللَّهَ يُوحِي إلى أحَدٍ بِالرِّسالَةِ، فَيَكُونُ مَعْنى ﴿فِي شَكٍّ مِن ذِكْرِي﴾ شَكًّا مِن وُقُوعِهِ. والشَّكُّ يُطْلَقُ عَلى اليَقِينِ مَجازًا مُرْسَلًا بِعَلاقَةِ الإطْلاقِ والتَّقْيِيدِ فَيَكُونُ كَمَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ ولَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣] . ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ انْتِقالًا مِن خَبَرٍ عَنْهم إلى خَبَرٍ آخَرَ فَيَكُونُ اسْتِئْنافًا وتَكُونُ (بَلْ) لِلْإضْرابِ الِانْتِقالِيِّ، والمَعْنى: وهم في شَكٍّ مِن ذِكْرِي، أيْ في شَكٍّ مِن كُنْهِ القُرْآنِ، فَمَرَّةً يَقُولُونَ: افْتَراهُ، ومَرَّةً يَقُولُونَ: شِعْرٌ، ومَرَّةً: سِحْرٌ، ومَرَّةً: أساطِيرُ الأوَّلِينَ، ومَرَّةً: قَوْلُ كاهِنٍ.
فالمُرادُ بِالشَّكِّ حَقِيقَتُهُ أيِ التَّرَدُّدُ في العِلْمِ.
وإضافَةُ الذِّكْرِ إلى ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ وهو اللَّهُ تَعالى إضافَةُ تَشْرِيفٍ ولِتَحْقِيقِ كَوْنِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ.
والذِّكْرُ عَلى هَذا الوَجْهِ هو عَيْنُ المُرادِ مِن قَوْلِهِ ﴿أأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ وإنَّما وقَعَ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالظّاهِرِ دُونَ الضَّمِيرِ تَوَصُّلًا إلى التَّنْوِيهِ بِهِ بِأنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ.
و(في) لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ، جُعِلَتْ مُلابَسَةُ الشَّكِّ إيّاهم بِمَنزِلَةِ الظَّرْفِ المُحِيطِ بِمَحْوَيْهِ في أنَّهُ لا يَخْلُو مِنهُ جانِبٌ مِن جَوانِبِهِ.
و(مِن) في قَوْلِهِ ”مِن ذِكْرِي“ ابْتِدائِيَّةٌ لِكَوْنِ الشَّكِّ صِفَةً لَهم، أيْ نَشَأ لَهُمُ (p-٢١٥)الشَّكُّ مِن شَأْنِ ذِكْرِي، أيْ مِن جانِبِ نَفْيِ وُقُوعِهِ، أوْ في جانِبِ ما يَصِفُونَهُ بِهِ.
* * *
﴿بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ﴾ أتْبَعَ ذَلِكَ الإضْرابَ بِإضْرابٍ آخَرَ يُبَيِّنُ أنَّ الَّذِي جَرَّأهم عَلى هَذا الشِّقاقِ أنَّهم لَمّا تَأخَّرَ حُلُولُ العَذابِ بِهِمْ ظَنُّوا وعِيدَهُ كاذِبًا فَأخَذُوا في البَذاءَةِ والِاسْتِهْزاءِ، ولَوْ ذاقُوا العَذابَ لَألْقَمَتْ أفْواهُهُمُ الحَجَرَ.
و(لَمّا) حَرْفُ نَفْيٍ بِمَعْنى (لَمْ) إلّا أنَّ في (لَمّا) خُصُوصِيَّةً، وهي أنَّها تَدُلُّ عَلى المَنفِيِّ بِها مُتَّصِلِ الِانْتِفاءِ إلى وقْتِ التَّكَلُّمِ بِخِلافِ (لَمْ) فَلِذَلِكَ كانَ النَّفْيُ بِ (لَمّا) قَدْ يُفْهَمُ مِنهُ تَرَقُّبُ حُصُولِ المَنفِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ، قالَ صاحِبُ الكَشّافِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَمّا يَدْخُلِ الإيمانُ في قُلُوبِهِمْ﴾ [الحجرات: ١٤] في سُورَةِ الحُجُراتِ: ما في (لَمّا) مِن مَعْنى التَّوَقُّعِ دالٍّ عَلى أنَّ هَؤُلاءِ قَدْ آمَنُوا فِيما بَعْدُ، أيْ دالٍ بِطَرِيقِ المَفْهُومِ الحاصِلِ مِن مَعْنى غايَةِ النَّفْيِ إلى زَمَنِ التَّكَلُّمِ، أيْ لا أضْمَنُ ما بَعْدَ ذَلِكَ، وقَدْ ذاقُوا عَذابَ السَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ بِأرْبَعِ سِنِينَ.
وإضافَةُ (عَذابِ) إلى ياءِ المُتَكَلِّمِ لِاخْتِصاصِهِ بِاللَّهِ لِأنَّهُ مُقَدِّرُهُ وقاضٍ بِهِ عَلَيْهِمْ ولِوُقُوعِهِ عَلى حالَةٍ غَيْرِ جارِيَةٍ عَلى المُعْتادِ، إذِ الشَّأْنُ أنْ يَسْتَأْصِلَ الجَيْشُ القَوِيُّ الجَيْشَ القَلِيلَ.
وحُذِفَتْ ياءُ المُتَكَلِّمِ تَخْفِيفًا لِلْفاصِلَةِ، وأُبْقِيَتِ الكَسْرَةُ دَلِيلًا عَلَيْها، وهو حَذْفٌ كَثِيرٌ في الفَواصِلِ والشِّعْرِ عَلى نَحْوِ حَذْفِها مِنَ المُنادى.
{"ayah":"أَءُنزِلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَیۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن ذِكۡرِیۚ بَل لَّمَّا یَذُوقُوا۟ عَذَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق