الباحث القرآني
ولَمّا كانَ مُرادُهم بِهَذِهِ التَّأْكِيداتِ الدَّلالَةَ عَلى أنَّهم في غايَةِ الثَّباتِ عَلى ما كانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ دُعائِهِ؛ وأبى اللَّهُ أنْ يَبْقى باطِلًا بِغَيْرِ أمارَةٍ يَقْرِنُهُ بِها تَفْضَحُهُ؛ وسُلْطانٍ يُبْطِلُهُ ويَهْتِكُهُ؛ أتْبَعَ ذَلِكَ حِكايَةَ قَوْلِهِمُ الَّذِي جَعَلُوهُ دَلِيلًا عَلى حَرَمِهِمْ؛ فَكانَ دالًّا عَلى عَدَمِ صِدْقِهِمْ في هَذا الحُكْمِ الجازِمِ غايَةَ الجَزْمِ بِالِاخْتِلاقِ؛ المُنادِي عَلَيْهِمْ بِأنَّ أصْلَ دائِهِمْ؛ والحامِلَ لَهم عَلى تَكْذِيبِهِمْ؛ إنَّما هو الحَسَدُ؛ فَقالَ - دالًّا بِتَعْبِيرِهِمْ بِالإنْزالِ عَلى أنَّهُ ﷺ كانَ جَدِيرًا بِأنْ يُتَوَهَّمَ فِيهِ النُّبُوَّةُ؛ بِما كانَ لَهُ قَبْلَ الوَحْيِ مِنَ التَّعَبُّدِ؛ والأحْوالِ الشَّرِيفَةِ؛ (p-٣٣٥)وقَدَّمُوا ما يَدُلُّ عَلى اخْتِصاصِهِ عِنادًا؛ لِما يَعْلَمُونَ مِن أحْوالِهِ المُقْتَضِيَةِ لِلْخُصُوصِيَّةِ؛ بِخِلافِ ما يُذْكَرُ في ”القَمَرِ“؛ وعَبَّرُوا بِحَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ إشارَةً إلى أنَّ مِثْلَ هَذا الَّذِي يَذْكُرُهُ لا يَقُولُهُ إلّا مَن غُلِبَ عَلى عَقْلِهِ؛ فَقالُوا -: ﴿أأُنْـزِلَ عَلَيْهِ﴾؛ أيْ: خاصَّةً؛ ﴿الذِّكْرُ﴾؛ أيْ: الَّذِي خالَفَ ما نَحْنُ عَلَيْهِ؛ وصارَ يُذْكَرُ بِهِ؛ وزادُوا ما دَلُّوا بِهِ عَلى الِاخْتِصاصِ تَصْرِيحًا؛ فَقالُوا: ﴿مِن بَيْنِنا﴾؛ ونَحْنُ أكْبَرُ سِنًّا؛ وأكْثَرُ شَيْئًا؛ وهَذا كُلُّهُ - كَما تَرى - مَعَ مُناداتِهِ عَلَيْهِمْ بِالحَسَدِ العَظِيمِ؛ يُنادِي عَلَيْهِمْ غايَةَ المُناداةِ بِالفَضِيحَةِ؛ لِأنَّهُ إنْ كانَ المَدارُ عَلى رِعايَةِ حَقِّ الآباءِ؛ حَتّى لا يَسُوغَ لِأحَدٍ تَغْيِيرُ دِينِهِمْ؛ والطَّعْنُ عَلَيْهِمْ بِدِينٍ مُحْدَثٍ؛ وإنْ قامَتْ عَلَيْهِ الأدِلَّةُ؛ وتَعاضَدَتْ عَلى حَقِّيَّتِهِ البَراهِينُ؛ فَما لِآبائِهِمْ غَيَّرُوا دِينَ آبائِهِمْ لِأجْلِ ما أحْدَثَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ - شَخْصٌ لَيْسَ مِن قَبِيلَتِهِمْ -؛ وشَهِدُوا عَلى آبائِهِمْ بِالضَّلالِ؛ وهم عالِمُونَ بِأنَّ ما غَيَّرُوهُ دِينُ إسْماعِيلَ؛ ومِن قَبْلِهِ إبْراهِيمَ؛ ومَن تَبِعَهُما مِن صالِحِي أوْلادِهِما - عَلَيْهِمُ السَّلامُ -؛ وإنْ كانَ المَدارُ عَلى المُحْدِثِ؛ حَتّى ساغَ تَغْيِيرُ دِينِ الأنْبِياءِ ومَن تَبِعَهم بِإحْسانِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - بِما أحْدَثَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ؛ فَما لَهم لا يُغَيِّرُونَ ما ابْتَدَعَ مِنَ الضَّلالِ؛ بِما أتاهم بِهِ النَّبِيُّ ﷺ وسَمَّوْهُ ”مُحْدَثًا“؛ وإنْ كانَ المَدارُ عَلى الحَقِّ؛ فَما لَهم لا يَنْظُرُونَ الأدِلَّةَ؛ ويَتْبَعُونَ الحُجَجَ.
ولَمّا كانَ هَذا دالًّا عَلى أنَّهم لَيْسُوا عَلى ثِقَةٍ مِمّا جَزَمُوا بِهِ؛ قالَ: (p-٣٣٦)﴿بَلْ﴾؛ أيْ: إنَّهم لَيْسُوا جازِمِينَ بِما قالُوا؛ وإنْ أكَّدُوهُ غايَةَ التَّأْكِيدِ؛ بَلْ ﴿هم في شَكٍّ﴾؛ أيْ: تَرَدُّدٍ؛ مُحِيطٍ بِهِمْ؛ مُبْتَدِئٍ لَهُمْ؛ ﴿مِن ذِكْرِي﴾؛ أيْ: فَلِهَذا لا يَثْبُتُونَ فِيهِ عَلى قَوْلٍ واحِدٍ؛ أيْ: إنَّ أحْوالَهم في أقْوالِهِمْ؛ وأفْعالِهِمْ؛ أحْوالَ الشّاكِّ؛ وعَدَلَ عَنْ مَظْهَرِ العَظَمَةِ؛ إلى الإفْرادِ؛ لِأنَّ هَذا السِّياقَ لِلتَّوْحِيدِ؛ فالإفْرادُ أوْلى بِهِ؛ ولِيَكُونَ نَصًّا عَلى المُرادِ بَعْدَ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ قَطْعًا لِشُبَهِ مُتَعَنِّتِيهِمْ.
ولَمّا كانُوا في الحَقِيقَةِ عَلى ثِقَةٍ مِن حَقِيقَتِهِ - وإنْ كانَ قَوْلُهُمْ؛ وفِعْلُهُمْ؛ قَوْلَ الشّاكِّ -؛ قالَ: ﴿بَلْ﴾؛ أيْ: لَيْسُوا في شَكٍّ مِنهُ في نَفْسِ الأمْرِ؛ وإنْ كانَ قَوْلُهم قَوْلَ مَن هو في شَكٍّ؛ ولَمّا كانُوا قَدْ جَرَتْ لَهم مَصائِبُ ومِحَنٌ؛ وشَدائِدُ وفِتَنٌ؛ رُبَّما ظَنُّوا أنَّهُ لا يَكُونُ شَيْءٌ مِنَ العَذابِ فَوْقَها؛ نَفى أنْ يَكُونُوا ذاقُوا شَيْئًا مِن عَذابِهِ الَّذِي يُرْسِلُهُ عِنْدَ إرادَةِ الِانْتِقامِ؛ فَعَبَّرَ بِما يُفِيدُ اسْتِغْراقَ النَّفْيِ في جَمِيعِ الزَّمَنِ الماضِي؛ فَقالَ: ﴿لَمّا يَذُوقُوا﴾؛ مِن أوَّلِ أمْرِهِمْ إلى الآنَ؛ ﴿عَذابِ﴾؛ أيْ: الَّذِي أعْدَدْتُهُ لِلْمُكَذِّبِينَ؛ فَهم في عِزَّةٍ وشِقاقٍ؛ ولَوْ ذاقُوهُ لانْحَلَّتْ عُرى عَزائِمِهِمْ؛ وصارُوا أذَلَّ شَيْءٍ؛ وأحْقَرَهُ؛ وأدْناهُ؛ وأصْغَرَهُ؛ وإطْباقُ (p-٣٣٧)أهْلِ الرَّسْمِ؛ وأكْثَرِ القُرّاءِ؛ عَلى حَذْفِ يائِهِ رَسْمًا؛ وقِراءَةً؛ إشارَةٌ إلى أنَّهُ العَذابُ الأدْنى؛ المُذْهِبُ لَحْمِيَّةِ الجاهِلِيَّةِ؛ وإثْباتُ يَعْقُوبَ وحْدَهُ لَها في الحالَيْنِ؛ إشارَةٌ إلى أنَّهُ العَذابُ المُعَدُّ لِإهْلاكِ الأُمَمِ الطّاغِيَةِ؛ لا مُطْلَقُ العَذابِ.
{"ayah":"أَءُنزِلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَیۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن ذِكۡرِیۚ بَل لَّمَّا یَذُوقُوا۟ عَذَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق