الباحث القرآني
قَوْلِهِ تَعالى: ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا والَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ وما وصَّيْنا بِهِ إبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى﴾ وإيذانٌ بِأنَّ ما شَرَعَ سُبْحانَهُ لَهم صادِرٌ عَنْ كَمالِ اَلْعِلْمِ والحِكْمَةِ كَما أنَّ بَيانَ نِسْبَتِهِ إلى اَلْمَذْكُورِينَ عَلَيْهِمُ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ تَنْبِيهٌ عَلى كَوْنِهِ دِينًا قَدِيمًا أجْمَعَ عَلَيْهِ اَلرُّسُلُ، والخِطابُ لِأُمَّتِهِ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ أيْ شَرَعَ لَكم مِنَ اَلدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا ومَن بَعْدَهُ مِن أرْبابِ اَلشَّرائِعِ وأُولِي اَلْعَزْمِ مِن مَشاهِيرِ اَلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ وأمَرَهم بِهِ أمْرًا مُؤَكَّدًا، وتَخْصِيصُ اَلْمَذْكُورِينَ بِالذِّكْرِ لِما أُشِيرَ إلَيْهِ مِن عُلُوِّ شَأْنِهِمْ وعِظَمِ شُهْرَتِهِمْ ولِاسْتِمالَةِ قُلُوبِ اَلْكَفَرَةِ إلى اَلِاتِّباعِ لِاتِّفاقِ كُلٍّ عَلى نُبُوَّةِ بَعْضِهِمْ واخْتِصاصِ اَلْيَهُودِ بِمُوسى عَلَيْهِ اَلسَّلامُ والنَّصارى بِعِيسى عَلَيْهِ اَلسَّلامُ وإلّا فَما مِن نَبِيٍّ إلّا وهو مَأْمُورٌ بِما أُمِرُوا بِهِ مِن إقامَةِ دِينِ اَلْإسْلامِ وهو اَلتَّوْحِيدُ وما لا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ اَلْأُمَمِ وتَبَدُّلِ اَلْأعْصارِ مِن أُصُولِ اَلشَّرائِعِ والأحْكامِ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ اَلتَّوْصِيَةُ فَإنَّها مُعْرِبَةٌ عَنْ تَأْكِيدِ اَلْأمْرِ والِاعْتِناءِ بِشَأْنِ اَلْمَأْمُورِ بِهِ، والمُرادُ بِإيحائِهِ إلَيْهِ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إمّا ما ذُكِرَ في صَدْرِ اَلسُّورَةِ اَلْكَرِيمَةِ وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ اَلْآيَةَ وإمّا ما يَعُمُّهُما وغَيْرُهُما مِمّا وقَعَ في سائِرِ اَلْمَواقِعِ اَلَّتِي مِن جُمْلَتِها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أوْحَيْنا إلَيْكَ أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا﴾ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ وغَيْرُ ذَلِكَ، وإيثارُ اَلْإيحاءِ عَلى ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ مِنَ اَلتَّوْصِيَةِ لِمُراعاةِ ما وقَعَ في اَلْآياتِ اَلْمَذْكُورَةِ ولِما في اَلْإيحاءِ مِنَ (p-21)اَلتَّصْرِيحِ بِرِسالَتِهِ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ اَلْقامِعِ لِإنْكارِ اَلْكَفَرَةِ، والِالتِفاتُ إلى نُونِ اَلْعَظَمَةِ لِإظْهارِ كَمالِ اَلِاعْتِناءِ بِإيحائِهِ، وفي ذَلِكَ إشْعارٌ بِأنَّ شَرِيعَتَهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ هي اَلشَّرِيعَةُ اَلْمُعْتَنى بِها غايَةَ اَلِاعْتِناءِ ولِذا عَبَّرَ فِيها بِاَلَّذِي اَلَّتِي هي أصْلُ اَلْمَوْصُولاتِ وذَلِكَ هو اَلسِّرُّ في تَقْدِيمِ اَلَّذِي أُوحِيَ إلَيْهِ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى ما بَعْدَهُ مَعَ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ زَمانًا، وتَقْدِيمِ تَوْصِيَةِ نُوحٍ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ لِلْمُسارَعَةِ إلى بَيانِ كَوْنِ اَلْمَشْرُوعِ لَهم دِينًا قَدِيمًا، وقَدْ قِيلَ إنَّهُ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ أوَّلُ اَلرُّسُلِ، وتَوْجِيهُ اَلْخِطابِ إلَيْهِ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ بِطَرِيقِ اَلتَّلْوِينِ لِلتَّشْرِيفِ والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُ تَعالى شَرَعَهُ لَهم عَلى لِسانِهِ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ﴿أنْ أقِيمُوا الدِّينَ﴾ أيْ دِينَ اَلْإسْلامِ اَلَّذِي هو تَوْحِيدُ اَللَّهِ تَعالى وطاعَتُهُ والإيمانُ بِكُتُبِهِ ورُسُلِهِ وبِيَوْمِ اَلْجَزاءِ وسائِرِ ما يَكُونُ اَلْعَبْدُ بِهِ مُؤْمِنًا، والمُرادُ بِإقامَتِهِ تَعْدِيلُ أرْكانِهِ وحِفْظُهُ مِن أنْ يَقَعَ فِيهِ زَيْغٌ والمُواظَبَةُ عَلَيْهِ، و(أنْ) مَصْدَرِيَّةٌ وتَقَدَّمَ اَلْكَلامُ في وصْلِها بِالأمْرِ والنَّهْيِ أوْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ اَلثَّقِيلَةِ لِما في (شَرَعَ) مِن مَعْنى اَلْعِلْمِ، والمَصْدَرُ إمّا مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِن مَفْعُولِ (شَرَعَ) والمَعْطُوفَيْنِ عَلَيْهِ أوْ مَرْفُوعٌ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ والجُمْلَةُ جَوابٌ عَنْ سُؤالٍ نَشَأ مِن إبْهامِ اَلْمَشْرُوعِ كَأنَّهُ قِيلَ: وما ذاكَ؟ فَقِيلَ: هو أنْ أقِيمُوا اَلدِّينَ، وقِيلَ: هو مَجْرُورٌ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِن ضَمِيرِ (بِهِ) ولا يَلْزَمُهُ بَقاءُ اَلْمَوْصُولِ بِلا عائِدٍ لِأنَّ اَلْمُبْدَلَ مِنهُ لَيْسَ في نِيَّةِ اَلطَّرْحِ حَقِيقَةً، نَعَمْ قالَ شَيْخُ اَلْإسْلامِ: إنَّهُ لَيْسَ بِذاكَ لِما أنَّهُ مَعَ إفْضائِهِ إلى خُرُوجِهِ عَنْ حَيِّزِ اَلْإيحاءِ إلى اَلنَّبِيِّ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُسْتَلْزِمٌ لِكَوْنِ اَلْخِطابِ في اَلنَّهْيِ اَلْآتِي عَنِ اَلتَّفَرُّقِ لِلْأنْبِياءِ اَلْمَذْكُورِينَ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ وتَوْجِيهُ اَلنَّهْيِ إلى أُمَمِهِمْ تَمَحُّلٌ ظاهِرٌ مَعَ أنَّ اَلْأظْهَرَ أنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلى أُمَّتِهِ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأنَّهُمُ اَلْمُتَفَرِّقُونَ، ثُمَّ بَيَّنَ ما اِسْتَظْهَرَهُ وسَنُشِيرُ إلَيْهِ إنْ شاءَ اَللَّهُ تَعالى.
وجُوِّزَ كَوْنُهُ بَدَلًا مِنَ (اَلدِّينِ) ويَجُوزُ كَوْنُ (أنْ) مُفَسِّرَةً فَقَدْ تَقَدَّمَها ما يَتَضَمَّنُ مَعْنى اَلْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ والخِطابُ في ﴿أقِيمُوا﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ عَلى ما اِخْتارَهُ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ اَلْأجِلَّةِ شامِلٌ لِلنَّبِيِّ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأتْباعِهِ ولِلْأنْبِياءِ والأُمَمِ قَبْلَهم وضَمِيرُ ﴿فِيهِ﴾ لِلدِّينِ أيْ ولا تَتَفَرَّقُوا في اَلدِّينِ اَلَّذِي هو عِبارَةٌ عَمّا تَقَدَّمَ مِنَ اَلْأُصُولِ بِأنْ يَأْتِيَ بِهِ بَعْضٌ ولا يَأْتِيَ بَعْضٌ ويَأْتِيَ بَعْضٌ بِبَعْضٍ مِنهُ دُونَ بَعْضٍ وهو مُرادُ مُقاتِلٍ أيْ لا تَخْتَلِفُوا فِيهِ، ولا يَشْمَلُ هَذا اَلنَّهْيَ عَنِ اَلِاخْتِلافِ في اَلْفُرُوعِ فَإنَّها لَيْسَتْ مِنَ اَلْأُصُولِ اَلْمُرادَةِ هُنا ولَمْ يَتَّحِدْ بِها اَلنَّبِيُّونَ كَما يُؤْذِنُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ وبَعْضُهم أدْخَلَ بَعْضَ اَلْفُرُوعِ في أُصُولِ اَلدِّينِ اَلْمُرادَةِ هُنا مِنَ اَلدِّينِ.
قالَ مُجاهِدٌ: لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ إلّا أُمِرَ بِإقامَةِ اَلصَّلاةِ وإيتاءِ اَلزَّكاةِ والإقْرارِ بِاَللَّهِ تَعالى وطاعَتِهِ سُبْحانَهُ وذَلِكَ إقامَةُ اَلدِّينِ، وقالَ اَلْحافِظُ أبُو بَكْرِ بْنُ اَلْعَرَبِيِّ: لَمْ يَكُنْ مَعَ آدَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ إلّا بَنُوهُ ولَمْ يُفْرَضْ لَهُ اَلْفَرائِضُ ولا شُرِعَتْ لَهُ اَلْمَحارِمُ وإنَّما كانَ مُنَبِّهًا عَلى بَعْضِ اَلْأُمُورِ مُقْتَصِرًا عَلى بَعْضِ ضَرُورِيّاتِ اَلْمَعاشِ واسْتَمَرَّ اَلْأمْرُ إلى نُوحٍ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ فَبَعَثَهُ اَللَّهُ تَعالى بِتَحْرِيمِ اَلْأُمَّهاتِ والبَناتِ ووَظَّفَ عَلَيْهِ اَلْواجِباتِ وأوْضَحَ لَهُ اَلْأدَبَ في اَلدِّياناتِ ولَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَأكَّدُ بِالرُّسُلِ ويَتَناصَرُ بِالأنْبِياءِ واحِدًا بَعْدَ واحِدٍ شَرِيعَةً إثْرَ شَرِيعَةٍ حَتّى خَتَمَهُ سُبْحانَهُ بِخَيْرِ اَلْمِلَلِ عَلى لِسانِ أكْرَمِ اَلرُّسُلِ، فَمَعْنى اَلْآيَةِ شَرَعْنا لَكم مِمّا شَرَعْنا لِلْأنْبِياءِ دِينًا واحِدًا في اَلْأُصُولِ وهي اَلتَّوْحِيدُ والصَّلاةُ والزَّكاةِ والصِّيامُ والحَجُّ والتَّقَرُّبُ بِصالِحِ اَلْأعْمالِ والصِّدْقُ والوَفاءُ بِالعَهْدِ وأداءُ اَلْأمانَةِ وصِلَةُ اَلرَّحِمِ وتَحْرِيمُ اَلْكِبْرِ والزِّنا والإيذاءِ لِلْخَلْقِ والِاعْتِداءِ عَلى اَلْحَيَوانِ واقْتِحامِ اَلدَّناءاتِ وما يَعُودُ بِخَرْمِ اَلْمُرُوءاتِ فَهَذا كُلُّهُ مَشْرُوعٌ دِينًا واحِدًا ومِلَّةً مُتَّحِدَةً لَمْ يَخْتَلِفْ عَلى ألْسِنَةِ اَلْأنْبِياءِ وإنِ اِخْتَلَفَتْ أعْدادُهُمْ، ومَعْنى ﴿أقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا (p-22)فِيهِ﴾ اِجْعَلُوهُ قائِمًا أيْ دائِمًا مُسْتَمِرًّا مِن غَيْرِ خِلافٍ فِيهِ ولا اِضْطِرابٍ اِنْتَهى، ولَعَلَّهُ أرادَ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ والحَجِّ مُطْلَقَها لا ما نَعْرِفُهُ في شَرْعِنا مِنها فَإنَّ اَلصَّلَواتِ اَلْخَمْسَ والزَّكاةَ اَلْمَخْصُوصَةَ وصِيامَ شَهْرِ رَمَضانَ مِن خَواصِّ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ عَلى اَلصَّحِيحِ، والظّاهِرُ أنَّ حَجَّ اَلْبَيْتِ لَمْ يُشْرَعْ لِأُمَّةِ مُوسى وأُمَّةِ عِيسى عَلَيْهِما اَلسَّلامُ ولا لِأكْثَرِ اَلْأُمَمِ قَبْلَهُما عَلى أنَّ اَلْآيَةَ مَكِّيَّةٌ ولَمْ تُشْرَعِ اَلزَّكاةُ اَلْمَعْرُوفَةُ وصِيامُ رَمَضانَ إلّا في اَلْمَدِينَةِ، وبِالجُمْلَةِ لا شَكَّ في اِخْتِلافِ اَلْأدْيانِ في اَلْفُرُوعِ، نَعَمْ لا يَبْعُدُ اِتِّفاقُها فِيما هو مِن مَكارِمِ اَلْأخْلاقِ واجْتِنابِ اَلرَّذائِلِ ﴿كَبُرَ﴾ أيْ عَظُمَ وشَقَّ ﴿عَلى المُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهم إلَيْهِ﴾ عَلى سَبِيلِ اَلِاسْتِمْرارِ اَلتَّجَدُّدِيِّ مِنَ اَلتَّوْحِيدِ ورَفْضِ عِبادَةِ اَلْأصْنامِ ويُشْعِرُ بِإرادَتِهِ اَلتَّعْبِيرَ بِالمُشْرِكِينَ وهو أصْلُ اَلْأُصُولِ وأعْظَمُ ما شَقَّ عَلَيْهِمْ كَما تُنْبِئُ بِذَلِكَ اَلْآياتُ أوْ ما تَدْعُوهم إلَيْهِ مِن إقامَةِ اَلدِّينِ وعَدَمِ اَلتَّفَرُّقِ فِيهِ ﴿اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ مَن يَشاءُ﴾ تَسْلِيَةً لَهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِأنَّ مِنهم مَن يُجِيبُ، و(يَجْتَبِي) مِنَ اَلِاجْتِباءِ بِمَعْنى اَلِاصْطِفاءِ والضَّمِيرُ في ﴿إلَيْهِ﴾ لِلَّهِ تَعالى كَما ذَكَرَ مُحْيِي اَلسُّنَّةِ وغَيْرُهُ وكَذا اَلضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَهْدِي إلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ أيْ يَصْطَفِي إلَيْهِ سُبْحانَهُ مَن يَشاءُ اِصْطِفاءَهُ ويُخَصِّصُهُ سُبْحانَهُ بِفَيْضٍ إلَهِيٍّ يَتَحَصَّلُ لَهُ مِنهُ أنْواعُ اَلنِّعَمِ ويَهْدِي عَزَّ وجَلَّ بِالإرْشادِ والتَّوْفِيقِ مَن يُقْبِلُ إلَيْهِ تَعالى شَأْنَهُ، وعُدِّيَ اَلِاجْتِباءُ بِإلى لِما فِيهِ مِنَ اَلْجَمْعِ عَلى ما يُفْهَمُ مِن كَلامِ اَلرّاغِبِ، وجَعَلَهُ جَمْعٌ مِنَ اَلْجِبايَةِ بِمَعْنى اَلْجَمْعِ يُقالُ: جَبَيْتُ اَلْماءَ في اَلْحَوْضِ جَمَعْتُهُ فِيهِ فَمِنهم مَنِ اِخْتارَ جَعْلَ ضَمِيرِ (إلَيْهِ) في اَلْمَوْضِعَيْنِ- لِما- لِما فِيهِ مِنَ اِتِّساقِ اَلضَّمائِرِ أيْ يَجْتَلِبُ ويَجْمَعُ مَن يَشاءُ اِجْتِلابَهُ وجَمْعَهُ إلى ما تَدْعُوهم إلَيْهِ، ومِنهم مَنِ اِخْتارَ جَعْلَهُ لِلدِّينِ لِمُناسَبَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ هي اِتِّحادُ اَلْمُتَفَرَّقِ فِيهِ والمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ واَلزَّمَخْشَرِيُّ اِخْتارَ كَوْنَهُ مِنَ اَلْجِبايَةِ بِمَعْنى اَلْجَمْعِ وعَوْدَ اَلضَّمِيرِ عَلى اَلدِّينِ، وما ذَكَرَهُ مُحْيِي اَلسُّنَّةِ وغَيْرُهُ. قالَ في اَلْكَشْفِ: أظْهَرُ وأمْلَأُ بِالفائِدَةِ، أمّا اَلثّانِي فَلِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ أهْلَ اَلِاجْتِباءِ غَيْرُ أهْلِ اَلِاهْتِداءِ وكِلْتا اَلطّائِفَتَيْنِ هم أهْلُ اَلدِّينِ والتَّوْحِيدِ اَلَّذِينَ لَمْ يَتَفَرَّقُوا فِيهِ وعَلى مُخْتارِ طائِفَةٍ واحِدَةٍ.
وأمّا اَلْأوَّلُ فَلِأنَّ اَلِاجْتِباءَ بِمَعْنى اَلِاصْطِفاءِ أكْثَرُ اِسْتِعْمالًا ولِأنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّ أهْلَ اَلدِّينِ هم صَفْوَةُ اَللَّهِ تَعالى اِجْتَباهم إلَيْهِ واصْطَفاهم لِنَفَسِهِ سُبْحانَهُ، وأمّا اَلَّذِي آثَرَهُ اَلزَّمَخْشَرِيُّ فَكَلامٌ ظاهِرِيٌّ بَناهُ عَلى أنَّ اَلْكَلامَ في عَدَمِ اَلتَّفَرُّقِ في اَلدِّينِ فَناسَبَ اَلْجَمْعَ والِانْتِهاءَ إلَيْهِ، وقِيلَ: (ما تَدْعُوهم إلَيْهِ) عَلى مَعْنى ما تَدْعُوهم إلى اَلْإيمانِ بِهِ والمُرادُ بِهِ اَلرِّسالَةُ أيْ ثَقُلَتْ عَلَيْهِمْ رِسالَتُكَ وعَظُمَ لَدَيْهِمْ تَخْصِيصُنا إيّاكَ بِالرِّسالَةِ والوَحْيِ دُونَهم وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ مَن يَشاءُ﴾ رَدٌّ عَلَيْهِمْ عَلى نَحْوِ ﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ وما قَدَّمْنا أظْهَرُ
{"ayah":"۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحࣰا وَٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ وَمَا وَصَّیۡنَا بِهِۦۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَمُوسَىٰ وَعِیسَىٰۤۖ أَنۡ أَقِیمُوا۟ ٱلدِّینَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا۟ فِیهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِینَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَیۡهِۚ ٱللَّهُ یَجۡتَبِیۤ إِلَیۡهِ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِیۤ إِلَیۡهِ مَن یُنِیبُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق